سورية حقل تجارب لجماعات "الإسلام السياسي"

سورية حقل تجارب لجماعات

 

Telegram

 

 

أحمد أصفهاني

يخطئ من يعتقد أن عبارة "الإسلام السياسي" تنطبق فقط على الرسالة المحمدية أو على المذهب السني في الإسلام المحمدي. ولعل الخطأ في هذه المسألة يعود إلى أن أتباع المذهب السني المحمدي يشكلون الأكثرية الساحقة في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي يُنظر إلى عبارة "الإسلام السياسي" وكأنها حكر على المذهب السني بكل تفرعاته وتوجهاته الفكرية والاجتماعية.
وكما أن هنالك "الإسلام السياسي"، يوجد أيضاً المسيحية السياسية واليهودية السياسية والهندوسية السياسية... وغيرها كثير. بل نحن نستطيع القول باطمئنان شديد، تثبته الوقائع في مختلف أنحاء العالم، إن كل دين سماوي أو وضعي يختزن في مضمونه خاصية التحول تدريجياً إلى دين سياسي أو مذهب سياسي في حال توافرت الظروف المناسبة. ذلك أن دمج الشؤون الدينية في الشؤون السياسية، أو تسييس الدين مباشرة أو مداورة، سيجعل الإيمان الروحي الماورائي سلعة تتقاذفها عوامل سوق السياسة بيعاً وشراءً.
أقترح أن نبقي هذه الحقيقة نصب أعيننا فيما نحن نتناول حركات "الإسلام السياسي" في ضوء ما تشهده الجمهورية الشامية من إجراءات وتعديلات اجتماعية وسياسية وتربوية. فقد بات واضحاً أن القرارات التي اتخذها الحكام الجدد في دمشق تشكل انقلاباً جذرياً عما قامت عليه الدولة منذ الاستقلال وحتى اليوم. إضافة إلى أنها تظهر العقلية السلفية الأكثر تشدداً، والتي يُراد لها أن تصبح  هي "الهوية السورية" للقرن الحادي والعشرين!
كنتُ قد أصدرت في مطلع العام 2011، عن "دار الفرات" في بيروت، كتيباً تحت عنوان "أميركا والإسلام السياسي – العلاقة الملتبسة" ضمنته التعريف التالي لمفهوم "الإسلام السياسي"، وأظن أنه ما زال مناسباً حتى اليوم:
"نحن نقصد بعبارة "الإسلام السياسي" كل الجماعات والأنظمة التي تتخذ الإسلام منهجاً إيديولوجياً للحراك السياسي، أو تطبق أحكام الشريعة في إدارة شؤون الدولة. ويدخل في هذا التعريف دول مثل إيران والسعودية والسودان وأفغانستان (عندما حكمتها حركة "طالبان")، وتنظيمات مثل "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"القاعدة" و"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وغيرها، وأحزاب مثل "جماعة الإخوان المسلمين" في فروعها المختلفة و"حزب التحرير الإسلامي" و"حزب النهضة الإسلامي" وغيرها".
القوى التي سيطرت على دمشق هي خليط من جماعات تنتمي إلى "الإسلام السياسي" بشكل عام، مع غلبة واضحة للتيارات السلفية التكفيرية. ولم يكن يجمعها في "زحفها" نحو دمشق سوى العاملين التاليين: الرغبة في إسقاط النظام السوري، والدعم المطلق الذي أسبغه عليها التحالف الأميركي ـ الأطلسي ـ الأوروبي ومعه النظام العربي الرسمي. ولا شك في أن هذا التحالف مارس دوره بدهاء، كل طرف يرعى جماعة معينة حتى ولو كانت توجد تناقضات بينها. المهم أن جماعات "الإسلام السياسي" تسير وفق المخطط المرسوم في عواصم الغرب!
لذلك كان من المستغرب أن توجه سهام النقد والاعتراض على القرارات التي أشرنا إليها أعلاه نحو حكام دمشق فقط، الذين ما كانوا ليدخلوا العاصمة السورية لولا  الضوء الأخضر الغربي. من الطبيعي أن يتحرك المجتمع المدني في سورية لمواجهة سياسات الوأد المقيتة، لكن هذا الحراك لا يكفي لوحده، إذ أن الضغط الجدّي يجب أن يصوّب على الغرب الذي ما زال حتى هذه اللحظة يملك مفاتيح الحل والربط مع تلك الجماعات السلفية التكفيرية.
في دراستي المعنونة "أميركا والإسلام السياسي" استعملتُ عبارة "العلاقة الملتبسة" لوصف ما يدور بين الطرفين. واليوم أكثر من أي وقت مضى يطغى الإلتباس على المشهد السوري، بحيث تتشوش الأذهان وتتبلبل الأفكار وتتضعضع الحقائق. لكن الظاهر أن الإرادات الغربية تتقن تماماً أسلوب تبادل الأدوار: لنا المجال الاستراتيجي بكامل عناصره الحيوية، ولكم يا حكام دمشق المجتمع السوري حقل تجارب للفكر السلفي الإلغائي!

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram