المصالحة أولويّة الشام
«إنّ أزمنةً مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلّا بالبطولة المؤيّدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمّة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها، قرّرته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة». سعاده، 1947
أيّها المواطنون والرفقاء
نحن أمام مفصل جديد من مفاصل الحياة في الشام، وفي سورية كلّها، وحتى على مستوى المنطقة، وهو مفصل مهمّ تجب قراءته بعناية، والتمهّل في إصدار الأحكام عليه؛ هذا الحدث الذي يحتاج خطواتٍ أخرى لنحوّله إلى فرصة جديدة حقيقية، تخدم مصلحة الشعب في الشام، وتؤمّن له طموحاته ومستقبله الذي يعمل لتحقيقه، ومن هذه الخطوات الانتقال السلمي في الحكم، وحماية وحدة الشعب والأرض في وجه كل التحدّيات داخليةً وخارجية.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، لم نتلوّن، ولم ننتقل يومًا من موقع إلى موقع، في تاريخنا كله، ومنذ عشرين عامًا، كان لنا موقفنا الواضح في كلّ بياناتنا وإطلالاتنا الإعلاميّة وتحالفاتنا السياسيّة في الشام، كنّا نصرّ دائمًا على أنّ حالة البلاد بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تغيير بنيوي عميق جذري هادئ تدريجي وسلمي، ولم نتخلَّ عن هذا الموقع ولم نقبل التنازل عن هذا المشروع، وعملنا عليه حتى بعد عام 2011، وكانت لنا بياناتنا الواضحة منذ الأيام الأولى تعلن الحاجة إلى حوار وطني، يفتح الأبواب للجميع للعمل على تغيير حقيقي. وهذا ما دافعنا عنه منذ بداية الأزمة في الشام، ولم نقبل أن نحمل السلاح، أو أن نصطفّ، بل حملنا مشروع ”المصالحة الوطنية“، الذي تدخّل فيه الجميع، والجميع أفشلوه، سواءٌ من الخارج أو الداخل، بأن أفرغوا المصالحة من معناها الحقيقي لتحويلها إلى تسويات دون أن يتمّ إنشاء شبكة علاقات جديدة بين أبناء المجتمع، تُخرج الشام من أزمتها، وترسم معالم الشام المستقبلية، ولم نتخلّ عن المشروع حتى بعد محاربة الوزارة وتحويلها إلى هيئة وثم محاربتها وإلغائها، وبقينا على مشروعنا. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّه قبل ساعات من سقوط الحكم في الشام كان يُعقد مؤتمر في فندق "الداما روز" في دمشق، وطُرحت فكرة الحوار، فأعلنّا أنّ الأولوية أصبحت الآن المبادرة إلى تأليف حكومة إنقاذ وطني تتولى الترتيبات اللاحقة بما فيها الحوار، وليس إدارة الحوار من أيّ جهة في السلطة تديره كما أدارته في العام 2014، وبعد ذلك في العامين 2017 و2018.
نحن اليوم أمام مفصل مهم، يمكن أن يحقّق إنجازًا كبيرًا، هذا الإنجاز يتمثّل في روح المصالحة.
إن التلاقي الذي حصل في بعض المناطق يجب أن يكون شاملًا لمنع إراقة الدماء، والتخفيف من المظاهر المسلّحة.. الخطوة الهامة هي أن لا نستبدل الاستفراد بالسلطة بنوع آخر من الاستفراد، أيًّا كانت التسمية، والعمل على انتقالٍ هادئ وسلمي وتدريجي للسلطة، وإيجاد الآليات الكفيلة بتحقيق مصلحة الشعب في الشام وإعطائه الدور الأساسي في إنتاج سلطته الجديدة وقيادته القادمة بالطرق الديمقراطية.
وهنا لا بدّ من التنبّه إلى موضوع الحالة الدستوريّة اليوم في الشام، فلم يتمّ إعلان وقف العمل بالدستور القائم، أو إيضاح المسار الدستوري في انتقال السلطة، وهي حاجةٌ أساسيّة لتحقيق الشرعية القانونيّة لأيّ عمل يمكن أن تقوم على أساسها أيّة سلطة في الشام.
لا شكّ في أنّ ما حصل في أمّتنا السورية بشكل عام وفي ”الجمهورية السورية“ بشكل خاص في الفترة الماضية، هو استثنائي إذا ما قسناه بتاريخ الشعوب. وقد أصدرنا بيانات ومواقف مختلفة مما يجري في بلادنا. أمّا بخصوص ما حصل في الشام فهو – وإن كان سقوط الحكم سريعًا – لم يفاجئنا أو يصدمنا، لأنّنا وصفنا وشخّصنا وقدّمنا العلاج المطلوب لتحسين حياة شعبنا، وقد عملنا الليل قبل النهار، وقدّمنا التضحيات كي لا يصل الشعب في الكيان الشامي إلى مدارك قاسية من الحرمان المادي والمعنوي، ولكيلا يصاب بالتجزئة والانقسامات التي تجعل منه مطيّة لدولٍ لها مصالح، وأبرزها الكيان اليهــ..ودي.
سرور البعض بهذا الحدث لا يمكن أن ينسينا مأساة ما يحصل في غزة والضفة، وفلســ..طين كلها، وفي جنوب لبنان، حيث ما زال العدو يستبيح أراضينا، كما في جنوب الشام اليوم حيث استغل الفرصة ليقضم ما يستطيع من الجولان وجواره لتثبيت أمر واقع جديد، مستبيحًا الأجواء والبرّ والبحر بقصفٍ عنيفٍ طال أغلب المدن الرئيسيّة والمرافق والمقدّرات العسكرية التي كان يجب أن توجّه إلى كيان العدوّ في كل السنين الماضية، وخاصة في هذه الأيام لأنه هذا هو المكان والزمان المناسبين، أو كان من الممكن أن تشكّل نواةً لوسائل دفاعنا في وجه اعتداءاته.
إنّ العالم يرى كيف استغلّ العدو، ومنذ اللحظة الأولى لسقوط الحكم، هذا الوضع ليشنّ عـ د وانه على الشام برًّا وبحرًا وجوًّا، ويضرب كلّ المواثيق الدولية والاتفاقيات عرض الحائط (اتّفاق الهدنة وقراري مجلس الأمن رقم 350 للعام 1974 و2737 للعام 2024)، غير آبهٍ بأيّ معيارٍ دولي أو إنساني أو أخلاقي..
ما حصل أظهر بشكلٍ حقيقي، مثل كلّ مفصل هام في حياة أمّتنا السورية، أنّ السوريين القوميين الاجتماعيين موحّدون بشكلٍ حقيقي في مشاعرهم وانتمائهم الصادق والحقيقي لعقيدتهم السورية القومية الاجتماعية من خلال حالة الوحدة التي ظهرت، ونعمل على ترسيخها حالة صحيّة ثابتة دائمة، تستطيع تحقيق وحدة الحياة التي نعمل لها دائمًا، وهي السبيل الوحيد لتحقيق قوتنا وموقعنا تحت الشمس بما يليق بالسوريين القوميين الاجتماعيين.
أيّها السوريون
إنّ الظرف الدولي الذي كان عاملًا أساسيًا في سقوط الحكم، ونجاح القيادة العسكرية المؤقتة، بالإضافة إلى الوعي الشعبي الذي أدّى إلى حقن دماء أهلنا في الشام وتجنّب شلال الدماء، كلّها عوامل يجب أن نستثمرها لإنجاز الحلّ الأخير الذي يقوم على قاعدة ”المصالحة الوطنية“ بمشروعها الأساسي الذي قدّمناه في الشام منذ 2012 ولا نزال نصرّ عليه، والذي يؤدّي إلى حلّ المسائل العالقة بين أبناء الشعب، وإلّا سيبقى الحلّ ناقصًا ويعيدنا إلى نقطة الصفر. فالمصالحة الحقيقيّة هي السبيل ليتمكّن أهلنا في الشام من بناء مستقبلهم اللائق المنير.
ويجب أن يكون واضحًا للجميع أن لا حياة عزيزة لائقة ولا سيادة حقيقة مع بقاء الاحتلال، وأنه لا يجوز أن نكون ”حرس حدود“ لدولة العدو، بل أن يعمل جميع أبناء شعبنا لتحرير الوطن وضمان استقلالنا الحقيقي.
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الرفيق الدكتور علي حيدر
المركز في 10 كانون الأول 2024
نسخ الرابط :