في كثير من المواقف يُستهدف الفكر من أجل إضحاك متلقٍ ما فتصبح الفكاهة والفكر في وضع الخصومة المباشرة، وكعادة الخصوم في السعي إلى التعبئة يحاول كل طرف بسط سيطرته على الإعلام وخاصة المرئي منه -التلفاز- وفي هذا السعي تشهر الفكاهة سلاح الكوميديا. حيث تحقق بفضله نصرا ساحقا وتتربع على عرش الإعلام المرئي. وتحقق أعلى نسب المشاهدات، خاصة في عالمنا العربي.
ولا يخفى على أحد قدرة الإنتاج المرئي على التأثير في المجتمع. تتعدد أشكال وأساليب معاداة الفكر والهدف هنا تسليط الضوء على أحدها وهو كوميديا التلفاز لأنها واسعة نطاق الاستهلاك -سواءً بواسطة جهاز التلفاز أو الإنترنت- من طرف ما يمكن تسميتهم "معادي الفكر". والمقصود هنا الكوميديا البليدة وليس البرامج الساخرة والتي كثيرا ما تكون مسيَّسةً.
يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه "هل هو عصر الجنون؟": "ويضاعف من الأثر النفسي للتلفزيون.. أننا نتلقى برامجه ونحن في حالة استرخاء… وهذه الحالة تجعل النفوس مفتوحة قابلة للتطبع بكل فكرة ترد عليها." المقولة السابقة تتناول تأثير التلفاز بشكل عام ولكن أنواع البرامج تختلف وكذلك درجة تأثيرها، ففي البروباغاندا تكون الخطابات السياسية أو المسيَّسة في تصادم ويؤدي هذا إلى نوع من التوازن بينها وغالبا ما يكون المتلقي على درجة من الوعي المتوجَّس من مختلف التوجّهات، ولكن خطر الكوميديا "البريئة" في كونها تخاطب لاوعي المتلقي الّذي يسعى في العموم إلى الضحك والاستمتاع فقط بدون تحفّظ فضلا عن التحليل أو النقد. وبتوظيف الكوميديا المعادية للفكر للإعلام بمختلف استراتيجياته في التأثير في الجماهير تخلق لا وعياً جمعياً يتبنى إقصاءَ الفكر من المجتمع، ولفظِ المفكرين من محيطهم ودفعهم إلى الاحتفاظ بفكرههم لأنفسهم، أو ممارسته في حيز متكتِّلٍ مجردٍ عن سياقة الجمعي.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي