الفلسطينيون في لبنان: السلاح، السيادة، وحق العودة
بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
تُعد قضية الوجود الفلسطيني في لبنان من أعقد القضايا المرتبطة بالسيادة اللبنانية والتنظيم الأمني الداخلي، كما أنها تتشابك مع مسارات الصراع العربي الإسرائيلي. تتجدد أهمية هذا الملف اليوم في ضوء التطورات السياسية والأمنية، والضغوط الدولية على لبنان لتطبيق قرارات الأمم المتحدة، ولا سيما القرارين 1559 و1701، إضافة إلى اتفاق الطائف، في سياق ضبط السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة.
1. السلاح الفلسطيني والسلطة اللبنانية
منذ سبعينيات القرن الماضي، واجه لبنان صعوبات في تنظيم وجود السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات. رغم توقيع "اتفاق القاهرة" عام 1969 لتنظيم النشاط المسلح الفلسطيني، إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة، ما دفع الدولة لاحقاً إلى السعي لسحب السلاح تدريجياً. وقد تبنّت هيئة الحوار الوطني عام 2006 ضرورة نزع السلاح خارج المخيمات خلال مهلة زمنية محددة، مع ضمان أمن المخيمات من قبل الدولة. وفي ديسمبر 2024، أعلن الجيش اللبناني تسلّمه لمواقع عسكرية خارج المخيمات، ما يُعد خطوة إيجابية باتجاه بسط سيادة الدولة.
2. الفلسطينيون بين التوطين وحق العودة
لبّ المشكلة ليس فقط أمنيًا، بل يرتبط جوهريًا بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، الذين يتجاوز عددهم 174 ألفًا مسجّلين رسميًا في لبنان، ويعيشون في ظروف اجتماعية صعبة. التوطين مرفوض دستوريًا في لبنان، إذ تنص مقدمة الدستور المعدلة بعد اتفاق الطائف صراحة على "لا للتوطين". ويخشى لبنان، كما العديد من الدول العربية، من فرض توطين الفلسطينيين كبديل لحق العودة، في ظل دعم بعض القوى الدولية لهذا التوجه.
3. حق العودة: البعد القانوني والسياسي
يُعتبر حق العودة حقاً إنسانياً وقانونياً أساسياً، أكّده القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 13). كما ربطت الأمم المتحدة بين قبول إسرائيل عضواً فيها وتنفيذ هذا القرار. وقد أُدرج حق العودة في اتفاقيات جنيف، وقرارات مجلس الأمن مثل القرارين 242 و338. هذا الحق ذو أبعاد متعددة:
• قانوني: مكفول بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
• شخصي وجماعي: لا يسقط بمرور الزمن أو نتيجة لأي اتفاق سياسي.
• مدني وسياسي: يتعلق بالملكية والمواطنة وتقرير المصير.
4. المواقف المتباينة
• الدولي: رغم صدور قرارات واضحة لصالح حق العودة، إلا أن الأمم المتحدة فشلت في فرض تنفيذها، نتيجة الفيتو الأميركي المتكرر لصالح إسرائيل.
• الفلسطيني: تتفق غالبية الفصائل على عدم التنازل عن حق العودة، وتعتبره حقاً مقدساً لا يقبل المساومة.
• الإسرائيلي: ترفض إسرائيل هذا الحق بحجج ديموغرافية وأمنية، وتدّعي أن القرار 194 غير ملزم، وهي تروّج بدائل كالتوطين في بلدان اللجوء.
5. التوطين: نقيض العودة
ترى العقيدة الصهيونية أن التوطين يخدم هدفها الأساسي في السيطرة على الأرض عبر تفريغها من سكانها الأصليين. ولهذا، فإن توطين اللاجئين الفلسطينيين يُعد تهديداً مباشراً لحق العودة. ويُعد الموقف اللبناني الرسمي – الرافض للتوطين – انسجاماً مع القانون الدولي، الذي يُكرّس العودة كحق لا يمكن التنازل عنه.
في ضوء ما تقدم، يتّضح أنّ مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تمثّل إشكالية ذات أبعاد قانونية ودستورية معقّدة، لا يمكن التعامل معها إلا ضمن إطار يحترم أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولا سيّما القرار 194 الذي يُكرّس حق العودة كحق غير قابل للتصرف، وفقاً لما أكدته الجمعية العامة مراراً وتكراراً. كما أن رفض التوطين في الدستور اللبناني، المنصوص عليه صراحة في مقدمة الدستور، يُلزم الدولة اللبنانية بعدم السير في أي مسار من شأنه الإخلال بالثوابت الوطنية أو المساس بالسيادة الداخلية.
وعليه، فإنّ أي حلّ مستدام وعادل لقضية اللاجئين يجب أن يرتكز على التمسك بحق العودة ورفض التوطين، بما ينسجم مع النصوص القانونية النافذة في لبنان ومع التزاماته الدولية، مع ضرورة ضمان الحقوق المدنية للاجئين بما لا يتعارض مع هذه الثوابت، وصولاً إلى معالجة إنسانية عادلة تحفظ الكرامة وتؤسس لسلام مبني على العدالة والشرعية الدولية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي