شدَوا الأحزمة - أحمد أصفهاني

شدَوا الأحزمة - أحمد أصفهاني

 

Telegram

 

أحمد أصفهاني

لا تحفظ ذاكرتي الشيء الكثير عن دروس مادة الفيزياء في المرحلة الثانوية الأولى، لكن أزمة الطائرات الإيرانية بسبب قرار الحكومة اللبنانية منعها من النزول في مطار بيروت الدولي، وما رافق ذلك من تحديات في الشارع وبالقرب من المطار، أعادت لي تفاصيل درس تلقيناه من أستاذ الفيزياء الذي أحضر، ذات يوم، على سبيل الإعارة أداة لقياس قدرة التحمل الذاتية عند بعض المواد المعدنية والمطاطية، في ظل ظروف متغيرة.

 

كان الدرس عن أن لكل مادة نقطة محددة لا يعود بإمكان قدرتها عندئذ على مواجهة الضغط الخارجي. فإذا تخطى الضغط نقطة اللاعودة، ستنقطع القطعة. ربط أستاذ الفيزياء شريطاً مطاطياً بآلة الاختبار من الأعلى، وأخذ يزيد الأوزان شيئاً فشيئاً ويربطها بالطرف السفلي للشريط. وراح المطاط يتمطى ويتمدد... إلى أن بلغ النقطة الحاسمة التي هي أقصى درجات الاحتمال عنده، فانقطع. الكلمة الإنكليزية التي شرحها الأستاذ هي Tension، ولها ترجمات عديدة منها التوتر، الضغط، الجهد... إلخ!

 

ما يحدث بالنسبة إلى الرحلات الجوية الإيرانية نحو بيروت هو الجانب المرئي من مسألة أكبر بكثير من "إجراء أمني" تتخذه الحكومة اللبنانية الجديدة. كما أن التظاهرات والاعتصامات وإغلاق الطرقات التي يقوم بها المطالبون بإبقاء المجال الجوي اللبناني متاحاً للطائرات الإيرانية المدنية... هذه التحركات الشعبية تتجاوز حق المواطن في النزول إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، فهي تتضمن رسالة واضحة إلى التركيبة السياسية الحاكمة.

 

الوضع اللبناني يشبه حالياً ذلك الشريط المطاطي الذي أجرى عليه أستاذ الفيزياء "الاختبار السحري"، مع وجود فارق هام يمكن أن يكشف لنا ما الذي يتم تخطيطه للأمة وطناً وشعباً. وأقصد بذلك أن طرفي معادلة المواجهة، كل طرف من جانبه، يزيدان كمية الأوزان التي تضاف إلى أسفل الشريط... من دون أي إدراك لخطورة بلوغ الشريط نقطة اللاعودة. ونحن نعلم أن إشكاليات الرحلات الجوية الإيرانية إلى لبنان تمثل النموذج الأصغر والأسهل في ملف العلاقات اللبنانية – الإيرانية المعقدة بعد المتغيرات الأخيرة المذهلة في منطقتنا.

 

والواقع المرّ في الكيان اللبناني يُظهر أن حجم الاستقطاب بلغ نقطة اللاعودة بين الأفرقاء المحليين، الواقعين تحت سيطرة الإرادات الإقليمية والدولية. وقد ضاقت كثيراً، حتى كادت أن تختفي، هوامش المناورات لتحل مكانها نزعات عدوانية دموية تفضل "الحل النهائي" على الصيغة التوافقية. ومما يزيد في احتمال وقوع حادث خطر يمكن أن يقصم ظهر "الشريط المطاطي" (لبنان)، حقيقة أن الطرفين لا يملكان أي خيارات مستقلة: أحدهما ظهره إلى الجدار يدافع حتى آخر نفس عن وجوده ودوره! والثاني خاضع لقوى خارجية ويستقوي بها لتنفيذ المخططات والمشاريع التي لن تخدم سوى المشروع الصهيوني الطامع بالسيطرة على جغرافية سورية الطبيعية: من الفرات إلى النيل!

 

كل يوم يمضي تزداد الضغوطات على الكيان اللبناني، وتتراجع قدرته على تحمل الأوزان الثقيلة. وفي هذه الحالة، تجد الطبقة السياسية أن مصلحتها المرتبطة بالمصالح الأجنبية تستدعي المضي قدماً في مسار التصعيد. في حين أن الطرف الآخر، وإن كان الآن في مرحلة تضميد الجراح ومعالجة الخروقات وصياغة إطار عمل، فإنه مستعد للمنازلة الكبرى التي يأمل في أن تحسم هوية لبنان.

 

قد تكون "المطبات السياسية" الناجمة عن الحظر الحكومي اللبناني المفروض على الطائرات المدنية الإيرانية ما تزال تحت السيطرة، غير أن الأحداث تنبىء بأننا مدعوون لشد الأحزمة. فإذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه بفعل التدخلات الأجنبية، فلا أمل لنا في أن يتم الهبوط الاضطراري بأقل خسائر ممكنة!

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram