الانتكاسات تدفع إيران إلى إعادة تقييم شاملة لسياساتها الإقليمية

الانتكاسات تدفع إيران إلى إعادة تقييم شاملة لسياساتها الإقليمية

 

Telegram

 

يدور في إيران نقاش حاد غير معلن وإنما يمكن استشفافه بشأن الإستراتيجيات الإقليمية المستقبلية في ضوء الانتكاسات الأخيرة في لبنان وغزة وسوريا. وفي وضع اقتصادي يزداد تأزما يوما بعد يوم تبدو كلفة إعادة بناء شبكة الوكلاء مرهقة بشكل أكبر ودون نتائج على المدييْن المتوسط والقصير.

يرى محللون مؤشرات متزايدة على أن كبار قادة النظام الإيراني منخرطون في نقاش حاد حول إعادة تقييم شاملة لسياساتهم الإقليمية، بعد الانتكاسات التي تلقاها النظام في غزة ولبنان وسوريا.

ولا تسمح وسائل الإعلام الفارسية والتصريحات العامة التي يدلي بها الساسة إلا بإلقاء نظرة خاطفة على شدة الجدل. ومع ذلك، أدت المناقشات الساخنة الجارية بالفعل إلى دفع جنرالات الحرس الثوري الإسلامي، الذين عادة ما يعشقون الخطابة الرنانة، إلى التراجع خطوة إلى الوراء والحد من الظهور العلني.

والقضية المطروحة الآن هي ما إذا كان ينبغي لإيران أن تستثمر المليارات من الدولارات الإضافية لإعادة بناء الوكلاء المسلحين الذين أسستهم في العقود الأخيرة، فيما هناك حاجة ماسة إلى هذه الأموال في الداخل حيث هبطت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

ويقول إيهود يعاري، زميل لافر الدولي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن المعضلة الرئيسية تتعلق بمستقبل حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينتين فضلا عن مجموعة واسعة من الميليشيات التي ترعاها إيران في سوريا مع المجندين الأفغان والباكستانيين.

وتوصل العديد من النخب السياسية في طهران إلى استنتاج مفاده أن إلقاء الأموال لم يعد مجديا. فالمبالغ المعنية ستكون ضخمة، كما أن إعادة إمداد الوكلاء أصبحت صعبة بسبب فقدان الممرات البرية في سوريا، مع ظهور سلطة معادية لإيران هناك.

مشاكل الوكلاء

كان تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن الثورة الإسلامية “لا تستخدم وكلاء” وأن “الفصائل المختلفة في محور المقاومة تقف على أقدامها وترسم مسار عملها بشكل مستقل” إشارة محملة بالمعلومات إلى عملاء إيران في الشرق الأوسط مفادها أنه لا ينبغي لهم أن يتوقعوا من طهران أن تسارع إلى إنقاذهم.

وكانت إيران راضية بالسماح للعرب بالقتال والموت من أجل قضيتها، لكنها ليست على استعداد للتضحية بجنودها ومصالحها من أجل تعزيز حلفائها الصغار الذين ضعفوا بشدة.

وخيب أداء حزب الله وحماس والفصائل الأخرى في غزة، فضلا عن الجيش السوري ووحداته المساعدة، آمال معلميهم الإيرانيين.

وتجنبت إيران إنقاذ وكيلها الأكثر أهمية، حزب الله اللبناني. فقد شهدت هذه المنظمة العسكرية الهائلة في وقت ما قطع رأس قيادتها بالكامل تقريبا وتدمير معظم ترسانتها الضخمة من الصواريخ. واضطر خلفاء حسن نصرالله إلى قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل، والتخلي عن التزامهم بـ”وحدة الجبهات” بين لبنان وغزة.

ومنذ ذلك الحين، كانت إيران بطيئة ومترددة في تقديم المساعدة المالية لحزب الله. ووعدت إيران بتعويض المجتمع الشيعي اللبناني عن عشرات الآلاف من النازحين، والآلاف من المنازل المتضررة، والآلاف من أسر القتلى والآلاف من الجرحى. وهذا ما سبب استياءً واسع النطاق بين القاعدة الشعبية لحزب الله.

وفضلا عن ذلك فإن الإيرانيين يتجاهلون نداءات حزب الله للمساعدة في معرفة مصير ما لا يقل عن ألف مقاتل لبناني ما زالوا في عداد المفقودين. وعندما تحرك الجيش النظامي اللبناني مؤخرا لإغلاق القواعد العسكرية للجماعات الفلسطينية المسلحة في البلاد، وخاصة الجبهة الشعبية، لم تكن هناك كلمة توبيخ واحدة من طهران.

وسوف تتطلب إعادة بناء القوة العسكرية لحزب الله، إذا أمكن، سنوات عديدة. وعلى هذا فإن إيران تركز على وقف تراجع نفوذها السياسي داخل لبنان وانشقاقات شركائها السابقين.

وقد بدأ الدروز، فضلا عن بعض الفصائل المسيحية والسنية، في النأي بأنفسهم عن “معسكر المقاومة”. ومن الواضح الآن أن مرشح حزب الله سليمان فرنجية لا يمكن انتخابه رئيسا للبنان. كما تقبل الإيرانيون بسرعة، وإن على مضض، خسارة حليفهم العربي الأكثر أهمية، نظام الأسد، فسارعوا إلى إجلاء جميع الإيرانيين من البلاد.

وعلى الرغم من الشائعات المنتشرة على نطاق واسع على العكس من ذلك، يبدو أنه لا توجد محاولة لتنظيم معارضة مسلحة للاستيلاء على دمشق، كما اقترح بعض كبار ضباط نظام الأسد الذين فروا إلى العراق. وبدلا من ذلك، تتوسل إيران علنا إلى أحمد الشرع للسماح بإعادة فتح سفارتها في العاصمة. وقد تم إسكات الانتقادات الموجهة إلى الزعيم الإسلامي السني المناهض بشدة لإيران.

وفي العراق، أصدر الحرس الثوري الإيراني تعليماته إلى العديد من الميليشيات الشيعية المسلحة بعدم عبور الحدود إلى سوريا والتوقف عن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار ضد إسرائيل.

ويمتنع الإيرانيون عن مواجهة الزعماء الشيعة العراقيين المهمين علنا؛ آية الله العظمى علي السيستاني، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والزعيم الشعبي مقتدى الصدر، الذين رفعوا أصواتهم ضد ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران. كل منهم يقول بطريقته الآن إن الأسلحة يجب أن تكون في أيدي الدولة العراقية، التي هي وحدها المخولة ببدء الأعمال العدائية.

ولدى الإيرانيين سيطرة محدودة على شركائهم الحوثيين في اليمن. لقد زودوهم لسنوات بأنظمة أسلحة متقدمة وقدموا لهم التدريب والدعم في إنشاء مرافق الإنتاج المحلية. لكن طهران تدرك أنها لا تستطيع أن تعطي تعليمات لنظام صنعاء حول كيفية إجراء العمليات العسكرية أو متى يرفع الحصار عن البحر الأحمر.

وفي الساحة الفلسطينية، تخسر إيران الأرض لصالح تركيا حيث يفضل قادة حماس إسطنبول على طهران كمقر لهم. كما تنظر السلطة الفلسطينية إلى تركيا كشريك محتمل لها، ويحاول الأتراك شق طريقهم إلى غزة بمجرد انتهاء الحرب الحالية.

منافسة مع تركيا

إن جزءا كبيرا من إعادة التقييم في إيران مرتبط بتدهور العلاقات مع تركيا. فقد حافظت الإمبراطوريتان السابقتان غير العربيتين في الشرق الأوسط على مزيج من المنافسة والتعاون على مدى المئتي عام الماضية.

ومع ذلك فإن المشهد الجيوسياسي المتغير، الذي جلبته الحملات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وغزة، يقدم فرصا جديدة لتركيا لا يهدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوقت في استغلالها.

وتسعى تركيا إلى استبدال إيران كقوة مهيمنة في سوريا وبقية الهلال الخصيب. ويهاجم كبار الساسة والخبراء الإيرانيين السياسات والتطلعات التركية يوميا، ويتهمون أردوغان بطموحات عثمانية جديدة.

ووُصف افتتاح محطة تلفزيونية فارسية من قبل هيئة الإذاعة الوطنية التركية في طهران بأنه “إعلان حرب”.

وتتعارض مخططات إيران مع الديناميكية التركية ليس فقط من خلال تحويل سوريا إلى منطقة نفوذ تركية والسعي إلى سحق الحكم الذاتي الكردي، بل وأيضا في لبنان حيث تواصل تركيا انشغالها بإحياء النشاط السياسي السني، وفي العراق حيث تتحدى تركيا تفوق إيران. وقد امتد التنافس إلى مناطق أخرى من القوقاز إلى القرن الأفريقي.

وتتمتع تركيا بالعديد من المزايا في هذه المنافسة. فعلى الرغم من أن عدد سكان البلدين متماثل، فإن اقتصاد تركيا أكبر بثلاث مرات. والجيش التركي الحديث أكبر بكثير وأفضل تجهيزا من جيش إيران. وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي في حين تخضع إيران لعقوبات دولية شديدة. وتشعر الدول العربية براحة أكبر في التعامل مع تركيا مقارنة بالجمهورية الإسلامية.

وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من عدائها لإسرائيل، فإن تركيا قادرة بسهولة على التحول إلى التقارب، كما فعلت في الماضي.

ويرى يعاري أن إيران تتراجع عن عقيدة الدفاع الأمامي (إنشاء سلسلة من الميليشيات المجهزة تجهيزا جيدا بعيدا عن حدودها كحاجز وقائي لأراضيها) أو على الأقل تعيد النظر فيها.

وقد أظهرت النجاحات العسكرية الإسرائيلية، في أعقاب فشلها الهائل في السابع من أكتوبر 2023، لطهران أن رؤية وضع “حلقة نار” حول إسرائيل لم تؤت ثمارها المتوقعة.

ولم تنته المناقشة في طهران بعد، فالإصلاحيون بقيادة الرئيس مسعود بيزيشكيان يدعون إلى المصالحة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال اتفاق نووي جديد، في حين يطالب العديد من المحافظين بأن تندفع إيران نحو امتلاك سلاح نووي، وخاصة بعد تدمير أنظمة الدفاع الجوي لديها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

ويعطي الإصلاحيون الأولوية للتغلب على الصعوبات الاقتصادية الشديدة، في حين يؤكد المحافظون على بقاء النظام.

وينتقد الإصلاحيون المغامرات الفاشلة في سوريا، في حين يرى المتشددون أن إيران لم تثبت أنها نشطة بما فيه الكفاية، بل سعت بدلا من ذلك إلى “الصبر الإستراتيجي”.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن النظام يتبنى شعار “الردع النووي” – الاقتراب من ترسانة الأسلحة النووية ولكن الامتناع عن تجميعها. وفيما يتصل بمسألة الوكلاء، يبدو أنهم يفضلون نهج الانتظار والترقب.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram