هل تسقط فرضية العوالم المتوازية؟ الفيزياء تُعيد الحسابات

هل تسقط فرضية العوالم المتوازية؟ الفيزياء تُعيد الحسابات

 

Telegram

 

هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ أم أن نسخًا أخرى منّا تعيش في عوالم موازية، تتفرّع في كل لحظة كما تتشعّب الطرق في غابة كثيفة؟ قد تبدو هذه الفكرة أقرب إلى الخيال العلمي، لكنها نابعة من قلب إحدى أعقد وأغرب النظريات في الفيزياء، وهي ميكانيكا الكم. حيّرت هذه النظرية العلماء والفلاسفة على حد سواء لأكثر من قرن، إذ تقدِّم لنا عالمًا يبدو غير منطقي: جسيمات توجد في مكانين في الوقت نفسه، قطط نصف حية ونصف ميتة، وواقع لا يُحسم إلا حين ننظر إليه.
 
وفي خضم هذا الغموض، انبثقتْ تفسيرات كثيرة، من بينها "العوالم المتعددة"، التي تفترض أن كل احتمال كمومي يؤدي إلى انقسام الكون ذاته إلى نسخ جديدة. لكن، ماذا لو لم نكن بحاجة إلى هذه العوالم المتعددة أصلًا؟ ماذا لو كانت القوانين التي اعتقدنا أنها تنهار في عالم الكم، تعمل بهدوء ودقة خلف الستار؟
 
في هذا المقال المترجم من مجلة "نيو ساينتست"، نأخذك في رحلة إلى قلب هذا السؤال، رحلة تبدأ من تجربة ذهنية بسيطة وتنتهي عند مفاهيم ثورية حول الحفاظ على الزخم، والزمن، والعلاقات الخفية بين الأشياء. رحلة يقودها فيزيائيون لا يسعون إلى تفسير الكون فحسب، بل إلى فهمه بعمق جديد قد يغيّر كل شيء.
بين الحين والآخر، يجدر بنا أن نتوقف لحظة لنشكر النسخ الأخرى من أنفسنا، تلك التي تعيش في عوالم موازية وتُشبهنا إلى حد كبير ولكن مع اختلافات بسيطة. فوجود هذه النسخ هو ما يساعد على حفظ التوازن في هذه الأكوان.
 
على الأقل، هذا ما يُقال إن كنت من أنصار نظرية العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم، ذاك التصور الجريء الذي وُلد قبل أكثر من 65 عامًا، ويقوم على فكرة مفادها أن الواقع لا يسير في مسار واحد، بل يتفرّع بلا انقطاع إلى مسارات متوازية، بفعل تفاعلات خفية تدور في عوالم الجسيمات الكمومية. ورغم أن هذه الفكرة قد تبدو مربكة للعقل، فإنها تمهّد الطريق لحلّ بعض أعقد المعضلات الفيزيائية.
ولهذا، لا عجب أن يؤمن بها عدد لا بأس به من الفيزيائيين الثاقبي البصيرة. لكن الآن، قد تواجه هذه الفكرة الغريبة (فكرة العوالم المتعددة*) تحدّيًا كبيرًا، وذلك بفضل عمل قام به عالما الفيزياء ساندو بوبيسكو ودانييل كولينز من جامعة بريستول في المملكة المتحدة. في البداية، لم يتمحور هدفهما حول مهاجمة فكرة الأكوان المتوازية، بل كانا يسعيان في الأصل إلى حل لغز في ميكانيكا الكم عمره 100 عام.
 
لكن خلال بحثهما، توصّلا إلى نتائج تهدد الركائز الأساسية التي تقوم عليها فكرة العوالم المتعددة. وعن ذلك، يقول كولينز: "لقد نسفنا فعليًّا أحد أهم الحجج التي كانت تُستخدم للدفاع عنها". قد يبدو ما توصّل إليه الباحثان أمرًا يُزعزع الاستقرار أو يُربك النظريات القائمة، لكن المفارقة أن ما بدا تهديدًا، قد يتحوّل إلى دَفعة منعشة أو جرعة تنشيط لنظرية الكم نفسها. فالعمل الذي أنجزه بوبيسكو وكولينز بدأ بالفعل يُضيء زوايا أخرى في عالم الكم، ويُساعد في تفكيك مفارقات استعصت على الفهم لعقود.
 
بالنسبة لبعض الباحثين في هذا المجال، تُمثّل نتائج هذا العمل نافذة نحو طريقة جديدة تمامًا في فهم الكون، لا باعتباره مجموعة أكوان متوازية، بل بوصفه واقعًا كموميًّا موحّدًا، يتشكّل من الداخل نحو الخارج. في السياق ذاته، يعلِّق نيكولا جيسين، الباحث في أساسيات نظرية الكم بجامعة جنيف بقوله: "إنه شيء يحمل بين طياته عمقًا جديدًا، وربما يكون الشرارة التي تُشعل طريقًا غير مطروق في فهم الكون".
 
تبدأ قصة هذه النتائج الغريبة من مبدأ بسيط لطالما كان جزءًا أساسيًّا من الفيزياء حتى قبل أن تولد نظرية الكم نفسها، يُعرف بـ"مبدأ حفظ الطاقة". والمقصود به أن ثمة بعض الأشياء مثل الطاقة لا تَفنَى، بل تتحوّل من شكل إلى آخر. على سبيل المثال: عندما تضغط على مكابح سيارتك فجأة، لا تختفي الطاقة الحركية التي كانت تدفع السيارة، بل تتحوّل إلى حرارة وضجيج في أجزاء المكابح، كالأقراص، والعجلات، والإطارات.
 
من حيث المبدأ، لا تقتصر قوانين الحفظ على الأجسام الكبيرة مثل السيارات، بل يُفترض أن تسري كذلك على أصغر مكونات الوجود التي تخضع لقوانين ميكانيكا الكم، مثل الذرّات والجسيمات المتناهية الصغر على غرار الفوتونات والكواركات. والمثير للانتباه أنه حتى ميكانيكا الكم -بكل غرابتها- يجب أن تخضع لهذه القوانين القديمة. لكن في قلب هذا الاتساق الظاهري، بقي هناك لغز لم يُحلّ بعد.
لكي نبدأ في فك خيوط هذه المعضلة، تخيّل أننا أعددنا تجربة نُطلِق فيها إلكترونًا نحو عشرة صناديق مصطفّة أمامه (بجوار بعضها البعض)، قد يستقر في أي واحد منها، ولا سبيل إلى الجزم بمكانه سلفًا. كل ما تمنحنا إياه ميكانيكا الكم هو خريطة احتمالات: في أي صندوق قد يظهر؟ وأيها أكثر ترجيحًا؟ لكن هذه الاحتمالات ليست ثابتة، فـمسار الإلكترون، والترتيب المكاني للصناديق، كلاهما يغيّر شكل الاحتمالات ويعيد توزيعها من جديد.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram