تتابع تركيا حراكها على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية، للتغلغل أكثر في مفاصل الدولة السورية، التي أصبحت وصية عليها بعد صعود حليفتها «إدارة العمليات العسكرية»، بقيادة أحمد الشرع، إلى رأس هرم السلطة إثر سقوط نظام بشار الأسد، في وقت أعلنت فيه الحكومة السورية المؤقّتة تأجيل موعد عقد مؤتمر للحوار الوطني، كانت قد أعلنت عنه سابقاً، إلى أجل غير مسمى. وأرسلت أنقرة، التي كان وزير خارجيتها، حاقان فيدان، احتفل بسقوط النظام السوري على قمة جبل قاسيون في دمشق، عشرات الوفود الحكومية للاطّلاع على واقع المؤسسات السورية، وفرص الاستثمار الممكنة، والتي يبدو أنها مستعجلة للانخراط فيها، لتحصيل أكبر حصة ممكنة من «الكعكة السورية»، التي بدأت تشهد تنافساً متصاعداً مع قوى إقليمية ودولية. وفي هذا السياق، عقد وزير التجارة التركي، عمر بولات، اجتماعاً في مقر الوزارة في أنقرة، بحضور نواب الوزير وفريق الوزارة، بالإضافة إلى رؤساء وممثلي 16 غرفة ومنظمة غير حكومية تعمل في مجالي الاقتصاد والتجارة، لبحث الأوضاع الاقتصادية والفرص المستقبلية المتعلقة بإعادة إعمار سوريا. وذكر بيان أصدرته الوزارة عقب الاجتماع أنه «تمّ الاتفاق على ضرورة تعزيز التعاون القوي بين تركيا وسوريا لتحقيق بيئة من الاستقرار السياسي والاقتصادي». ويأتي ذلك في وقت تستعد فيه وزارة الكهرباء التركية لبدء مشاريع كبيرة لها في سوريا، أولها ربط الشبكة السورية بالتركية لبدء توريد الكهرباء، إلى جانب إقامة استثمارات أخرى متعلقة بالطاقة، وسط حديث عن استقدام محطتي توليد كهرباء عائمتين إلى السواحل السورية كخطوة أولى لتأمين الطاقة.
وفي خضمّ ذلك، وصل الوفد الحكومي السوري إلى العاصمة الأردنية عمّان، في ختام جولة عربية شملت قطر والإمارات، قادها وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة أسعد الشيباني، بمشاركة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب. وأجرى الوفد السوري، سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين أردنيين، تم خلالها بحث التطورات الأخيرة في سوريا، وفرص توسيع قنوات التواصل والتعاون في ملفات عديدة، من بينها ملفا الطاقة وحركة مرور البضائع، وهو أحد أبرز الملفات التي تستعجل تركيا معالجتها بشكل يضمن عودة تدفق البضائع بين تركيا ودول الخليج العربي. أيضاً، تمّت مناقشة القضايا الأمنية المتعلقة بتهريب المخدّرات. وخلال الزيارة، شهد معبر نصيب – جابر الحدودي بين البلدين احتجاجاً وإغلاقاً جزئياً لطريق الجمرك، بعد منع إدارة المعبر (من الطرف السوري) دخول معقّبي معاملات ومالكي سيارات غير نظامية، والإدخال العشوائي للسيارات غير النظامية. وأظهرت صور منشورة على منصات التواصل استخدام المحتجين الإطارات المشتعلة والحجارة لقطع الطريق، في وقت أعلنت فيه «إدارة العمليات» إرسال تعزيزات أمنية إلى المنطقة لإنهاء الاحتجاج.
وعقب لقاء أجراه مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، قال الشيباني إن السلطات الجديدة في سوريا ستُشكل لجنة شاملة للتحضير لـ«مؤتمر الحوار الوطني» لمناقشة مستقبل البلاد، موضحاً أن الإدارة كانت تخطط في البداية لعقد المؤتمر في أوائل كانون الثاني، لكنها قررت التريّث وتشكيل «لجنة تحضيرية موسّعة»، من دون تحديد جدول زمني لذلك، مضيفاً أن اللجنة «ستشمل رجالاً ونساءً (...) قادرين على تمثيل الشعب السوري بالكامل» من «جميع فئات المجتمع السوري ومحافظاته»، على حد تعبيره. كما أكد الشيباني أن الإدارة تسعى بشكل متكرر لطمأنة السوريين والمجتمع الدولي بأنها ستحافظ على حقوق الأقليات، قائلاً: «نحن ننظر إلى التنوع في سوريا على أنه مصدر قوة لبناء دولة موحّدة وليس على أنه مشكلة (...) إذا نظرنا إليه كفرصة، يمكننا الاستفادة من الجميع في بناء هذا البلد». وتابع: «لا نرى سوريا إلا كدولة موحّدة» من أجل «جميع أبنائها»، مضيفاً: «لن ننجح إذا لم نسلك هذا المسار».
ويأتي تأجيل عقد مؤتمر الحوار، والذي كان المنتظر عقده منتصف الشهر الحالي بعد أيام من إعلان الشرع أن كتابة الدستور الجديد للبلاد قد تستغرق فترة تصل إلى أربعة أعوام، ما يعني أن الفترة المؤقتة قد تستمر لسنوات. وقد يوفّر ذلك وقتاً ملائماً للرجل لتجذير حضوره في صدارة الساحة السورية، خصوصاً بعد أن قام بحل أجهزة الدولة، وأقدم على جملة تغييرات كبيرة في قيادة المؤسسات والدوائر الحكومية، في إطار عمل «الحكومة المؤقتة» التي من المفترض أن تعمل حتى مطلع شهر المقبل فقط.
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة عقد اجتماع خماسي على مستوى وزراء الخارجية مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، غداً الخميس في مدينة روما، لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، سيلتقي بنظرائه الأوروبيين في إطار زيارته الرسمية إلى إيطاليا والفاتيكان، حيث سيتبادل الوزراء وجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط، وخاصة التطورات في سوريا، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني، وصياغة دستور جديد، والاندماج الاجتماعي، والانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في سوريا.
نسخ الرابط :