‏صراع المصالح الخليجية: هل تعطل الانتقال السياسي في سوريا؟

‏صراع المصالح الخليجية: هل تعطل الانتقال السياسي في سوريا؟

 

Telegram

 

ستتعامل كل من الإمارات والسعودية مع الانتقال السياسي لما بعد الحرب في سوريا بحذر وواقعية، لكن مع مرور الوقت، من المحتمل أن تسعى أبوظبي بشكل أكثر عدوانية لتعويض النفوذ التركي والقطري، مما سيغذي الانقسام السوري وربما يمهد لجولة جديدة من العنف والتوترات داخل الخليج العربي.

إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا فاجأ دول الخليج العربي بعد أن كانت قد اتخذت خطوات كبيرة نحو التطبيع الدبلوماسي مع حكومته. ولم يكن لأي من القوى الخليجية الكبرى – السعودية، الإمارات وقطر – دور في الإطاحة المفاجئة بالأسد؛ بل تم تهميش هذه الدول إلى وضعية المتفرج بينما قاد المتمردون المدعومون من تركيا، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، الحملة لإخراج الأسد من السلطة.

ومنذ ذلك الحين، بقيت السعودية والإمارات وقطر حذرة في تصريحاتها بشأن سوريا ما بعد الأسد. وعلى عكس الولايات المتحدة وتركيا، اللتين قالتا إنه تم إجراء اتصالات مباشرة مع قيادة هيئة تحرير الشام، كانت دول الخليج العربي أكثر ترددًا في احتضان التمرد.

وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول، قالت السعودية إنها تدعم السوريين بشكل عام وفضلت الحفاظ على وحدة أراضي البلاد. وأكد كبير دبلوماسيي الإمارات، أنور قرقاش، على قلق بلاده بشأن ظهور التطرف بعد الإطاحة بالأسد. في حين أعلنت قطر في 15 ديسمبر/كانون الأول أنها ستعيد فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق بعد أن أغلقتها خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية في 2011.

وفي السنوات الأولى من الحرب الأهلية في سوريا، دعمت السعودية والإمارات وقطر فصائل ثوار مختلفة في سعيها للإطاحة بحكومة الأسد بسبب علاقاتها العميقة مع إيران. ولكن بالمقارنة مع الإمارات، كانت قطر والسعودية أكثر انفتاحًا على دعم الفصائل المرتبطة بالإسلاميين، سواء تلك التي كانت جزءًا من الجيش السوري الحر أو تلك المستقلة عنه.

وفي سنة 2017، سحب السعوديون دعمهم للثوار مع التدخل الذي قادته روسيا لدعم حكومة الأسد. كما قلصت الإمارات جهودها للإطاحة بالأسد بعد ظهور تنظيم الدولة في 2014-2015، خوفًا من خلق فراغ أمني في سوريا يمكن للجهاديين ملؤه. وفي الوقت نفسه، واصلت قطر، إلى جانب تركيا، تقديم المساعدات الإنسانية للمتمردين في محافظة إدلب حتى عشية هجوم هيئة تحرير الشام. ودعم السعوديون والإماراتيون إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية في سنة 2023.

وأعادت السعودية فتح سفارتها في دمشق في سبتمبر/ أيلول 2024، أي قبل شهرين فقط من سقوط الأسد، حيث انضمت المملكة إلى الإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي عارضته في السابق. وكانت هذه الدول الخليجية العربية قد خلصت إلى أن الأسد قد انتصر في الحرب الأهلية وأنه يمكن الحفاظ على نفوذها، لا سيما في مواجهة تركيا وإيران، في سوريا من خلال إقامة علاقات مباشرة مع حكومة الأسد بدلاً من الإبقاء على عزلته.

ورفضت قطر، لأسباب سياسية وأيديولوجية، إعادة التعامل دبلوماسيًا مع نظام الأسد في سوريا من دون عملية مصالحة سياسية، وهو أمر طالبت به أيضًا العقوبات الغربية، بما في ذلك القانون الأمريكي الذي لا يزال ساريًا ويعزل فعليًا الحكومة الانتقالية في مرحلة ما بعد الأسد اقتصاديًا.

ومن المرجح أن تتبنى السعودية والإمارات في البداية مقاربة الانتظار والترقب للمرحلة الانتقالية في سوريا ما بعد الأسد، مع ترك العلاقات مع القيادة الحالية لهيئة تحرير الشام في حدها الأدنى، مع الامتناع عن ممارسة الضغط لصالح الهيئة في المحافل الدولية.

وتفضل كل من أبو ظبي والرياض الاستقرار العام في سوريا، ومن المرجح أن تتوخى كلتا الدولتين الحذر بشأن كيفية تأثيرهما على عملية الانتقال السياسي في سوريا – حذرًا من أمثلة مثل اليمن وليبيا والسودان، حيث ساعد التدخل الأجنبي في إشعال حروب أهلية أدت في بعض الأحيان إلى تقوية خصومهما.

ونتيجة لذلك، ستختبر دول الخليج في البداية القنوات الدبلوماسية، وربما تستفيد من وسطاء مثل قطر أو تركيا، لتقييم مدى استعداد هيئة تحرير الشام للاعتدال في سياساتها، والنأي بنفسها عن أصولها المتطرفة والانتقال إلى طريقة حكم شاملة تمثل فيها الفصائل المتحالفة مع الإمارات والسعودية، مثل بعض فصائل الجيش السوري الحر.

كما سيضغطون على هيئة تحرير الشام لاتخاذ خطوات لإنهاء تجارة الكبتاغون، التي أصبحت مصدرًا رئيسيًا لإدمان المخدرات في الخليج، والتي نشأت إلى حد كبير في الأراضي التي يسيطر عليها الأسد في سوريا.

ومن غير المرجح أن تضغط الإمارات أو السعودية على الغرب لرفع العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام على المدى القريب، وستركز الإمارات والسعودية مساعداتهما ودعمهما على خطوط الإغاثة الإنسانية المحدودة في سوريا بدلاً من إعادة الإعمار على نطاق واسع.

أخيرًا، من المرجح أن يعمق الإماراتيون والسعوديون التنسيق الأمني والاستخباراتي مع الأردن لمنع امتدادات الأحداث في المنطقة، حيث إن الأردن هو البلد الرئيسي الذي يفصل سوريا عن السعودية وشهد أعمال عنف ناجمة عن تهريب المخدرات والاتجار بالأسلحة القادمة من سوريا.

وتخشى كل من الإمارات والسعودية من عودة ظهور تنظيم الدولة كقوة إقليمية قادرة على ضرب بلديهما. وقد أصبح هذا الأمر مصدر قلق واضح بشكل خاص منذ سنتي 2019-2020، حيث بدأت الدولتان العربيتان الخليجيتان في تكييف سياساتهما الإقليمية لتكون أقل تصادمية تجاه إيران ووكلائها، وذلك للتخفيف من التهديدات الإضافية لأمنهما القومي في ظل تحولاتهما الاقتصادية الحساسة بعيدًا عن النفط.

وفي سنة 2016، تشكلت هيئة تحرير الشام كجماعة منشقة عن الفرع السوري لتنظيم القاعدة بسبب خلافات إستراتيجية، حيث فضلت هيئة تحرير الشام التركيز على حرب جهادية في سوريا بينما فضل تنظيم القاعدة حملة عابرة للحدود. ومن الناحية الأيديولوجية، تواصل هيئة تحرير الشام تفضيلها للنموذج السياسي السلفي في سوريا، والذي ينطوي على قمع الحقوق السياسية والاجتماعية لغير السنة والنساء وغير العرب.

غير أنه مع تطور العملية الانتقالية خلال العام المقبل، فإنه من المرجح أن تدعم الإمارات القوى المناهضة للإسلاميين لمنع توحد سوريا تحت حكم الإسلاميين، مما قد يزعزع استقرار العملية الانتقالية، ومن المرجح أن تدعم السعودية أي دولة سورية تضعف النفوذ الإيراني وتجارة المخدرات، وهذا يعني أن الرياض ليس لديها دافع كبير للتدخل في السياسة السورية بطريقة قد تؤدي إلى فراغ جديد في السلطة، لكن الإمارات، التي تشعر بالقلق إزاء الانتشار الأيديولوجي الإسلامي وقدرته على زعزعة استقرار حلفائها الإقليميين، ستسعى على الأرجح إلى إبقاء الحكومة المركزية السورية ضعيفة بشكل عام ولكنها قوية بما يكفي للحفاظ على الاستقرار النسبي ومنع انتشار الإسلاميين.

ولتحقيق ذلك، ستواصل أبو ظبي الاستفادة من الاستثمارات المالية في وسائل الإعلام السورية والحملات السياسية وعمليات التأثير لتشكيل الرأي العام ضد الفصائل الإسلامية، كما أنها قد تدعم الأقليات الدينية والعرقية، مثل العلويين والمسيحيين والدروز، لتوفير ثقل موازن للخطاب الإسلامي، وضمان بقاء هذه الجماعات صامدة ونشطة سياسيًا، وقد يمول الإماراتيون أيضًا مشاريع إعادة الإعمار في المناطق السورية التي تضم أعدادًا كبيرة من هذه الأقليات، من أجل زيادة ترسيخ نفوذها في البلاد مع تقويض جاذبية الحركات الإسلامية. لكن هذه الديناميكيات قد تؤدي إلى إدامة الانقسامات في سوريا؛ حيث غالبًا ما يحول التدخل الخارجي دون ظهور حكم داخلي متماسك.

دعمت الإمارات في اليمن وليبيا والسودان وكلاء وأحزابًا سياسية معادية للإسلاميين بشكل علني كجزء من حملتها على مستوى المنطقة ضد كل من جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم عابر للحدود الوطنية والإسلام السياسي كقوة أيديولوجية.

ويرى الإماراتيون أن ظهور دولة إسلامية في أي مكان في المنطقة يشكل تهديدًا أمنيًا محتملًا لبلدهم الذي لديه تاريخ خاص في محاربة الإسلاميين، خاصة خلال الربيع العربي.

وسوف تتعارض مساعي الإمارات المناهضة للإسلاميين مع هدف تركيا وقطر لتقوية كل من هيئة تحرير الشام وفصائلها ذات الميول الإسلامية في سوريا، مما يؤجج النزعة الفصائلية ويزيد من احتمال عودة العنف في البلد الذي مزقته الحرب، وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام ليست وكيلًا لتركيا بشكل مباشر، إلا أن أنقرة أوضحت أنها تفضل نموذج حكمها وتجدها شريكًا براغماتيًا في الإطاحة بالأسد، كما أن إستراتيجية قطر الإقليمية الشاملة تدعم الحركات الإسلامية، خاصة عندما تبدو هذه الحركات ممثلة للمطالب الشعبية، وهذا يشير إلى أن كلا البلدين سيستمران على الأرجح في دعم هيئة تحرير الشام كقائد لفصائل المعارضة السورية، وقد عرضت تركيا بالفعل القيام بدور في تدريب قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة، وهو عرض من المرجح أن يفيد هيئة تحرير الشام باعتبارها الفصيل المتمرد الرئيسي والمنظم الرئيسي للجيش السوري في مرحلة ما بعد الأسد.

وفي الوقت نفسه، تشير إعادة فتح قطر لسفارتها في دمشق بعد سقوط الأسد مباشرة إلى أن الدوحة مستعدة لتوسيع كل من العلاقات الدبلوماسية وبرامج المساعدات إلى الأراضي التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في سوريا على المدى القريب. وسيحاول الدعم الأمني التركي والدعم الاقتصادي القطري تقوية هيئة تحرير الشام وغيرها من فصائل المعارضة الصديقة من أجل تحقيق الاستقرار في عملية الانتقال السياسي ضد محاولات الإمارات لتوجيه السياسة السورية بعيدًا عن الإسلام، وإذا بدأت هيئة تحرير الشام والحكومة الانتقالية في اتخاذ مواقف أكثر تشددًا تجاه عناصر نظام الأسد السابق والأقليات الدينية، فقد تتدخل الإمارات لدعم هذه الجماعات المنعزلة، والتي يمكن أن تتحول في نهاية المطاف إلى قوات مسلحة مستقلة.

ومن المحتمل أن يحدث ذلك في الأماكن التي توجد فيها أعداد كبيرة من عناصر النظام السابق والأقليات الدينية، مثل اللاذقية، الموطن السابق لعائلة الأسد، ومن شأن أخطاء حكم هيئة تحرير الشام مثل الاعتقالات التعسفية لشخصيات مؤثرة من الأقليات أو عمليات التعذيب أن تزيد من خطر حدوث رد فعل عنيف.

لقد أثبتت كل من مصر وتونس أنهما مثالان تحذيريان، لذلك قامت كل من قطر وتركيا بتغيير إستراتيجيتهما لما بعد الربيع العربي، والتي كانت تهدف إلى إخضاع المنطقة لنفوذهما من خلال الإسلام السياسي، إلا أن نظاميهما السياسيين لا زالا يفضلان دعم الحركات الإسلامية في البلدان المجاورة.

وألقى عشرات الآلاف من الجنود السوريين أسلحتهم بدلاً من القتال ضد الثوار المتقدمين أثناء انهيار الأسد، ومنحت الحكومة الانتقالية هؤلاء الجنود عفوًا شكليًا، لكن هذا الوضع قد يتغير بسرعة؛ حيث تم الإبلاغ بالفعل عن أعمال اقتصاص فردية ضد مسؤولي النظام السابق وقادته، وقد تدفع  مثل هذه الديناميكية هؤلاء الجنود في نهاية المطاف إلى تمرد سري مناهض للحكومة، خاصة إذا ما تم تحريضهم من قبل قوى خارجية.

سيؤدي التنافس التركي-القطري مع الإمارات في سوريا إلى احتكاك دبلوماسي واقتصادي، لكنه لن يؤدي إلى حصار آخر مثل ذلك الذي فُرض على قطر من عام 2017 إلى 2021، فالسعودية لا تشعر بالقلق من احتمال ظهور سوريا إسلامية طالما أن الحكومة السورية لا تدعم الإرهاب العابر للحدود، وهذا يعني أنه الإمارات ستأخذ زمام المبادرة في محاولة التصدي للنفوذ الإسلامي في سوريا على المدى المتوسط.

وبالإضافة إلى محاولة زعزعة استقرار عملية الانتقال السياسي التي تصب في صالح الإسلاميين في سوريا، قد تستخدم الإمارات أيضًا استثماراتها في تركيا وعلاقاتها في مجال النقل والتجارة مع قطر لمحاولة الضغط على أنقرة والدوحة للتراجع  عن دعم الإسلاميين في سوريا، كما قد يستخدم الإماراتيون المقاطعة غير الرسمية وسحب الاستثمارات وحملات التأثير عبر الإنترنت في محاولة لتغيير سياسات تركيا وقطر في سوريا، ولكن من غير المرجح أن يتم فرض حصار آخر؛ فقد نجت قطر من الحصار الذي فرض عليها في فترة 2017-2021 مع بقاء سياساتها على حالها، ويمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى. بدلاً من ذلك، ستركز الإمارات بشكل أكبر على اغتنام الفرص لزعزعة استقرار عملية الانتقال السياسي في سوريا وزيادة تجزئة البلاد لوقف تطور دولة إسلامية.

في عام 2017، فرضت السعودية ومصر والبحرين والإمارات حصارًا على قطر لإقناعها بالتخلي عن دعمها للإسلام السياسي واستخدام إمبراطوريتها الإعلامية للترويج للأحزاب الإسلامية، وحتى بعد انتهاء الحصار في عام 2021، وجدت الطائرات التركية والقطرية صعوبة في الحصول على حقوق الهبوط في الإمارات العربية المتحدة؛ حيث أصرت أبو ظبي على المقاطعة غير الرسمية لمواصلة الضغط على هذه الحكومات، وبعد انتهاء الحصار، قامت الإمارات أيضًا باستثمارات كبيرة في تركيا كوسيلة لتطوير نفوذها الاقتصادي على الحكومة التركية.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram