الحدود الشرقيَّة بين لبنان وسوريا: هل حان أوان الترسيم؟

الحدود الشرقيَّة بين لبنان وسوريا: هل حان أوان الترسيم؟

 

Telegram

 

التغيير السياسي الكبير الذي طرأ على منطقة الشرق الأوسط، وما يرافقه من أحاديث عن خرائط جديدة، وشرق أوسط جديد، أعاد الحرارة إلى الحديث عن الحدود البريَّة المتداخلة بين لبنان وسوريا، ونقاطها الضائعة، من تلال كفرشوبا وشبعا جنوبًا، إلى السلسلة الشرقيَّة حيث تبدأ النقاط الخلافية هناك من قرى قضاء الهرمل مرورًا ببلدات القاع، رأس بعلبك، عرسال وصولًا إلى بلدة معربون، ما يتسبب بخلافات ومشاكل آخرها ما شهدته جرود بلدة معربون من حادثة اعتداءٍ على الجيش اللبناني .

الدستور اللبناني
الحدود اللبنانية السورية الممتدة على مسافة 375 كلم، ورد ذكرها في بنود الدستور اللبناني بشكلٍ عام، لكن الدولَّة لم تعمل على ترسيمها بدِقَة ولم تضع إشارات لتثبيتها، كما شهدت لسنوات طويلة غياب حرس الحدود عنها، جاء في الفصل الأول من الدستور اللبناني (في باب الدولة وأراضيها):

- المادة الأولى تاريخ بدء العمل بها في 23 أيَّار 1926 :

لبنان دولة مستقلّة، ذات وحدة لا تتجزّأ وسيادة تامة، أمَّا حدوده التي تحده حالياً فهي:

شمالًا: من مصب النهر الكبير على خط يرافق مجرى النهر إلى نقطة اجتماعه بوادي خالد الصاب فيه على علو جسر القمر.

شرقًا: خط القمَّة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي (أورنت) مارًا بقرى : معيصرة – هيت – أبش – فيصان على علو قريتي برينا ومطربا، وهذا الخط تابع حدود قضاء بعلبك الشمالية من الجهة الشماليَّة الشرقيَّة والجهة الجنوبية الشرقيَّة ثم حدود أقضية بعلبك والبقاع وحاصبيّا وراشيا الشرقيَّة.

جنوبًا: حدود قضائي ومرجعيون الجنوبية الحالية.

غربًا: البحر المتوسط

- المادة الثانية: لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانيَّة أو التنازل عنه.

غياب الإرادة السورية 
الترسيم بحسب الخبير والباحث الأكاديمي الدكتور عصام خليفة ليس هو المشكلة، فقد أوضح في حديث لـ"المدن" أنَّه:" منذ العام 1920 بدأت في ظل الانتداب الفرنسي مسألة توضيح، تعيين وتحديد الحدود بين لبنان وسوريا، مرَّت بعدة مراحل ليس مجال ذكرها الآن، شمالًا الأمور سهلة لأن النهر الكبير هو الحد الفاصل، التعقيدات في الحدود الشرقيَّة، وهناك أمر في غاية الأهميَّة هو محاضر التحرير والتحديد. فعندما تم تعيين قاضيين عقاريين لبناني وسوري للنظر في القضيَّة، حققا عدة نجاحات وتفاهمات مثل نقاط عين القبو وبئر جْبَيْب في السلسلة الشرقيَّة لكن دائما ما كان النظام السوري يتراجع مرة بذرائع المياه ومرة بعدم الوضوح وأحيانا من يدفع بدل أتعاب العاملين".

يشير خليفة إلى أنَّ "آخر اتفاق حصل عام 1967 ذهب إلى اعتماد حدود خراجات القرى، لكن هذا الاتفاق لم يحل الخلاف على 36 نقطة حدودية. لكن  في حال صدقت النوايا، وحصل تجاوب سوري فعلي بموضوع الترسيم، فإنَّ حلَّه جدًا سهل، وكل كلام غير ذلك للإستهلاك، تبدأ عبر الإختصاصيين من مسَّاحين وطبوغرافيين ومهندسين وخبراء، بالإعتماد على الخرائط والإفادات العقارية في دوائر البلدين، المشكلة دائماً كانت أنَّ النظام السوري السابق لم يكن يعترف بلبنان أصلًا،  بل اعتبره على الدوام أرضًا سُلِخَت منه ويجب استعادتها".

خليفة  استنكر بعض أصوات النشاز التي تحدثت بمغالطات عن لبنان – كهيثم المالح وكمال اللبواني- التي تتماهى مع نظام الأسد، مؤكدًا وجود فرصة كبيرة حاليًا لإنجاز ملف الترسم بناءً على ما نسمعه في دمشق ومن أحمد الشرع تحديدًا، داعيًا الدولة اللبنانية والرئيس المنتخب جوزاف عون لاتخاذ خطوات عملية وتجهيز الملفات والطاقم البشري في سبيل انهاء الموضوع وختمه بما فيه مصلحة البلدين.

الجغرافيا تزيد التعقيد
طبيعة الأرض وجغرافيتها إضافة إلى غياب الإرادة السياسية، هي من الأسباب الطبيعيَّة المُعَوِّقَة في ترسيم الحدود، وفق ما قاله المؤرخ الأستاذ سمير شعبان إبن بلدة رأس بعلبك في  حديث لـ"المدن". كان المنطق السائد هو عُرْف المزارعين والرعاة انحدار المياه "مقلب المي": إلى الشرق أراضي سورية، وإلى الغرب أراضي لبنانية، لكن السلسلة الجبليَّة ليست متوازية أو خط نار ليكون هذا المعيار صحيحًا، ففي الهرمل منطقة سهليَّة، من جرود القاع إلى رأس بعلبك إلى عرسال السلسلة متعرجة جدًا ومتداخلة، إمَّا اليوم مع التطور العلمي التكنولوجي ووجود الأقمار الاصطناعيَّة يتم الترسيم بدقةٍ عالية وبالمتر".

تجاهل السلطة
شعبان لم يعفِ السلطات اللبنانية بعد الطائف من مسؤولياتها في ترك الحدود سائبة فيقول عام 1994 ذهبنا مع أهالي بلدة القاع في وفد لمقابلة الرئيس الياس الهراوي، وحين شرحنا له واقع الأمر أجابنا بأن موضوع الحدود ليس فقط في بلداتكم، هناك أكثر من عشرين نقطة بريَّة عالقة مع سوريا سنناقشها حين تسمح الظروف، والظروف لم تسمح!

ثمَّ عام 2008 في عهد الرئيس ميشال سليمان تمَّ الإتفاق على تفعيل عمل اللجنة المشتركة بين البلدين لترسيم الحدود، طبعًا لم تحقق اللجنة شيئاً خلال اجتماعاتها، السلطة اللبنانية كانت تتذرَّع بأن الخلاف مع سوريا على مُلكيَّة مزارع شبعا يستفيد منه العدو، لذلك الأفضل تأجيل الترسيم لما بعد تحريرها، الأسباب حينها كانت تتراوح بين محاباة سلطة الوصايا طمعًا بمكاسب سلطوية من البعض، والبعض الأخر لأهداف ومشاريع أكبر من لبنان وأبعد من حدوده .

السياسة ثُمَّ الغاز الطبيعي
يروي شعبان قصصاً وحكايات عن نمط سلوك حرس الحدود السوري (الهجانة) سابقاً مع أبناء القرى الحدودية، حيث كان منطق الإستقواء هو السائد. تمَّ طردهم مراراً من عقارات ورثوا ملكيتها منذ ثمانين عاماً، ما يوحي بالسياسة العامَّة للدولّة السورية حينها، لكن ما طرأ عام 2009 مُهِم أيضا، فقد تَمَّ اكتشاف الغاز الطبيعي في جرود بلدات دير عطية – البرَيْج – قارة السورية، يقابلها بلدات القاع – رأس بعلبك – عرسال من جهة لبنان، تشير الدراسات والتقارير أن القرى السورية الثلاث تحتوي على احتياطي يقارب الـ4 مليارات متر مكعب، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول احتمال امتداد حقول الغاز هذه إلى لبنان، وما إذا كان النظام السابق يُخَطط للإستيلاء عليها. وما يُغَذّي تلك التساؤلات، هو الاهتمام البريطاني بالطرقات الجردية في البلدات اللبنانية الثلاث، حيت تَمَّ تعبيدها عبر الجيش اللبناني بتمويل بريطاني بعد تجهيز  المراكز العسكرية بمناظير حديثة ومتطورة، فهل ثمَّة ثروة طبيعية كامنة في تلك الجرود؟  

مُلْكِيَّات بلا مستندات
بلدة القاع البقاعيَّة التي تُشَّكل بوابة لبنان من وإلى سوريا، جرودها بمعظمها غير مُرَّسمة ، يقول رئيس بلديتها المحامي بشير مطر: "مشاكل حدودنا تاريخيَّة مزمنة، دائماً كانت سببًا لنزاعات كثيرة بين مزارعي البلدين، أحياناً سقط فيها ضحايا للأسف. النقاط المتداخلة بيننا وبين سوريا تقع بمحاذاة بلدتي جوسيَّة العمار وقارة، مساحات شاسعة بحاجة للترسيم وإثبات هويتها العقارية.

لكن المشاكل حسب مطر لا تتوقف على الحدود الدوليَّة فقط. فسهل القاع المعروف بالمشاريع، ملكيَّة الأراضي فيه خارج الدائرة العقارية، المستندات تعود لأيام الانتداب الفرنسي، لا زال نظام "قراريط المياه" هو السائد، ما يخلق توترات شبه دائمة بين البلديَّة وساكني المشاريع، بعضها يأخذ طابعًا طائفيًا والبعض الأخر عشائرياً. مطر طالب بإقرار مشروع قانون الضم والفرز الموجود في أدراج مجلس النوب منذ سنوات، فعدم بَتُه يمكن أين يُشَكل وجع رأس لكل البلد، فيما حله يجعل من أرضنا سلًّة الزراعيَّة غنيَّة فاكهةً وخضاراً. مطر يؤكد "نحن ننادي بالدولَّة وحكم القانون، سنرضى بكل ما يقوله القانون، واليوم نتوسم خيراً بعهد الرئيس جوزاف عون فهو صديق القاع يعرفها جيداً، وقدم لها الكثير".

في العام 1997 خَصَّصَت الحكومة اللبنانية، اعتماداً من موازنتها العامَّة، بهدف تمويل مشروع ضم وفرز في البقاع الشمالي، يونين 4000 هكتار، الهرمل 3500 هكتار، القاع 18000 هكتار، تَمَّ تلزيم المشروع لعدة شركات للقيام بأعمال المسح، تحديث الخرائط، وتحضير ملفات العقارات للشروع بعمليَّة الفرز، لكن المشروع لم يتم إنجازه حتى الآن.

تقدَّم نواب بعلبك الهرمل باقتراح قانون معجَّل مكرَّر حول الضم والفرز في منطقتي الهرمل ويونين، ثُمَّ أُضيفت اليه القاع لاحقًا، تم تشكيل لجنة الضم والفرز برئاسة القاضي منيف بركات دون مساعدين قضائيين، إضافة إلى سلسلة اجتماعات عقدتها اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عقيص، غير أنَّ النتيجة صفرية وفق ما يؤكد النائب عقيص نفسه بسبب الزواريب السياسية الضيقة وعدم الجديَّة في ايجاد الحل.

تنامي الأمل 
مع سقوط نظام البعث في سوريا، وتلاشي أطماعه بالسيطرة على لبنان واستلحاقه، ومع ظهور خطاب جديد  يجهر به قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، رافق ذلك انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وهو العارف بطبيعة منطقة بعلبك الهرمل ومشاكلها، تنامى الأمل بالترسيم البري وسلوكه درب التنفيذ. يدعم هذا الأمل الزيارة الناجحة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى دمشق، وبحثه مع الشرع في حلحلة كل القضايا العالقة بين البلدين وضمنها ترسيم الحدود البريَّة، خصوصاً أن مسافة النزاع العقاري لا تتخطى فعليًا مسافة الخمسين كلم بمجملها.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram