منذ عدة سنوات، أصبح شهر تشرين الأول هو شهر التوعية حول ضرورة اللجوء الى الفحص المبكر لسرطان الثدي لتفادي الأسوأ، وبهدف رفع وتيرة الوعي لدى النساء بشكل عام، حيث يعتبر هذا المرض قابلاً للعلاج والشفاء بحال اكتشافه في مراحله الأولى، من هنا التشديد على إجراء الفحوصات كل 6 أشهر. وتم اعتماد شعار "الشريط الوردي" للتعبير عن سرطان الثدي،كما توجد مؤسسات تبيع منتجات مستوحاة من هذا الشعار وذلك لجمع المال لدعم النساء المصابات بالمرض.
وسرطان الثدي هو مرض يحدث عندما تحصل طفرة في الخلايا في منطقة الثدي وتفقد السيطرة وتبدأ بالتكاثر بشكل غير طبيعي، وفي مراحل لاحقة ينتشر الورم إلى أجزاء أخرى من الثدي أو ينتقل إلى مناطق أخرى في الجسم.و تُشير بعض الدراسات العلمية الى أن سرطان الثدي يؤدّي الى وفاة ما يزيد عن 600 ألف شخص كل عام، فهو من اكثر السرطانات انتشارا في العالم.
بينما يضج العالم مع بداية شهر تشرين الأول بحملات التوعية والتثقيف بشأن سرطان الثدي وضرورة كشفه المبكر، يغيب لبنان عن أي فعالية بهذا الشأن والأخطر اليوم أن معظم حالات سرطان الثدي التي تسجل يأتي اكتشافها متأخراً، بحيث تتوجه السيدات للكشف بعد شعورهن بوجود المرض، وهي مرحلة متقدمة لسرطان الثدي.
تتحدث الدكتورة وفاء نصرالدين، اختصاصيّة في أمراض سرطان الثدي عن وجود إصابات متقدّمة في لبنان، ويعود هذا الاستفحال في المرض إلى أسباب اقتصاديّة، بالإضافة إلى توقّف الحملات الوطنيّة المشجّعة على إجراء التصوير الشعاعيّ للثدي.
وأكدت نصر الدين أن "الكشف عن سرطان الثدي في مراحله المتأخرة يزيد من صعوبة العلاج واحتمال الوفاة، أما عند اكتشافه مبكرا فإن احتمال التعافي أكبر. وهذا يفسر أن غالبية الوفيات بسرطان الثدي تحصل في الدول النامية حيث يتأخر الكشف عن المرض بالمقارنة مع الدول المتقدمة".
وتشدّد على أهمية الجراحة الجزئية الترميمية وأن يكون الجرّاح متخصّصاً في جراحة الثدي، لأنّه يكون قادراً على تحديد مكان الكتلة السرطانيّة وكيفيّة ومكان شقّ الجلد واقتلاعها بطريقة سليمة، وإجراء هذه العملية بدقّة وبتخطيط متكامل، وترميم نسيج الثدي بحيث يحافظ قدر الإمكان على شكل الثدي.
وأشارت نصرالدين أن "معاناة مرضى السرطان في لبنان تمتد على مستويات عدة، بدءاً من توفر الدواء في لبنان، حيث يشهد انقطاعاً حاداً في العلاجات والأدوية منذ العام 2019 نتيجة تأثيرات الأزمة الاقتصادية،والمعاناة النفسية وانعدام الأمل في أي حلول قريبة للوضع القائم، في ظل ازدياد الضغط على عائلات المرضى، الأمر الذي يترك لديهم شعوراً بالذنب واليأس وميلا نحو الاستسلام".
وتقول أن الأسباب تختلف من سيدة الى اخرى، وتتمثل هذه الأسباب في:
-وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي: في حال وجود أقارب مصابات بسرطان الثدي ترتفع احتمالات الإصابة وسط سيدات الأسرة أو العائلة الواحدة، في حال وجود أكثر من حالة في أسرتك، تكون المتابعة الدورية مع الطبيب أمرا ضروري جدًا للاطمئنان الى صحتك.
-بداية الدورة الشهرية من سن مبكرة او انقطاع الدورة الشهرية في سن متأخرة.
- التعرض للعلاج الإشعاعي (بالذات في منطقة الرأس أو الرقبة أو الصدر).قد يستخدم الإشعاع أثناء إجراء بعض الفحوصات الطبية، وأثبتت الأبحاث وجود علاقة بين هذه الإشعاعات والإصابة بسرطان الثدي، فيجب تجنب التعرض للإشعاع بصورة مستمرة.
-الكحول: أظهرت غالبية الدراسات على مدى عقدين الصلة بين الكحول وخطر الإصابة بسرطان الثدي.
-العمر: أثبتت الأبحاث الحديثة أن التقدم في العمر يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، لذلك ينصح بضرورة الفحص الدوري للسيدات من عمر الـ50 لـعمر الـ 70، للاطمئنان على صحتها.
-تناول حبوب منع الحمل: يزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي، ولكن يقل الخطر عند توقف تناولها، لذلك يجب أن يكون هناك متابعة مستمرة طوال فترة الاستمرار على حبوب منع الحمل.
وتنصح نصرالدين بإجراءات تساعد على الوقاية من سرطان الثدي:
-التوقف عن التدخين: تزيد خطورة الإصابة بسرطان الثدي في حالة التدخين خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث، لذلك يجب على الفتيات في بداية العمر الابتعاد عن التدخين، وتجنب شرب الكحول.
-الخضروات والفاكهة: تُعد الخضروات والفاكهة من أكثر الأطعمة قدرة على مقاومة وحماية الجسم من الإصابة بسرطان الثدي.
-الحبوب الكاملة: القمح والذرة والشوفان والشعير من الأطعمة التي تحتاجين لإضافتها إلى نظامك الغذائي للتقليل من احتمالات الإصابة بسرطان الثدي خاصةً أنها تحتوي على مواد تقلل من احتمالات عودة المرض وحماية المتعافين من الانتكاسة مرة أخرى.
– التمارين: النصيحة الأساسية هي أن تفكر أن "التمرين دواء" وتحث التوصيات على النشاط البدني 150 دقيقة في الأسبوع على الأقل.
- الفحص الذاتي للثدي والمتابعة باستمرار واستشارة الطبيب فورا عند الشعور بأي امر غير طبيعي.
وختمت نصرالدين قولها بأنها تقوم بإرسال تنبيهات شهرية لدائرتها القريبة، بضرورة الفحص الشهري، مع التأكيد على ضرورة مواصلة الحياة، منها العمل خلال فترة العلاج، لأنه يساعد على رفع الروح المعنوية وتخطي التجربة.
تجارب عديدة مروا بها بحلوها ومرها، وبكل منعطفاتها التي شكّلت جزءاً من نضجهم، وجعلت منهم أبطالاً انتصروا في معركتهم بالأمل والإصرار والعزيمة،إنهم الناجون من السرطان.
تؤكد السيدة سجيعة، أن اكتشاف الإصابة كان واقعاً صعباً لا يمكن وصفه، وأن رحلة العلاج في البداية كانت قاسية جداً بسبب ارتفاع التكاليف. ولأن الوضع الصحي لم يكن يحتمل تأخيراً في حصولها على جرعاتها، اضطرت عائلتها للبحث عن الدواء في السوق اللبناني من خارج إطار الدعم وكانت المفاجأة بسعره الذي يبلغ 2000 دولار لحقنتين تحتاجهما كجرعة واحدة كل 3 أسابيع على مدى 10 جلسات.
لم تشعر السيدة سجيعة، التي تبلغ من العمر50عاماً، بأي علامات للإرهاق أو التعب، وخلال فعاليات شهر التوعية بسرطان الثدي، أجرت الفحص وتم تشخيص إصابتها، وكانت صدمة كبيرة لها لعدم وجود تاريخ إصابات بالسرطان في عائلتها، وانقلبت حياتها رأساً على عقب، في ظل ظروفها المادية.
تحكي سجيعة قصتها "بالطبع شعرت بالخوف والفزع، لكن مع الوقت استسلمت لإرادة الله، واستلهمت الشجاعة من نفسي والمحيطين بي، حين بدأت العلاج من سرطان الثدي، كنت أجلس في غرف العلاج الكيميائي ونتحدث عن أمور لا علاقة لها بالمرض، عند تلك النقطة شعرت بقوتي وتأثيري في الآخرين".
وتقول"الدعم النفسي والمعنوي الذي قدمته لي عائلتي، عزَّز شعوري بالقدرة على التحكم بالسرطان بدلاً من تحكّمه بي، والتغلّب عليه في هذه المعركة المصيرية، والحمد لله أصبحت بحالة أحسن، وأقوى، وأفضل مما كنت عليه في السابق، ولم اتوقع حين علمت بإصابتي بسرطان الثدي، أنني سوف اتحول من مريضة عادية إلى أشهر داعمي مريضات السرطان".
وتوصي بإجراء الفحص مرّة كلّ سنة، واتّباع الإرشادات لأنّ نسبة سرطان الثدي مرتفعة في لبنان، خصوصاً أنّ 50 في المئة من حالات سرطان الثدي تصيب من هنّ دون سنّ الـ50. لذلك فليكن شهر تشرين الأول شهراً لتوعية النساء من سرطان الثدي، ودعوة عامّة لمن لديه أي عوارض للجوء الى الطبيب والاستفسار وإجراء الفحوصات لأن الحياة تعتمد على الفحص والعلاج.
نسخ الرابط :