في تطور جديد على الساحة السورية، أعلن مقداد فتيحة، أحد عناصر النظام السوري السابق، عن تأسيس تنظيم مسلح يحمل اسم "لواء درع الساحل"، متخذًا من جبال اللاذقية نقطة انطلاق له.
وجاء هذا الإعلان عبر مقطع فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، حيث برر فتيحة تشكيل هذا الفصيل المسلح بمواجهة ما وصفه بـ"انتهاكات" الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، خاصة في المناطق الساحلية.
وشهدت مناطق الساحل السوري اضطرابات متزايدة منذ سقوط نظام بشار الأسد، ومع تصاعد النفوذ العسكري للإدارة السورية الجديدة، برزت تحركات من قبل بعض الفصائل الرافضة للواقع الجديد.
في هذا السياق، أطلّ مقداد فتيحة، الذي كان متطوعًا سابقًا في "الحرس الجمهوري"، ليعلن تأسيس لواء جديد يهدف إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد أجهزة الدولة الجديدة، مشيرًا إلى أن اللواء "سيدافع عن أبناء الطائفة العلوية" ضد ما وصفه بمحاولات فرض السيطرة الأمنية عليهم.
وفي تصريحاته المصورة، أكد فتيحة أن "لواء درع الساحل" لن يتوانى عن استهداف عناصر إدارة العمليات العسكرية والأمن العام داخل مناطق الساحل وخارجها، مضيفًا أن هذه الخطوة جاءت ردًّا على ما أسماه بـ"الاعتداءات المتكررة" التي طالت العلويين في مدن الساحل.
كما حثّ أبناء الطائفة على عدم تسليم أسلحتهم، معتبرًا أن هناك "مخططات لنزع سلاحهم بحجج مختلفة"، داعيًا إياهم لمواجهة أي قوات تحاول دخول قراهم.
ويُعرف مقداد فتيحة، الملقب بـ"أبو جعفر"، بأنه أحد الشخصيات العسكرية البارزة التي خدمت في صفوف "الحرس الجمهوري"، وهي إحدى أقوى الفرق العسكرية التابعة للنظام السابق.
وبحسب تقارير إعلامية، كان فتيحة على صلة وثيقة بكبار القادة العسكريين في الجيش السوري، وكان ناشطًا في توثيق الانتهاكات الأمنية في الساحل السوري حتى قبل سقوط النظام.
وسبق أن ظهر في تسجيلات مصورة يطالب فيها الأجهزة الأمنية في الساحل بحماية المدنيين من جرائم السرقة والخطف، التي زادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
وبعد انهيار النظام، اختفى فتيحة لفترة قبل أن يظهر مجددًا في فيديو إعلان "لواء درع الساحل"، ما أثار تساؤلات حول مصادر تمويله والدعم الذي يتلقاه.
في سياق متصل، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تنفيذ مسلحين تابعين لسلطة أحمد الشرع في سوريا لـ35 عملية إعدام بإجراءات موجزة خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وأشار المرصد إلى أن معظم الضحايا كانوا من عناصر نظام الرئيس السابق بشار الأسد. وشملت الانتهاكات، وفقاً للمرصد، حملات اعتقالات عشوائية طالت عشرات الأشخاص، وإهانتهم وإذلالهم بشكل بشع، بالإضافة إلى الاعتداء على رموز دينية.
كما أشار المرصد إلى تطور الانتهاكات لتشمل جرائم التنكيل بالجثث، والإعدامات الميدانية، وعمليات القتل الوحشية التي طالت عدداً من المدنيين. ووصف المرصد هذه المشاهد بأنها تعكس مستوى غير مسبوق من القسوة والعنف، مما يزيد من حدة التوترات الطائفية والعسكرية في المنطقة.
تصريحات مقداد فتيحة تعكس حالة الغضب والاستياء التي تعيشها الطائفة العلوية في سوريا، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل بعض الفصائل المسلحة. وفي الوقت نفسه، تؤكد تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، مما يزيد من تعقيد الأزمة السورية ويؤجج الصراعات الداخلية.
لم يكن "لواء درع الساحل" التشكيل الأول الذي يظهر في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، حيث سبق أن تم الإعلان عن تشكيل فصائل مسلحة أخرى خلال الأشهر الماضية.
ففي أواخر العام الماضي، أعلنت مجموعة تطلق على نفسها "المقاومة السورية في الساحل" عن وجودها، وضمّت مقاتلين من دمشق والساحل ومدن سورية أخرى.
وطالبت هذه المجموعة السلطات السورية الجديدة بوقف ما وصفته بـ"الانتهاكات" ضد أبناء الساحل، محذرة من احتمال اندلاع صراع دموي في حال استمرت العمليات الأمنية في مناطقهم.
ومع ظهور "لواء درع الساحل"، يبدو أن المنطقة مرشحة لمزيد من التوترات والصدامات المسلحة بين الفصائل المناوئة للحكومة والقوات النظامية الجديدة.
يأتي إعلان فتيحة في وقت تحاول فيه الحكومة السورية الجديدة فرض الاستقرار، بينما تواجه تحديات متعددة، من بينها محاولات فرض الأمن وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد سنوات من الحرب والانهيار السياسي.
ومع ذلك، فإن تحركات مثل تشكيل "لواء درع الساحل" قد تعرقل هذه الجهود، خاصة إذا حصل الفصيل الجديد على دعم داخلي أو خارجي، أو في حال امتد نشاطه إلى مناطق أخرى خارج الساحل السوري.
وتشير التحليلات إلى أن هذا الإعلان قد يكون مقدمة لموجة جديدة من العنف، خصوصًا إذا ما انضمت إليه مجموعات أخرى غير راضية عن الأوضاع السياسية الحالية.
وفي الوقت ذاته، لا يزال موقف الحكومة السورية الجديدة غير واضح فيما يخص كيفية التعامل مع هذا التهديد الناشئ، وما إذا كانت ستعتمد الحلول الأمنية فقط أم ستسعى لاحتواء الموقف عبر وسائل سياسية واجتماعية.
في ظل هذه التطورات، يبقى المشهد السوري مفتوحًا على احتمالات متعددة، قد تتراوح بين احتواء هذه التحركات المسلحة عبر الحوار أو تصاعد المواجهات في الساحل، مما قد يعيد البلاد إلى دوامة جديدة من العنف والانقسام.
نسخ الرابط :