المناظرات الرئاسية وطرح البرامج في مختلف المجالات التي تهمّ المواطنين، هي من صنو الحياة الديموقراطية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية. في الشكل، وتحديداً في الدول التي تشهد حياة سياسية طبيعية، يبدو الأمر طبيعياً. لكن في لبنان حيث يُتّفق على المرشحين قبل جلسة الانتخاب، فتذوب هذه المفاهيم. وانطلاقاً من حرص "النهار" على تصحيح المسار رغم المعضلات الكثيرة والتدخّلات الخارجية والديناميات الداخلية المعقّدة، نسلّط الضوء على مبادرة لإرساء مبدأ المناظرة وتكريس حقّ المواطن في معرفة توجّهات المرشحين، وهي تتقاطع مع المبدأ الإصلاحي من باب تذكير الرأي العام بما يجب أن يكون على الرغم ممّا هو واقع.
انشغل اللبنانيون في العامين الأخيرين، وكما أعوام مضت، بالكثير من الملفات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظلّ فراغ في موقع رئاسة الجمهورية يعكس بعنوانه حال لبنان الذي بات عليه. هذه الملفات خيّمت عليها الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي فاقمت الأوضاع سوءاً وتركت اللبنانيين لمصيرهم ينتظرون الغد بقلق خوفاً من مجهول قد تحمله التغيّرات الإقليمية.
في بلد طبيعي، أصبح يلازم جزءاً من مخيلتنا، يكون رئيس الجمهورية ممثلاً للشعب، لمصالحه، لطموحاته، لتطلعاته، لغده الأفضل، يؤمن له حياة كريمة، يصون وحقوقه، يسمَع ويُسمع، يُحاسِب ويُحاسَب، ويدير مؤسسات الدولة بما تقتضيه المصلحة العامة.
أما في لبنان، فقد أصبح كلّ هذا جملاً إنشائية نسمعها ولا نراها، نردّدها على أنّها مطالب وليست حقوقاً، نخشى من يحملها شعاراً فيكون على غرار من سبقوه وبشرّنا بـ"عذابات جهنّم".
في أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، أكمل الشغور الرئاسي في لبنان عامه الثاني، أطفأ اللبنانيون شمعة على نيّة انتهاء التعطيل والحسابات السياسية والطائفية والكيدية التي اعتدنا أن تتوّج بـ"تسوية"، وأضيئت أمامهم شمعة جديدة هي "معادلات ما بعد الحرب".
وأمام هذه المعادلات المستجدّة، برزت أسماء عدّة مرشحة لمنصب الرئاسة، منها قديمة وأخرى جديدة، البعض أعلن ترشيحه بشكل رسمي، والبعض الآخر جرى التداول باسمه في الأروقة السياسية وفي وسائل الإعلام.
ومع طرح أسماء عدة لهذا المنصب، أعلنت منظمة "مناظرة" إجراء أوّل مناظرة رئاسيّة في الموسم الرئاسي في 6 كانون الثّاني (يناير) 2025.
المناظرة المقرّر إجراؤها قبل ثلاثة أيّام فقط من انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهوريّة تحت شعار "لبنان يقرّر"، سيديرها الصّحافي زافين قيومجيان، طارحاً أسئلة موحّدة على جميع المرشّحين المدعوّين الذين قبلوا المشاركة. وسيجيب كلّ منهم في إطار زمني مدّته 99 ثانية، بالإضافة إلى فرص إضافيّة للإجابة على أسئلة الجمهور.
كيف وُلدت فكرة إجراء مناظرة رئاسيّة في لبنان؟
الشعور بفضاء عام عند الحديث عن رئاسة الجمهورية في لبنان، كان الدافع الأساسي وراء ولادة الفكرة، بحسب بول أبي إسحاق، ممثل مبادرة "مناظرة" في لبنان.
وفي حديثه لـ"النهار"، كشف أبي إسحاق عن تفاصيل المناظرة منذ ولادة فكرة إجرائها وحتى إطلاقها، وقال: "الفكرة أطلقها بلعباس بن كريدة مؤسس "مناظرة".
وأضاف: "المناظرة الأولى في العالم العربي أجريناها في تونس عام 2019، أمّا المناظرة الرئاسية في لبنان فهي الثانية في العالم العربي ككلّ".
وتابع: "صحيح أن الرئيس غير منتخب من الشعب ومختار من البرلمان، ولكن هذا لا يعني عدم وقوف المرشحين أمام الشعب اللبناني والتحدّث عن الأجندة والتغييرات والإصلاحات أو عمّا سيقدمونه للمواطن بشكل عام".
من خلال هذه المناظرة، يقول أبي إسحاق إنهم يحاولون خلق تواصل مباشر بين الشعب ورئيسه المحتمل.
3 محاور رئيسية
تتضمن المناظرة، بحسب ممثل مبادرة "مناظرة" في لبنان 3 محاور، هي: الخطاب الافتتاحي للمرشحين، الأسئلة المباشرة وحق الردّ والخطاب الختامي أو الموقف.
وأحد هذه المحاور سيكون مقسماً إلى 4 أجزاء يتطرق خلالها المرشح وكذلك الجمهور إلى مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي والسياسة الخارجية وكذلك القرارات الدولية.
يشدّد أبي إسحاق على أن المناظرة هي فرصة للمرشحين لطرح أفكارهم سيّما مع انعدام الثقة بقدرتهم على إحداث تغيير، ملمّحاً إلى عنصر مفاجئة بعد انتخاب الرئيس الذي قد يكون أحدهم.
ستتوافق المناظرة مع المعايير الدوليّة لضمان فرص متساوية لجميع المرشّحين، بما في ذلك وقت حديث متساوٍ وجودة إنتاج موحّدة من حيث الصوت والإضاءة والبثّ. وسيتمّ بثّها مباشرةً عبر إشارة موحّدة ومجانيّة، متاحة لجميع القنوات التلفزيونيّة والإذاعيّة والمنصّات الإلكترونيّة.
وستشمل جميع المرشّحين المدعوّين الذين قبلوا المشاركة. وسيجيب كلّ منهم على أسئلة موحّدة في إطار زمني مدّته 99 ثانية، بالإضافة إلى فرص إضافيّة للإجابة على أسئلة الجمهور.
رسالة من الشباب اللبناني للمرشحين
بدورها، أكّدت إيلينا بونعمة مراد منتجة المناظرة، أن الجمهور سيكون متنوّعاً من كل الأحزاب اللبنانية والمناطق والطوائف ومن مختلف الأطياف، وأن المناظرة ستكون رسالة من الشباب اللبناني للمرشحين حتى لو لم يأتِ أحدٌ منهم للمشاركة.
وقالت لـ"النهار": "وجّهنا الدعوات للمرشحين والأجواء كانت إيجابية والعديد منهم رحّب بالفكرة وأكد الحضور ونحن ننتظر الأجوبة الرسمية".
وعن الشعار المختار، قالت: "في لبنان اعتدنا على فكرة أن يفرض علينا الرئيس من الخارج، علماً أن انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يكون شأناً داخلياً بقرار ورضا جميع الأطراف على عكس ما كان يحصل عبر التاريخ".
وأشارت إلى أن الشعار سبق أن استُخدم في تجربة سابقة للمنصة، وهي "تونس تقرر".
تذكر مراد بتجربة الانتخابات الأميركية والانتقال بين الأحزاب الديمقراطية والجمهورية، وكيفية طرح البرامج الانتخابية، مشددة على أنه من حق الشعب اللبناني أن يسأل المرشح عن مشروعه في ظل وضع اقتصادي متهالك وأزمات متتالية، وفي غياب الإصلاحات وبعد حرب شرسة. وتقول: "على من طرح نفسه كمرشح أن يمتلك جرأة الإجابة على سؤال ماذا ستقدّم للبلد".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :