الحضارة الإسلامية في إسبانيا

الحضارة الإسلامية في إسبانيا

 

Telegram

 

يتميز الفتح العربي لإسبانيا - من بين كل الفتوحات التي قام بها العرب في نهاية القرن السابع الميلادي وأوائل الثامن بعيداً من البحر الأحمر والخليج العربي بالسرعة والجرأة والسهولة، فقد أتيح للمسلمين بموجبه الاستيلاء على أغنى أرض حلموا بها في نهاية مشوارهم تجاه غرب البحر الأبيض المتوسط. كما أن اقتحامهم غير المتوقع لشبه جزيرة إيبيريا - من أعمدة هرقل حتى حائط جبال البرانس - أثار دهشة وفزع العالم المسيحي الغربي، وتحير مؤرخو العصور الوسطى في تحديد الظروف التي هُيِّئت له". بهذه العبارات افتتح المستشرق العالم الفرنسي إيفاريست ليفي - بروفنسال في عام 1938 واحداً من كتابين من تأليفه سيتحولان إلى مرجع بالنسبة إلى تاريخ إسبانيا المسلمة سينشر ثانيهما بعد ذلك بـ10 أعوام. ولا بد أن نبدأ هنا كلامنا بتأكيد أن "الفزع" الذي أصيب به الغرب ويشير إليه الكاتب سيكون مثار سخريته طوال كتابيه، أما الدهشة فهي التي ستحركه للاشتغال على ذلك التاريخ. غير أن الدهشة تضافرت لديه مع حب للحضارة العربية سنرى بعد سطور كيف أنه كان دافعه الرئيس لهذين العملين الموسوعيين فيما كان في القاهرة محاضراً للتاريخ في جامعتها ومتنقلاً بين عديد من مناطق الشمال الأفريقي.

 

تاريخ بنظرة جديدة

مهما يكن من أمر يمكننا أن نقول بداية كمدخل هنا إنه من منذ عام 1861 لم يكن أي مستشرق قد أقدم على وضع تاريخ مفصل وموسع للوجود العربي - الإسلامي في الأندلس. كان آخر مؤلف في ذلك المجال قد صدر في ذلك العام المبكر وواضعه كان الهولندي دوزي، ولكن دراسات وبحوثاً عديدة كانت منذ ذلك الحين قد ألقت أضواءً جديدةً على تاريخ الأندلس، بحيث إن الأمر بات في حاجة إلى من يضع تاريخاً لتلك الفترة الذهبية من فترات التاريخ العربي - الإسلامي، يأخذ في حسبانه ما تم الكشف عليه. هذا العمل انتهى بالمستشرق الفرنسي إيفاريست ليفي - بروفنسال، لأن يأخذه على عاتقه، فشرع في كتابه ما لا يزال يعد حتى يومنا هذا قمة عطائه، وأهم ما خط في مجال التأريخ للأندلس، ولا سيما في كتابه "تاريخ إسبانيا الإسلامية" الذي لن يكون من غير المفيد أن نذكر أن الرجل بدأ بكتابته، بعدما انتقل إلى مدينة تولوز، في الجنوب الغربي الفرنسي، في 1940، بعدما هزم النازيون فرنسا، وبدأ المثقفون اليهود - وليفي بروفنسال منهم - يشعرون بالخطر. واللافت هنا أن قوانين النازيين المضادة لليهود كادت تطبق على ليفي بروفنسال في ذلك الحين لولا أن تدخل عديد من أصدقائه لدى السلطات النازية فاكتفت بإبعاده. وهناك في تولوز، حيث أقام هادئاً مرتاح البال عكف الرجل على وضع كتابه الأشهر، الذي كان قد حفزه على وضعه أمران: أولهما خلو الساحة الثقافية من كتاب شامل وحديث حول ذلك الموضوع، وثانيهما النجاح الهائل الذي كان من نصيب كتابين آخرين له، في الموضوع نفسه تقريباً، كان قد نشر أولهما "إسبانيا المسلمة في القرن العاشر" في 1932، وثانيهما "حضارة العرب في إسبانيا" في 1938. وهذا الأخير هو على أية حال الكتاب الذي تحدث فيه للمرة الأولى عن أن الشعر الجوال الذي كان معروفاً في فرنسا وأوروبا خاصة باسم "شعر التروبادور" إنما كان في أصله شعراً عربياً ازدهر في الأندلس لينتقل منها إلى نواحٍ أوروبية عديدة، وبخاصة إلى الجارة الفرنسية.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram