عباس وزمرته: من التنسيق الأمني إلى التحريض ضد المقاومة
في لحظةٍ تاريخية تخوض فيها غزة أشرس معارك الكرامة ضد آلة الإبادة الصهيونية، يخرج علينا محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بتصريحاتٍ أقل ما يقال عنها إنها طعنةٌ في ظهر المقاومة، وخدمة مجانية لمخططات الاحتلال. في الوقت الذي يسيل فيه دم الشهداء أنهاراً على أرض غزة، وفيما العدو يكشف عن نواياه بتطهير غزة عرقياً والاستيلاء على ثرواتها، يقف عباس مدافعاً عن “التنسيق الأمني” المشين ومهاجماً قوى المقاومة الوطنية. هذا السقوط السياسي والأخلاقي للسلطة الفلسطينية، التي تحولت إلى أداة استعمارية بأيدٍ فلسطينية، يفرض على كل أحرار الشعب الفلسطيني وقفة حاسمة لإعادة تصويب البوصلة: فلسطين لن تتحرر إلا بالمقاومة، ولن تُباع مهما علت أصوات الاستسلام والمساومة والانبطاح.
في مشهد سياسي هزيل، يفتقر إلى اللياقة والأخلاق والكرامة الوطنية، وقف محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية غير الشرعي، أمام اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد استُحضر في هذا الاجتماع بشكل هزلي مشهد اجتماعات المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي عشية انهياره، نظراً للتشابه في أعمار أعضاء المجلسين المتقدمة، ليشن هجوماً سافراً على المقاومة الفلسطينية في غزة. جاء ذلك في لحظة تاريخية يخوض فيها أهلنا في القطاع معركة أسطورية دفاعاً عن الأرض والكرامة والوجود.
تصريحات عباس لم تكن مجرد زلة لسان أو تعبيراً عن موقف فردي، بل كانت تماهياً مفضوحاً مع الضغوط الأمريكية والصهيونية الرامية إلى نزع سلاح المقاومة وإخضاعها لشروط الاستسلام التي تسعى “إسرائيل” إلى فرضها بالقوة والغطرسة. ففي الوقت الذي يقدّم فيه شعب غزة الدماء والأرواح دفاعاً عن حقه وحريته، يخرج علينا عباس، متحدثاً بلسان صهيوني، مطالباً المقاومة بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون أي إشارة لمعاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال تحت ظروف قمعية وغير إنسانية.
غزة عقبة في طريق المشاريع الاستعمارية
عباس لا يتحدث من فراغ. تصريحاته تصب مباشرة في خدمة مشروع خطير بدأ يتضح للعيان: مشروع التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، كخطوة تمهيدية لاحتلال القطاع وفرض السيطرة على حقول الغاز والنفط الواعدة قبالة سواحل غزة، وهي ثروات تقدر بمليارات الدولارات.
المخطط يتجاوز حدود فلسطين، إذ أن وجود غزة المقاومة يشكل حجر عثرة كبير أمام المشروع الأمريكي الإسرائيلي لإنشاء “ممر الهند-إسرائيل”، الذي يربط الهند عبر الإمارات والسعودية والأردن وصولًا إلى ميناء حيفا، ليكون بديلاً استراتيجياً عن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. لذلك، فغزة اليوم ليست فقط تدافع عن نفسها، بل تقف ببطولة في وجه مشاريع استعمارية عابرة للقارات.
فئة باعت نفسها للعدو
تصريحات محمود عباس لا تنفصل عن مصالح الزمرة الفاسدة الطفيلية المحيطة به، المدعومة بشريحة فلسطينية كومبرادورية تشابكت مصالحها الاقتصادية مع العدو الصهيوني، حتى تحولت إلى طبقة تعيش على فتات الاحتلال. أما الزمرة التي تمثل هذه الطبقة سياسياً داخل السلطة الفلسطينية، فقد اتسمت بالفساد وسوء الإدارة، واعتادت بيع الوطن مقابل الامتيازات والصفقات المشبوهة.
نسبة قليلة من الشعب الفلسطيني، لا تتجاوز العشرات، تسيطر على غالبية الاقتصاد الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، يهيمن رجل الأعمال صبيح المصري على قطاعات حيوية مثل البنوك والاتصالات والطاقة. هؤلاء لا يرون في المقاومة سوى عقبة أمام استمرار نهبهم وسرقتهم لثروات الشعب الفلسطيني، ولا يتورعون عن بيع فلسطين وقضيتها مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، كما فعل يهوذا الإسخريوطي قبل ألفي عام.
بأي حقٍ يطالب عباس المقاومة، التي قدّمت مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل تحرير فلسطين، بتسليم سلاحها وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة؟
ماذا تقترح، يا حضرة الرئيس، أن يقدم أهل الضفة الغربية للعدو الصهيوني حتى يوقف حرب الإبادة ضدهم أيضاً؟
بأي حق يتحدث من لم يحقق لشعبه، طوال عقود، سوى المذلة والانكسار؟
ماذا أنجز عباس سوى أن عدد المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية قد تضاعف حتى قارب المليون؟
كيف يهذي من لا يستطيع حماية حتى “المقاطعة”، مقر إقامته في رام الله، حيث يعيث جيش الاحتلال خراباً متى شاء؟
هذه الزمرة التي ساهمت في إضعاف المقاومة بالتآمر عليها، وعملت على إفشال تحقيق الوحدة الوطنية، مما أضعف الموقف الفلسطيني الموحّد في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية.
في المقابل، ورغم الحصار الخانق والدمار الهائل، تمكنت المقاومة في غزة من إلحاق خسائر فادحة بالعدو في العتاد والأرواح، وأسقطت صورة جيش الاحتلال الذي كان يُعتقد أنه لا يُهزم، وساهمت في عزلة “إسرائيل” عالمياً، وأعادت إلى الأمة العربية والإسلامية جزءاً من كرامتها المهدورة.
من خدمة القضية إلى خدمة العدو
لم تقدّم السلطة الفلسطينية، ولا منظمة التحرير التي اختطفها عباس وزمرته، شيئاً لأهلنا في غزة. لم تُرسل حتى قنينة ماء لأطفالهم العطشى تحت الحصار. كل ما قدّموه هو القمع الأمني للمقاومة في الضفة الغربية، والتمسك الأعمى بالتنسيق الأمني “المقدس” مع الاحتلال، والحفر من وراء المقاومة والضغط عليها حسب رغبات العدو، وكأنهم صاروا جهازاً أمنياً إضافياً في خدمة العدو.
على الرغم من امتلاك السلطة الفلسطينية لعشرات السفارات والبعثات الدبلوماسية حول العالم، والتي تُنفق عليها مبالغ طائلة من أموال الشعب الفلسطيني، إلا أن إنجازاتها الدبلوماسية لصالح القضية الفلسطينية تظل شبه معدومة. بل إن بعض هذه البعثات وُجهت إليها التهم بعرقلة جهود دولية نبيلة، مثل تلك التي قادتها جنوب أفريقيا لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
وقد أشار الخبير في القانون الجنائي الدولي، الدكتور عصام عابدين، إلى أن الإحالات الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية تتسم بالموسمية وردود الفعل الضعيفة، وتفتقر إلى خطة مهنية منسقة بين الجهات الرسمية والأهلية الفلسطينية. وأكد أن هذا النقص في التنسيق والعمل المنهجي يضعف الجهود الرامية إلى محاسبة الاحتلال على انتهاكاته. كما أشار إلى أن هناك أكثر من 3500 مؤسسة مجتمع مدني فلسطينية، ومع ذلك، لم تتمكن من بناء منظومة قوية لملاحقة قادة وضباط الاحتلال المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
كرسي الانبطاح وزمرة الانحطاط
عباس، الذي تجاوز التسعين من عمره، لا يزال متشبثاً بكرسي السلطة كغريق يتمسك بقشة، تحيط به زمرة فاسدة باعت الوطن بأبخس الأثمان. هذه الزمرة تحولت إلى أداة مكشوفة في يد الاحتلال، تعمل على إبقاء الشعب الفلسطيني خاضعاً ساكناً خانعاً، لا يقاوم من أجل حريته وكرامته. إنهم يمثلون أدنى مستوى يمكن أن يصله الإنسان من النذالة والوضاعة والخيانة. كلما ازدادت بطولات غزة وصمودها، ازداد نباح هذه الزمرة المرتجفة خوفاً على مصالحها ومكتسباتها الشخصية.
فلسطين فوق الجميع
لقد آن الأوان للشعب الفلسطيني الحر أن ينهض، وأن يقتلع هذه الزمرة الخائنة من جذورها. لم يعد مقبولاً أن تبقى القضية الفلسطينية رهينة بيد مجموعة من المنتفعين العاجزين عن الفعل، المتمسكين بسراب “التسوية” بينما العدو ينهش أرضنا ويهوّد قدسنا ومقدساتنا.
إن مقاومة شعبنا هي التي حفظت وجودنا، وهي التي رفعت رأسنا عالياً في زمن الانحدار العربي الرسمي. مقاومة غزة ليست مجرد معركة لتحرير القطاع، بل هي معركة دفاع عن فلسطين كلها، وعن شرف الأمة كلها.
كل صرخة حرية تطلقها المقاومة، وكل شهيد يرتقي في غزة، وكل طفل يحمل حجراً في وجه الاحتلال، هو إعلان بأن فلسطين لا تزال حيّة، وأن الأمة، رغم كل الخيانات، لم تمت.
من يقف مع غزة يقف مع فلسطين، ومن يخونها يسقط إلى الأبد. في هذا المفصل التاريخي الحاسم، لا مجال للحياد. إما أن تكون مع المقاومة، مع الكرامة، مع الحرية، أو أن تكون في خندق الخيانة والذل والاستسلام.
إن دماء شهدائنا الزكية التي تروي أرض فلسطين يومياً، تحتم علينا أن نكون أوفياء لهم، وأن نواصل الطريق حتى النهاية. ولا نهاية لهذا الطريق إلا بالتحرير الكامل، من البحر إلى النهر، وإعادة فلسطين حرة عربية، رغم أنف الصهاينة والخونة والعملاء.
فليعلم عباس وزمرته، أن فلسطين أكبر منهم جميعاً، وأن الشعب الفلسطيني، الذي أنجب أمثال شهداء غزة، لن يرضى بغير الحرية والكرامة، ولن يغفر للخونة مهما طال الزمن.
لم يعد مقبولاً أن يبقى القرار الفلسطيني رهينة زمرة باعت الأرض والشهداء بثمن بخس. لقد أثبتت غزة بدمائها أن الكرامة الوطنية لا تُشترى ولا تُباع. وعلى الشعب الفلسطيني أن ينتزع زمامه من أيدي العاجزين والمتآمرين، وأن يواصل طريق المقاومة حتى التحرير الكامل. لا تنسيق أمني بعد اليوم، لا تفريط بالحقوق، لا ركوع تحت أي مسمى. فلسطين تُكتب بدماء أحرارها، لا بأقلام الخونة.
كاتب فلسطيني
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي