خمسون عاماً على الرصاصة الأولى.. الحرب الأهلية: ذاكرة لم تُدفن بعد!

خمسون عاماً على الرصاصة الأولى.. الحرب الأهلية: ذاكرة لم تُدفن بعد!

 

Telegram

 

خمسون عاماً مرّت على إطلاق الرصاصة الأولى في عين الرمانة، كانت رصاصة واحدة، لكنّ صداها ما زال يتردّد حتى اليوم، في الرابع عشر من نيسان 1975، لم يفتح اللبنانيون فقط باب الحرب، بل شرّعوا أبواب الخوف، والتهجير، والانقسام.
نصف قرن مرّ…
نعيش اليوم في بلد يشبه ما بعد الحرب أكثر مما يشبه السلام، بلد يتقن طيّ الصفحات من دون أن يقرأها، يتقن دفن القتلى من دون أن يسأل من قتلهم، بلد يتقن النسيان، ويتفنّن في إعادة إنتاج أزماته كل عقد أو اثنين، تماماً كما يعيد تدوير زعمائه.
خمسون عاماً، تغيّرت فيها الوجوه، لكن بقيت اللعبة نفسها: طوائف تتقاسم النفوذ، زعامات ترفع شعارات الحقوق، وشعب ينقسم على نفسه كلما خاف أن يُسلب ما تبقى له من امتيازات أو أوهام، لا أحد يربح في هذه اللعبة، كلنا خاسرون: من سكن الملاجئ، من دفن أحباءه، من تهجّر، ومن لم يُمنح حتى ترف الحياد.
في الذكرى الخمسين، لا نحتاج إلى لائحة طويلة بالمجازر والمعارك وخطوط التماس، بل نحتاج إلى لحظة صدق، الحرب لم تكن فقط بالمدافع، بل كانت في عقل كل لبناني شعر أن بقاء طائفته أهم من بقاء وطنه، أن كرامته لا تكتمل إلا بإلغاء الآخر
اليوم، وبعد خمسين عاماً، ما زال اللبناني يبحث عن وطن، يسافر ليعيش، يعود ليتذكّر، ويكتب على الجدران “نريد دولة” كأنها شعار ثوري، لا بديهة.
لكن رغم كل شيء، هناك بصيص أمل، الأمل في جيلنا الجديد الذي لم يعش الحرب، لكنه يرفض تكرارها، جيل يسأل أسئلة لم نجرؤ على طرحها: لماذا حدثت؟ من تسبّب بها؟ ولماذا لم يُحاسَب أحد؟
جيل لا يريد أن يُعرّف عن نفسه بـ”المسيحي” أو “الشيعي” أو “الدرزي” أو “السني”، بل بـ”اللبناني”، وكأنها هوية محرّمة منذ عقود.
خمسون عاماً مرت، ولا تزال صور الدمار والمجازر والتهجير محفورة في وجدان أجيال لم تعش الحرب، لكنها ورثت نتائجها.
في بلد يتعثر في ماضيه، وتُختزل السياسة فيه بتوازنات هشّة بين الطوائف والمذاهب، لا تزال لغة الحرب حاضرة بطرق مختلفة: في الخطاب، في الذاكرة الجماعية، وفي الخوف الكامن من عودة الصراع عند كل أزمة.
ورغم مرور أكثر من قرن على إعلان “دولة لبنان الكبير”، لم تنجح التجربة اللبنانية حتى الآن في بناء دولة تعلو فوق الانتماءات الضيقة وتكفل الحقوق بالمساواة والشفافية
الحرب التي اشتعلت شرارتها عام 1975 لم تكن لحظة انفجار فقط، بل نتيجة تراكمات من الخلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، استغلتها أطراف داخلية وخارجية لتفتيت النسيج اللبناني.
في هذه الذكرى، لا بد من مراجعة صريحة وشجاعة لتاريخ الحرب وأسبابها وتداعياتها، فالذاكرة ليست لعنة، بل يمكن أن تكون البوصلة التي تمنع تكرار الكارثة.
في ذلك اليوم المشؤوم، كان الدم الفلسطيني واللبناني يُراق على أرصفة بيروت، في “حادثة البوسطة”، التي فتحت أبواب الجحيم على البلاد، تبعتها مجازر دموية، من “السبت الأسود” إلى الكرنتينا والدامور، حيث قُتل الأبرياء فقط لأن هوياتهم كُتبت على قاعدة الانتماء الطائفي، لا على أساس المواطنة.
“الخط الأخضر” شطر بيروت إلى شطرين، ومعه انقسم الوطن بين شرقٍ وغرب، وتدخّلت سوريا بطلب من الرئيس سليمان فرنجية لحماية المسيحيين، فازدادت المعادلات تعقيدًا، ثم اجتاح الاحتلال الاسرائيلي جنوب لبنان في 14 آذار 1978، ووصل إلى قلب بيروت ب15 حزيران، في لحظة صار فيها البلد رهينة حسابات إقليمية ودولية.
وخلال سنوات الحرب، أبيدت عائلات برمّتها، تهجّر مئات الآلاف، وتحوّلت الدولة إلى فراغ تتقاسمه الميليشيات، وصولاً إلى حادثة “صبرا وشاتيلا” حيث قتل ما يقارب 3500 فلسطيني بمساعدة إسرائيلية.
لم تهدأ الحرب حتى أواخر عام 1990، بعد اتفاق الطائف الذي أنهى المعارك لكنه لم يُنهِ الانقسام.
واليوم، بعد مرور نصف قرن، لا تزال جراح الحرب مفتوحة في ذاكرة الناس، ليتجدد الوجع كلما عادت الطائفية إلى الساحات، وكلما عجزت الدولة عن أن تكون لجميع أبنائها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram