أي جدوى للقرار 1701 أو لجنة الإشراف على تنفيذه؟

أي جدوى للقرار 1701 أو لجنة الإشراف على تنفيذه؟

 

Telegram

 

منذ إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، والعدو يعلن بكل الطرق أنه لا ولن يلتزم بما نصّ عليه الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا، ونصّ على أن «يوقف لبنان وحزب الله جميع العمليات العسكرية ضد إسرائيل (...) وتمتنع إسرائيل عن أيّ عمليات هجومية برية أو جوية أو بحرية على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الأهداف المدنية والعسكرية»، على أن «تسحب إسرائيل قواتها تدريجياً إلى جنوب الخط الأزرق» خلال 60 يوماً.

ما حدث أن العدو لم يوقف هجماته واعتداءاته، وقام بتفخيخ وتفجير وتجريف مئات المباني السكنية والمدنية، وحفر وتخريب الطرقات في كل القرى والبلدات الحدودية، ثم توغّل في القرى التي لم تصلها قواته خلال الحرب، وعمد إلى نشر خريطة يبيّن فيها المناطق الممنوع على أهلها العودة إليها، وهي بحجم ضعف المناطق التي احتلتها قواته عند إعلان وقف إطلاق النار. وقتل العدو في المنطقة الحدودية، وفي عموم الجنوب، العشرات، بينهم أطفال ونساء في استهداف مباشر بالمُسيّرات، وأغارت طائراته مرّات عديدة على أهداف في جنوب وشمال نهر الليطاني. واستغلّ آلية التنسيق والإشراف ليطلب من الجيش اللبناني تنفيذ مهامّ كشف لمواقع محدّدة ودقيقة، في شمال الليطاني، وصولاً إلى بيروت والبقاع (ينصّ الاتفاق على أن تبدأ الحكومة اللبنانية بتفكيك البنى التحتية العسكرية غير المرخّصة جنوب الليطاني). وكان يُتبع طلباته هذه، بتهديد مفاده أنه في حال لم ينفّذ الجيش الكشف المطلوب فإنه سيتعامل بالنار مع الهدف المزعوم، الأمر الذي شكّل استفزازاً كبيراً لقيادة الجيش وضباطه الذين أبدوا تذمّرهم الشديد من الطلبات غير المبرّرة للعدو الذي كان يرسل طائراته الاستطلاعية - المسلّحة بالصواريخ - لتفقّد سير المهمة!

مرّت الأيام الستّون، واللبنانيون يعاينون بشكل يومي عدم التزام العدو بالاتفاق. كما تعرّض أهالي القرى الحدودية، لاستفزاز مضاعف، وهم يشاهدون منازلهم التي نجت من نيران الحرب. ولم تكن تعوز أحد نباهة استثنائية، ليدرك أن الدولة - في أحسن الأحوال - عاجزة، وفي أسوئها غير مكترثة. حتى إن أحد النواب «التغييريين»، قال متهكماً مساء يوم انتخاب رئيس الجمهورية، إن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت تصوّر ابتسامات اللبنانيين في بيروت، احتفاءً بالعرس الديمقراطي العظيم. ولم تنفع الشكاوى والاعتراضات المتكرّرة التي حملها الضباط اللبنانيون الى اجتماعات لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق في وقف الخروقات الإسرائيلية، رغم أن ممثّلي واشنطن وباريس والأمم المتحدة، أقرّوا أكثر من مرة بأن ما يقوم به الجانب الإسرائيلي هو خرق مباشر للاتفاق.

عضّ اللبنانيون على جرحهم. وتعاهدوا على التحمّل والصبر في انتظار انقضاء مهلة الـ 60 يوماً ليعودوا إلى قراهم وبلداتهم، ولو كانت ركاماً. وكلّما اقتربت المهلة أكثر من نهايتها، كان الأهالي يعدّون العدّة للعودة التي لا بدّ منها. في الأيام الأخيرة، أصبح واضحاً أن العدو ينوي تمديد الاحتلال، قبل إعلانه ذلك رسمياً وبدعم أميركي، فكان قرار الأهالي واضحاً: العودة ولو تحت الرصاص.

لم يكن مشهد الجنوبيين أمس، وهم يندفعون في قوافل نحو قراهم وبلداتهم، في السيارات وسيراً على الأقدام، في مواجهة دبّابات العدو وطائراته وجنوده، غير مسبوق في تاريخ العامليّين الأحدث. قبل 25 عاماً، كان المشهد مشابهاً إلى حد بعيد. حيث الناس هم الناس، أو أبناؤهم وأحفادهم، وجنود العدو هم جنوده، أو أبناؤهم وأحفادهم، والبلدات هي نفسها، نقاط الانطلاق والمقصد الأخير. حينها، في عام 2000، حرّر الأهالي بلداتهم بالطريقة نفسها، بعدما اندحر العدو، وفرّ عملاؤه، أو سلّموا أنفسهم. الفارق الجوهري، ربما، هو أن الاحتلال كان قد دام حينها 22 عاماً (منذ 1978، بخلاف الاعتقاد السائد أنه منذ 1982). أما اليوم، فالاحتلال ابن شهري حرب وشهري وقف إطلاق نار. وكما اليوم على الأوراق وفي الوثائق اتفاق لوقف إطلاق النار وقرار دولي، كان حينها أيضاً القرار الدولي 425، الذي قضى «بوقف إسرائيل عملياتها العسكرية ضد السلامة الإقليمية للبنان فوراً، وسحب قواتها من جميع الأراضي اللبنانية دون تأخير»، ولكنه كان قد صدر قبل 22 عاماً من عام التحرير، من دون أن يُطبّق. وعند التحرير، اعتبر «مجلس الأمن» أن القرار قد طُبّق، بينما لم تعترف الدولة اللبنانية بذلك، إذ بقيت نقاط حدودية محتلّة إلى اليوم. لكنّ أحداً هنا، في الجنوب، وربما في لبنان وإسرائيل أيضاً، لم يصدّق الكذبة / النكتة الدولية، إذ يدرك الجميع أن التحرير فُرض بالقوة وبالدم، ولم يأتِ تطبيقاً للقرار الدولي، ولا التزاماً به.

بعد 25 سنة، الآن، لا يُبدي أحد من الذين عبروا أمس إلى قراهم، وبعضهم مشاة وحفاة يتعرّضون للرصاص من كل جانب، أو من الذين يشاركونهم الهمّ والقناعة، استعداداً لتصديق أن القرى التي تحرّرت بالأمس، بمزيد من الدماء والجراح، تحرّرت بفعل رغبة العدو تطبيق ما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار، والقرار 1701. واليوم، حيث يستعدّ أبناء القرى التي لم تتحرّر بعد، لدخولها مرة أخرى، وربما مرّات لاحقة، لتحريرها، يجدر التأكيد أيضاً على أن من سيحرّرها هم أبناؤها فقط. وعلى الدولة اللبنانية، في نهاية المطاف، بعد انسحاب العدو الحاصل حتماً، أن تؤكّد بدورها، أن ما حصل هو تحرير بالقوة والإكراه، وليس امتثالاً إسرائيلياً للقرار الدولي.

ما جرى أمس، وما سيجري اليوم وبعده، يجب أن يؤسّس لفهم مختلف لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، وأن يدفع إلى إعادة النظر في جدوى الالتزام به، وفعالية لجنة مراقبة تطبيقه، إذ إن العلّة الأساسية التي تعلّل بها الأميركيون، ومن خلفهم الإسرائيليون، حين أتوا للتفاوض على وقف الحرب، هي أن القرار 1701، تنقصه «آليات تنفيذية»، وهو النقص الذي ستعالجه لجنة المراقبة برئاستها الأميركية. ولم يحتج الأمر إلى أكثر من شهرين فقط، لاكتشاف أن الآليات التنفيذية المزعومة، برئيسها الجنرال الأميركي الصلفِ الذي لا يجيد لعبة توزيع الابتسامات التي يجيدها زميله الرئيس المدني للجنة عاموس هوكشتين، لم تنجح في منع خروقات العدو التي زادت عن الألف خلال شهرين، كما لم تلزمه بإتمام الانسحاب بالمهلة المحدّدة. حتى إن العدو، حتى مساء أمس، ورغم تمديد احتلاله، وبعد كل ما حصل خلال النهار، لم يكن قد أبلغ بعد - رسمياً - اللجنة طلبه تمديد المهلة، وهو ما يؤشّر إلى مدى جدّية العدو باحترام الاتفاق والقرار الدولي واللجنة العظيمة وجنرالها الذي ربّما يخوض الآن رحلة البحث عن جواب لسؤال استجدّ عليه، حول أي نوعية من الناس هم أهل المقاومة والجنوب!

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram