من بوّابة الإصلاح، تستعيد وزارة الطاقة مشاريع الطاقة المتجدّدة، لاسيّما الطاقة الشمسية. إلاّ أنّ هذه الاستعادة قد لا تُتَرجَم تنفيذاً صحيحاً على أرض الواقع، فهذه المشاريع ليست جديدة، وإنما جرى تأجيلها أو عرقلتها. فضلاً عن أن تنفيذها مرتبط بجملة من الخطوات منها تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، التي يشار إليها اصطلاحاً بـ"الهيئة الناظمة"، وإعادة ترتيب وضع مؤسسة كهرباء لبنان وإجراء الإصلاحات المتعلّقة بقسميّ النقل والتوزيع. وعليه، هل سيشهد قطاع الكهرباء انتقالاً نحو الطاقة المتجدّدة مواكبةً للعهد الجديد، أم أن العراقيل ستستمر؟.
وفي هذا السياق، تستعرض "المدن" عبر تقريرَين، ما أنجزته وزارة الطاقة من خطط لإصلاح القطاع، وما إذا كان بالإمكان تحسين التغذية الكهربائية في المستقبل القريب.
حبر على ورق
تتعامل وزارة الطاقة مع ملفّ الطاقة المتجدّدة وكأنّه اكتشاف جديد عليها مواكبته، في حين أنّها وضعت ضمن أهدافها منذ نحو 15 عاماً، توفير ثلث الطاقة الكهربائية في لبنان، من خلال الطاقة المتجدّدة. فالمشكلة لم تكن يوماً بفكرة الاعتماد على الطاقة المتجدّدة، وإنما في تنفيذ المشاريع.
في العام 2010 وضعت وزارة الطاقة ما أسمته "ورقة سياسة القطاع"، التي تستند إلى مشاريع الطاقة المتجددة. وبعدها، أطلقت الوزارة الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة 2011 – 2014، والتي وضعت خطة عمل لإنتاج 12 بالمئة من احتياجات لبنان من إنتاج الطاقة بواسطة الطاقة المتجدّدة بحلول العام 2020، والتي شكّلت سبباً موجباً لإقرار القانون 318.
وخلال هذه المرحلة، كان يفترض أن تقوم وزارة الطاقة بـ"تخفيف حجم الإستهلاك النفطي بحوالي 767 كيلوطن، وضخ استثمارات عبر مشاريع تفوق قيمتها الـ1.7 مليار دولار"، وفق ما أعلنه وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل، في العام 2018. وهذه الخطة، تتضمَّن أربعة مشاريع، إثنان منهما على الطاقة الشمسية، والثالث على طاقة الرياح والرابع على الطاقة المائية.
أما في العام 2019، فأطلقت الوزارة ورقة سياسة قطاع الكهرباء الميَوَّمة، والتي تلتزم فيها بتأمين 30 بالمئة من استهلاك الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة بحلول العام 2030، وذلك تماشياً مع التزام لبنان بهذا الأمر بالشراكة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IREN.
سعي الوزارة للاعتماد على الطاقة المتجدّدة، جعلها في العام 2018 توقِّع عقوداً مع 3 شركات لإنتاج الكهرباء من الرياح، والشركات وهي Lebanon Wind Power SAL ، Hawa Akkar SAL وSustainable Akkar. ومع أنّ إعداد المشروع تأخَّرَ 6 سنوات، إذ كان مقرراً في العام 2012، فإن أبي خليل أكّد أن "الطاقة الكهربائية ستصبح على الشبكة بعد حوالي 36 شهراً"، وانقضت أكثر من هذه المدّة ولم يبصر المشروع النور.
أجَّلَت الوزارة الحديث عن مشاريع طاقة الرياح وركّزت على مشاريع الطاقة الشمسية. ولهذا الغرض، وقَّع وزير الطاقة وليد فيّاض، في 5 أيار 2023 عقود شراء الطاقة من 11 شركة هي عبارة عن تحالف شركات، وكانت قد حصلت على تراخيص الإنتاج في العام 2022.
كهرباء هذه المشاريع بقيت حبراً على ورق، وحافَظَت وزارة الطاقة على اعتمادها على الفيول كمصدر وحيد لإنتاج الطاقة. وبدل تطوير القطاع، جيء ببواخر الطاقة التركية التي كلّفت خزينة الدولة نحو 4 مليار و250 مليون دولار (850 مليون دولار لمدة 5 سنوات) ولا يزال لبنان يعتمد حصراً على استيراد الفيول العراقي لإنتاج الكهرباء. هذا الاعتماد تُواجهه عقبة عدم قدرة لبنان على تأمين كلفة الفيول. ومع أن العراق وافق على تقاضي الكلفة عبر الخدمات، إلاّ أن تأمين الغطاء المالي لتلك الخدمات، عبر تحويلات وزارة المالية للحساب العراقي المفتوح لهذه الغاية في مصرف لبنان، لا يتم بانتظام، وهو ما يقلق الجانب العراقي ويدفعه مراراً لتعليق توريد الفيول لحين الإطمئنان على التحويلات لحسابه.
إعادة الإحياء
تركّز الوزارة حالياً على مشروع معامل الطاقة الشمسية، إذ أعادت إحياء مشروع الشركات الـ11 التي من المفترض أن تبني 11 محطة تنتج 165 ميغاوات، وتبيعها لمؤسسة كهرباء لبنان بأسعار تتراوح بين 5.7 سنت لكل كيلووات ساعة منتجة من المحطات المبنية في منطقة بعلبك الهرمل والبقاع، و 6.27 سنت للكهرباء المنتَجة من المحطات الأخرى. (راجع توقيع عقود شراء الطاقة).
ولأن الشركات الـ11 لم تستطع تأمين التمويل، بدأت ببيع التراخيص، "فاشترت شركة CMA CGM الفرنسية، 4 رخص من أصل 11"، وفق ما أكّده وزير الطاقة وليد فيّاض لـ"المدن". وأعلنت شركتا توتال وقطر للطاقة رغبتهما بتطوير مشروع الطاقة الشمسية، وإنتاج طاقة بقدرة 100 ميغاواط، لكن هذه الرغبة لم تتحوَّل إلى فعل حقيقي من خلال شراء تراخيص الإنتاج. وتُعيد الخبيرة القانونية في مجال الطاقة، كريستينا أبي حيدر، عدم مسارعة توتال وقطر للطاقة إلى شراء التراخيص إلى أنهما "تترقّبان ما ستؤول إليه تجربة شراء CMA CGM للتراخيص. إذ أنّ إنتاج الطاقة وبيعها لمؤسسة كهرباء لبنان بوضعها الحالي الصعب إدارياً ومالياً، هو مخاطرة، وربما توتال وقطر للطاقة لا تريدان المخاطرة، لاسيّما وأن بيع الإنتاج لكهرباء لبنان لن يعني البدء الفوري بالتحصيل، فالمؤسسة متأخّرة في تحصيل فواتيرها مدّة عام، والحرب راكمت مشكلة الفوترة والتحصيل، خصوصاً في الجنوب والضاحية والبقاع، فالبيوت مدمّرة، ولا يوجد عدّادات لقراءتها، ولا يمكن تحميل الناس أعباءً إضافية في هذه الظروف". وتشير أبي حيدر إلى أنه "في حال إجراء الإصلاح، قد تبادر توتال وقطر للطاقة إلى شراء التراخيص والبدء بالإنتاج".
محطات الطاقة الشمسية هي خطوة إصلاحية بالنسبة لفيّاض، إذ "ستواكبها تطوّرات على المستوى التشريعي ومستوى الاستثمارات والمشاريع، كما ستنخفض أسعار الكهرباء مقارنة بما هي عليه اليوم". وهذه الخطوة لن تنحصر بالمحطات المنتَظَر إنشاؤها من خلال التراخيص، بل يعوِّل فيّاض على المبادرات الفردية لتوسيع دائرة الاعتماد على الطاقة المتجدّدة. فيشير فيّاض إلى أنّ "محطات الطاقة الشمسية التي يعتمدها الأفراد، من المفترض أن تشكِّل 20 بالمئة من استهلاك الطاقة في لبنان". كما يعوِّل على تعزيز هذا الخيار بعد إعادة الإعمار في الجنوب.
القسم الثاني من هذه الخطوة بنظر فيّاض هي "تراخيص الطاقة البديلة المعطاة للشركات الـ11". ويستبشر فيّاض خيراً بوجود شركة CMA CGM ونوايا شركة توتال وشركة قطر للطاقة "فهذه بيئة استثمارية جيّدة موجودة في القطاع".
وفي القسم الثالث، يستعيد فيّاض "مشاريع طاقة الرياح، وهي عبارة عن 3 معامل يُفترض أن تُنتج 240 ميغاوات". ويوضح أنّ هذا المشروع "كان ينقصه البيئة الاستثمارية والحصول على التمويل، وهذا كلّه تم تأمينه". وبين محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح يتوقَّع فيّاض أن تُنَفَّذ المشاريع "خلال العام الجاري". والانتقال إلى الطاقة المتجدّدة، ويستتبع الأمر "تفكيك معمليّ الزوق والجية القديمَين، فيما تبقى المعامل الصغيرة مثل معمل صور، لحالات الطوارىء".
هذه الخطط والمشاريع هي الأرضية التي ستنطلق منها الوزارة لتفعيل قطاع الكهرباء وزيادة ساعات التغذية. فهل تشكِّل الحل المناسب لأزمة الكهرباء؟.
يُنشر هذا التقرير في إطار زمالة صحافية حول "التغطية الإعلامية لمسار الإصلاحات" التي تنظمها مؤسسة "مهارات".
نسخ الرابط :