شراء الوقت في مواجهة حملة اليوروبوندز: هل ينهي العهد الجديد سياسة الوعود؟

شراء الوقت في مواجهة حملة اليوروبوندز: هل ينهي العهد الجديد سياسة الوعود؟

 

Telegram

 

قرّرت الحكومة في جلستها الأخيرة، تعليق حقّ الدولة في استعمال مرور الزمن على رفع الدعاوى المتعلقة بسندات اليوروبوندز لمدّة ثلاث سنوات (حتى 9/3/2028)، من أجل منع الدائنين الأجانب من رفع دعاوى في الخارج تهدف إلى حفظ حقوقهم في قيمة أصل السندات وفوائدها. الخطوة تعني أن لبنان يشتري المزيد من الوقت وسط عجزه عن توزيع الخسائر عبر خطّة إعادة هيكلة المصارف والدين العام. هذا الملف وما يرتبط به، يعدّ واحداً من أبرز أولويات الحكومة المقبلة التي سيترتب عليها، في سبيل إغلاق الملف والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، شطب جزء من هذه السندات بالتوازي مع هيركات على الودائع.

منذ خمس سنوات يتصارع فريقان في لبنان على مسألة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. أحدهما يقول إن الاتفاق هو الوسيلة الأفضل للتعافي المالي والنقدي ثم الاقتصادي، والثاني لا ينكر أهمية الاتفاق إنما يماطل في بدء تنفيذ الخطّة التي توصّل إليها لبنان مع الصندوق، لأنها تفرض على قوى السلطة تنازلات ليست مستعدّة لتقديمها. وبمعزل عن اعتبارات كلا الطرفين، فإن الاتفاق مع الصندوق هو «ختم المرور» الذي يحتاجه لبنان من أجل استعادة قدرته على الوصول إلى الأسواق العالمية، أي الاقتراض من هذه الأسواق، ومن دونه لا يمكن لبنان الاقتراض من السوق الدولية، بل سيتعرض لهجوم قانوني من الدائنين ومن دول أجنبية.
الواقع، أن هذا الهجوم كاد أن يحصل مع اقتراب مهلة السنوات الخمس على رفع الدعاوى ضدّ لبنان. والهدف من الهجوم مطالبة لبنان بتسديد أصل سندات اليوروبوندز وفوائدها التي توقّف عن دفعها في 7 آذار 2020. ولم تكن الأضرار تقتصر على ذلك، بل إن المصارف في لبنان كانت هي أيضاً سترفع دعوى على الحكومة اللبنانية لمطالبتها بتسديد أصلالسندات وفوائدها التي تحملها.

تحمل المصارف في لبنان نحو 11 مليار دولار من هذه السندات (حالياً تسجّل المصارف في دفاترها أقل من ملياري دولار لأنها أخذت مؤونات تجاه الباقي) بينما يحمل الدائنون الأجانب نحو 15.3 مليار دولار ومصرف لبنان نحو 5.03 مليارات دولار. أي إن محفظة لبنان من هذه السندات تبلغ 31314 مليار دولار.

إذاً، يترتب على رئيسي الجمهورية والحكومة أن يتعاملا مع هذا الواقع الذي فشلت الحكومات السابقة في التعامل معه. إذ كانت هذه الحكومات تفضّل إبقاء التفاوض مع صندوق النقد من دون أن توصله إلى خواتيمه التي تفرض عليها إنهاء خطّة إعادة هيكلة المصارف وإعادة هيكلة الدين العام. ففي السنوات التي تلت الانهيار، أعدّت أكثر من 20 نسخة من هذه الخطّة ولم تقرّ حتى اليوم. هذه الخطّة، كما اتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، تفترض إقرار هيركات واسع على الودائع وعلى سندات الدين، ثم إجراء تغييرات هيكلية في بنية المالية العامة والقطاع المصرفي، وهو أمر لا تحتمل قوى السلطة القيام به.

التحدّي اليوم أمام رئيسي الجمهورية والحكومة، هو إنجاز هذا الملف وإغلاقه. طبعاً النقاش المتّصل بإنجاز الملف يتعلق بتوزيع الخسائر. فهل سيتم تحميل الخسائر للمودعين وبأي مقابل؟ وهل سيتم تحميل الخسائر للمصارف ومن سيبقى منها في السوق؟ لكن السؤال الذي لم تطرحه الحكومات، هو أي اقتصاد نريد في لبنان من أجل توزيع الخسائر بما يتناسب مع الرؤية للاقتصاد الجديد؟ وهل ستجري محاسبة المسؤولين عن جريمة طارت فيها ودائع الناس ومدخراتهم على مدى أكثر من عقدين ونصف عقد؟ النقطة الأخيرة تحديداً كانت قد أدرجت في إحدى نسخ خطّة إعادة هيكلة المصارف، ثم سحبت منها بشكل غير مبرّر، ما يعني أن السلطة ليست على استعداد لأي محاسبة. لذا، أي وعود يتم قطعها اليوم بالنهوض مجدداً، سواء في رئاسة الجمهورية أو في الحكومة، لا يمكن أن تتم بمعزل عن المحاسبة، وإلا فإن العهد الجديد سيكون موازياً للعهد القديم. المحاسبة يجب أن تبدأ بالكبار أولاً، لا أن تقتصر على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. فهذا الرجل الذي كان مديراً تنفيذياً لنموذج لبنان الاقتصادي، لم يتمكن من القيام بها لولا سياسيين وقضاة، والأهم أنه كان يشكّل مع المصارف الكبرى بوصلة العمل المالي في لبنان الذي انتهى إلى تبديد أموال المودعين. محاسبة من بدّد أموال المودعين أساس لإرساء نظام العدالة والانطلاق نحو توزيع الخسائر.

على أي حال، بهذه الخطوة التي قامت بها الحكومة، جرى تجنيب لبنان كأس الدعاوى في الخارج، والتي تتضمن مطالبة الدائنين بالحجز على أصول الدولة اللبنانية لحفظ حقوقهم في تسديد قيمة الديون. سندات اليوروبوندز هي سندات دولية وشروط الاقتراض بواسطتها، كما أقرّها لبنان، تفرض عليه القبول حصراً بالقضاء الأميركي لمعالجة أي إخلال في تنفيذ شروط العقد.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram