هل تشتعل الحرب من جديد؟
قدّم العدو الصهيوني “هدية” للشعب اللبناني، بمناسبة العيد، غارة فجر الأربعاء على الضاحية الجنوبية.
“هدية” تشبه هذا الكيان الذي لا يفقه سوى لغة الموت والدمار، ليواجه شعباً يريد الحياة رغم كل فوّهات الموت الموجّهة على صدره، متمسك ببريق أمل يحجب رؤيته دخانُ الغارات الصهيونية.
تزامن الغارات، والتصعيد الاسرائيلي، رغم المهادنة اللبنانية، يرتبط حد الالتصاق بالسعي الأميركي لإقامة مفاوضات مباشرة بين الكيان الصهيوني ولبنان.
هذا التصعيد يشكّل ضغطاً كبيراً على البلد المنهك، والذي لم يلملم بعد آثار الحرب الهمجية التي شنتها “اسرائيل”.
تستند الولايات المتحدة الأميركية على تعب الشعب اللبناني عموماً، وبيئة المقاومة خصوصاً، من رائحة الموت ومشاهد الدمار وشبح القصف الذي يلاحق الصغير والكبير، لتشكّل بذلك آلة ضغط على البيئة، التي تقف عائقاً بوجه أي مفاوضات مباشرة أو تطبيع، علني أو خفي، مع كيان الاحتلال.
الأمر ليس تحليلاً، بل إنه أمر واقع، حيث أفصحت مراراً العديد من الأطراف اللبنانية عن موافقتها – أو على الأقل عدم اعتراضها – على ابرام معاهدات سلام واتفاقات مع “اسرائيل”، وبالتالي بقيت بيئة المقاومة والتي قدّمت الغالي والنفيس في حربها ضد المشروع الصهيوني التوسّعي بمواجهة مباشرة مع مشاريع التطبيع والسلام.
هذا الرفض غير القابل للنقاش من وجهة نظرهم، تعتبرُ الولايات المتحدة ومن خلفها “اسرائيل” أنه السبب وراء رفض السلطة اللبنانية المفاوضات المباشرة مع العدو.
إلا أنه ما لا يخفى على أميركا، لكنها تحاول غض النظر عنه، هو أن البيئة الشيعية خصوصاً تستند إلى عقيدة دينية وليس فقط الانتماء الوطني، وبالتالي فكرة الاستسلام غير واردة تحت شعار “بكربلاء الكل استشهد”.
ثانياً، أن المنازل التي فقدت عزيزاً، لن تساوم على دمائه مهما كلّف الأمر.
ثالثاً، وهو الأهم، ان استشهاد السيد حسن نصر الله، أصبح نبراساً جديداً في مسار الجهاد حتى النصر، وانهيار العزيمة يعتبر خيانة لدمائه التي سالت على طريق القدس.
وبمعزل عن الأسباب والدوافع، لأن وحشية”اسرائيل” لا تحتاج لأسباب أصلاً لتشبع غريزتها الاجرامية، الا أنه لا بدّ من الوقوف ملياً أمام تبعات ونتائج هذه الاعتداءات المتكررة من الجنوب إلى البقاع مروراً بالعاصمة بيروت، بانذار أو بدون.
ربما تعمل “اسرائيل” على استدراج “حزب الله” الذي يؤكد في كل مرة أنه يقف خلف الدولة اللبنانية.
“حزب الله” الذي يحاول إعادة ترتيب البيت الداخلي، بدءاً من التعيينات، مروراً بالخروقات الأمنية واللوجستية، وصولاً إلى القدرات العسكرية، لم -ولن- يعتزل العمل الجهادي، وهذا ما أكّده مراراً الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، أما هدوءه مقابل ما يحصل من اعتداءات فيمكن وضعه في الخانات التالية:
– لم يتمكن الحزب حتى اليوم من اعادة السيطرة على مداخل ومخارج المعلومة، وما زال يشعر بالخرق الأمني من قبل العدو، وهذا ما يجعله يفكر ملياً قبل أي خطوة يمكن اتخاذها، لأنه في اللحظة التي يقرر الحزب فيها ردع “اسرائيل” سيكون ذلك عبر عملية نوعية.
– عدم رغبة الحزب بالانجرار وراء الاستفزاز الاسرائيلي، التي ترغب باعادة الحرب الشاملة من جديد، لما ستخلّفه هذه الحرب، إن عادت، من خسائر مادية وبشرية لا تعدّ ولا تُحصى، أمام التعطّش الصهيوني للدماء.
– الدولة اللبنانية التي أشبعت الشعب اللبناني وعوداً بأن الدبلوماسية هي الحل، أفسح “حزب الله” المجال لها في تحقيق نتائج ملموسة من خلال الدبلوماسية، التي قالت إنها تحتاج بعض الوقت.
ولكن في ظل كل هذه الاحتمالات، كيف سيتعامل “حزب الله” مع الواقع الجديد؟ وهل سيقبل باقصاء دور المقاومة بشكل كامل؟ خصوصاً أن ما يجري يضع اللبنانيين أمام مخاوف كبرى بأن يتحول جزء من لبنان إلى مشروع “ضفة غربية” جديدة، تكون يومياً على موعد مع اعتداءات اسرائيلية، حيث أن العدو لم يعد يقبل بأي وجود لـ”حزب الله” لا في جنوب الليطاني، ولا شماله، ولا في أي بقعة جغرافية على الأراضي اللبنانية، بل وعاد للأذهان ذرائع “اسرائيل” لاجتياح لبنان عام 1978 و1982، والمتمثلة بوجود الفصائل الفلسطينية المقاومة، واطلاق عمليات من لبنان باتجاه كيان الاحتلال، باتخاذها اليوم المسرحية الفاشلة باطلاق الصواريخ نحو الأراضي المحتلة ذريعة لاستئناف الحرب على لبنان.. كما حصل في غزة.
وأمام هذه القراءة، يبقى السؤال عن دور لجنة المراقبة لتطبيق وقف اطلاق النار، الذي استبدله البعض بسؤال “على شو مضي بري والحزب”، في إشارة الى موافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” على قرار وقف اطلاق النار بما يتضمنه من حرية عمل “اسرائيل” في لبنان، وهو تفسير أقل ما يُقال عنه سطحي وساذج، فهل يمكن أن يقبل “المهدد بالموت” بالتوقيع على ورقة موته بيده؟
فإن كانت الموافقة على قرار وقف اطلاق النار هدفها وقف حمام الدم والحد من الخسائر، بماذا سيكون استفاد المعني إذا كان موافقاً على سفك دمائه بـ”المفرّق”؟
اللجنة التي تبنّت دور الأمم المتحدة، بشجب وإدانة الاعتداءات، واعرابها عن قلقها عند كل حادثة، باتت في سبات عميق، ولم تحرك ساكناً.. في الوقت الذي تتفرّغ الولايات المتحدة لتبرير كل جرائم وخروقات ابنتها المدللة “اسرائيل”، مما يعطيها ضوءًا أخضر في ارتكاباتها.
أما الدولة اللبنانية، فتكتفي بالرفض والاستنكار، والاشهار بسعيها لمعالجة الأمر لكن من دون أي نتائج تُذكر، بل على العكس، الدولة اللبنانية تستنكر و”اسرائيل” تصعّد.. “ومش رايحة الا عالشعب”، فهل ستفعلها الدولة اللبنانية وتعلنها حرباً إن لم تنفع الدبلوماسية؟ أم أن المناطق والناس المستهدفة ليست ضمن حسابات المعنيين؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي