خاص "iconnews"
بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
الأوامر التنفيذية لترامب والعقوبات على المحكمة الجنائية الدولية:
قراءة في صلاحيات الرئيس الأمريكي وحدود تأثيرها داخلياً ودولياً
أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحاً فاجأ الدول كافة من خلال رغبته فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب مواقفها الأخيرة وخاصة ضد إسرائيل، ولكن من حيث الواقع والقانون هل يستطيع ترامب فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية؟
يستطيع ترامب فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية باستخدام صلاحياته التنفيذية، رغم أن الولايات المتحدة ليست من الدول الأعضاء في المحكمة ولا تعترف بسلطتها. في الواقع، قام ترامب بتوقيع أمر تنفيذي يقضي بفرض عقوبات مالية وسفرية ضد موظفي المحكمة ومن يساعدون في تحقيقاتها، وذلك استجابةً لإصدار المحكمة لأوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين (مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت) بتهمة جرائم حرب في غزة، كيف يمكنه ذلك؟
يستند ترامب في ذلك إلى صلاحياته الرئاسية التي تمنحه القدرة على إصدار أوامر تنفيذية لتقييد الوصول إلى الأصول والأنشطة المالية للأشخاص أو الكيانات التي تقع ضمن نطاق القانون الأميركي، حتى وإن كانت المحكمة مؤسسة دولية. هذا يعني أن ترامب يمكنه تجميد الأصول داخل الولايات المتحدة ومنع هؤلاء الموظفين أو أفراد عائلاتهم من السفر إلى الولايات المتحدة، مما يؤثر على قدرتهم على ممارسة عملهم.
ما المقصود بالأوامر التنفيذية التي يصدرها الرئيس الاميركي ومدى الزاميتها داخليا ودوليا؟
تشير "الأوامر التنفيذية" إلى التعليمات أو القرارات التي يصدرها الرئيس الأمريكي بشكل مباشر دون الحاجة إلى تمريرها عبر الكونغرس، وهي أدوات تُستخدم لتنفيذ السياسات والإجراءات التي يراها الرئيس ضرورية في إطار سلطاته الدستورية. وفيما يلي توضيحٌ مفصّلٌ لمفهومها ومدى إلزاميتها داخليًا ودوليًا:
1. مفهوم الأوامر التنفيذية
• هي تعليمات رسمية يصدرها الرئيس الأمريكي لإدارة الشؤون الحكومية وتنفيذ القوانين الموجودة. تُستند هذه الأوامر إلى صلاحيات دستورية أو تفويض قانوني من الكونغرس، وغالبًا ما تُستخدم لتوجيه الأنظمة والإدارات الفيدرالية في تنفيذ السياسات.
• أمثلة على الاستخدام:
o إصدار إجراءات تتعلق بالأمن القومي.
o تنظيم السياسة الخارجية والاقتصادية.
o تعديل أو توجيه كيفية تطبيق القوانين التي صادق عليها الكونغرس.
o فرض عقوبات أو اتخاذ تدابير تتعلق بمسائل مثل العقوبات المالية أو تنظيم العلاقات التجارية.
2. مدى إلزاميتها داخليًا (داخل الولايات المتحدة)
• القوة القانونية:
• تعتبر الأوامر التنفيذية ملزمة داخل الحكومة الأمريكية؛ إذ يجب على الهيئات الفيدرالية والوزارات تنفيذها طالما أنها لا تتعارض مع الدستور أو القوانين الصادرة عن الكونغرس.
• حدودها:
o عدم التجاوز على الدستور: إذا اعتبر القضاء أن الأمر التنفيذي يتجاوز الصلاحيات الدستورية للرئيس، يمكن أن يُلغي أو يُعطّل.
o التداخل مع التشريع: إذا كان الأمر التنفيذي يتعارض مع قانون صادر عن الكونغرس، فإن هذا الأخير له الأفضلية، وقد يطلب الكونغرس إلغاء الأمر التنفيذي.
o الرقابة القضائية: يمكن للمحاكم الأمريكية، بما في ذلك المحكمة العليا، مراجعة صحة الأوامر التنفيذية وإلغاء أي أمر يُعتبر غير دستوري أو يتعدى حدود السلطة التنفيذية.
3. مدى إلزاميتها دوليًا
• النطاق الداخلي فقط:
• الأوامر التنفيذية هي صفة قانونية داخل الولايات المتحدة، ولا تفرض دولة أخرى واجبًا قانونيًا بالامتثال لها. أي قرار يصدر عن الرئيس باستخدام هذه الأداة يُلزم الهيئات والمؤسسات الأمريكية فقط.
• التأثير غير المباشر:
• قد يكون للأوامر التنفيذية تأثيرات على السياسة الخارجية أو العلاقات الدولية (مثل فرض عقوبات على جهات أو أفراد في دول أخرى)، لكن ذلك لا يعني أن لها صفة إلزامية قانونية على الدول الأجنبية أو أنها تُعتبر جزءًا من القانون الدولي.
• العلاقات مع المنظمات الدولية:
• إذا صدر أمر تنفيذي يقضي بفرض عقوبات على موظفي منظمة دولية أو مؤسسة قانونية (مثل المحكمة الجنائية الدولية)، فإن هذا القرار يُطبق في إطار النظام المالي والسفري الأمريكي ولا يلزم الدول التي لا تخضع للسلطة الأمريكية بالامتثال له، بل قد يُنظر إليه كإجراء سياسي داخلي للولايات المتحدة. بمعنى إنها لا تغير من مهام المحكمة الجنائية الدولية أو سلطة القضاء الدولي. وقد أدانت المحكمة نفسها هذا القرار ووصفته بأنه محاولة لتقويض استقلالها، كما أعربت العديد من الدول والمنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) عن رفضها لهذه الخطوة، معتبرةً إياها تهديداً للعدالة الدولية ومبدأ المساءلة للجناة.
ان الأوامر التنفيذية هي أدوات تنفيذية قوية داخل النظام الأمريكي تُمكّن الرئيس من اتخاذ إجراءات سريعة ضمن إطار صلاحياته الدستورية. هي ملزمة للجهات الحكومية الفيدرالية داخل الولايات المتحدة ولكنها لا تحمل إلزامًا قانونيًا مباشرًا على المستوى الدولي، وإن كان لها تأثير في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بحسب كيفية تطبيقها وتأثيرها على الإجراءات والأنظمة الأمريكية التي قد تؤثر بدورها على المعاملات الدولية.
بناء على كل ما سبق، يملك ترامب صلاحية تنفيذ مثل هذه العقوبات عبر أوامره التنفيذية؛ ومع ذلك، فإن تأثيرها يقتصر على الجانب الأميركي ولا يعني أن المحكمة الجنائية الدولية ستتوقف عن أداء مهامها الدولية. هذا الإجراء يُظهر ازدواجية معايير الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعدالة الدولية، إذ ترفض واشنطن في آن واحد الاعتراف بسلطة المحكمة وفي نفس الوقت تستخدم صلاحياتها لتقييدها عندما تتعارض إجراءاتها مع مصالحها أو مصالح حلفائها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :