ترسيم الحدود اللبنانية السورية:
قراءة قانونية تحليلية في ضوء القرار 1680 والتطورات الإقليمية
بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
ترسيم الحدود اللبنانية السورية يمثل ملفًا شائكًا ومعقدًا، يتداخل فيه البعد القانوني مع الواقع الجغرافي والديموغرافي والسياسي. فهو ليس مجرد نزاع حدودي تقليدي، بل يتضمن صراعًا على السيادة والهوية، نتيجة لتداخل القرى والعائلات عبر الخط الحدودي، وغياب ترسيم رسمي واضح منذ الاستقلال.
أولًا: الجذور التاريخية للتداخل الحدودي
تعود جذور التداخل الحدودي بين لبنان وسوريا إلى فترة الانتداب الفرنسي (1920–1943)، حيث لم تُرسم الحدود بشكل دقيق، مما أدى إلى نشوء مناطق متداخلة مثل وادي خالد، طفيل، القصير، وحوش السيد علي. تعيش في هذه المناطق عائلات لبنانية وسورية على طرفي الحدود، ما يعقّد عملية الترسيم ويؤثر على حقوق السكان والخدمات الإدارية.
ثانيًا: الإطار القانوني لترسيم الحدود
1. غياب الاتفاقيات الثنائية:
رغم مرور أكثر من سبعة عقود على استقلال الدولتين، لم تُبرم أي اتفاقية رسمية لترسيم الحدود. وهذا الغياب يضعف من قدرة الدولتين على فرض السيادة ويؤدي إلى مشاكل قانونية في تسجيل الأراضي وضبط الأمن.
2. القرار 1680(2006):
صدر هذا القرار عن مجلس الأمن الدولي ودعا سوريا بشكل صريح إلى التعاون مع الحكومة اللبنانية لترسيم الحدود، وخاصة في منطقة مزارع شبعا. القرار يُعد أول توجّه دولي واضح يربط مسألة الترسيم باستقرار لبنان وسيادته. ورغم أهمية القرار، إلا أن سوريا لم تُبدِ تجاوبًا رسميًا مع مضمونه، مما عرقل تنفيذه.
3. آثار عدم الترسيم:
• غياب تنظيم قانوني واضح للحدود.
• تضارب في الحقوق العقارية والمِلكيات.
• تسلل وتهريب وانتشار السلاح.
ثالثًا: صراع الهوية والسيادة
إن الملف الحدودي لا يُمكن فصله عن البُعد السياسي والهوية:
• يتداخل النسيج الاجتماعي والعائلي بين سكان البقاع اللبناني والريف السوري.
• يُنظر إلى الترسيم أحيانًا كأداة لعزل قوى سياسية فاعلة، أبرزها حزب الله.
• دخول حزب الله في الحرب السورية عمّق الروابط عبر الحدود وجعل أي ترسيم يُفسَّر كخطوة ضد مصالحه الاستراتيجية.
رابعًا: البعد الإنساني والديمغرافي
السكان المحليون في المناطق المتداخلة يواجهون:
• حرمانًا من الخدمات الأساسية.
• صعوبات في إثبات الجنسية والحقوق.
• غياب تمثيل سياسي واضح.
وأكبر مثال: بلدة طفيل وهي بلدة لبنانية لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الأراضي السورية، وتعيش خارج نطاق الخدمات الرسمية اللبنانية.
خامسًا: التحديات السياسية للتنفيذ
• غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين.
• تعقيدات تتعلق بدور حزب الله وانتشاره في المناطق الحدودية.
• تردد المجتمع الدولي في الضغط الجدي لتنفيذ القرار 1680.
سادسًا: الحلول القانونية والعملية
1. تفعيل لجنة حدودية مشتركة بإشراف الأمم المتحدة.
2. المسح الميداني الرقمي للقرى المتنازع عليها.
3. تنظيم سجل عقاري مشترك للمناطق الحدودية.
4. ضمان الحقوق المدنية والاقتصادية لسكان المناطق المتداخلة.
5. ضغط دولي لتطبيق القرار 1680 وإعادة طرحه كأولوية دبلوماسية.
ان قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا ليست مجرد خلاف إداري، بل هي اختبار لسيادة الدولة اللبنانية ولقدرتها على فرض القانون في مواجهة نفوذ خارجي داخلي. إن القرار 1680 يظل المرجعية القانونية الدولية الأبرز، لكنه بحاجة إلى تفعيل سياسي داخلي ودعم دولي صريح لضمان أمن الحدود وإنصاف سكانها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :