لم تكن صولة السابع من أكتوبر المجيد ضربة للعمق الصهيوني بقدر ما كانت طوفانا هز أركان المشروع الكولينيالي في منطقتنا العربية شرقا وغربا، والإسفين الذي دقه الاحتلال الأمريكي بين جناحي الامة شيعة وسنة إبان غزوه للعراق العظيم من الحدود العربية حصرا وأشعل به نار الفتنة الطائفية قد إقتلعه مجاهدو سرايا القدس والقسام حتى بات الإثنا عشري في لبنان والإسماعيلي في اليمن والسني في فلسطين على مذهب واحد، مذهب المقاومة والجهاد حتى التحرير في حين إجتمع زعماء العرب وسلطة أوسلو، إلا ما رحم ربي، على مذهب العمالة والخيانة والتصالحية والإستجداء. إن جمرة قد إتقدت فجر السابع من أكتوبر ومن لهيبها خرج السيف الذي سيعيد إلى الأمة الحياة.
ربما سنجافي المنطق ونكذب التاريخ إن قلنا إن ثمن الطوفان لم يكن باهضا ومؤلما وأن الخذلان العربي الرسمي لم يزده إيلاما وشدة كأن زعماء العرب يخشون أن تكون إنتفاضة القسام باكورة حركة قومية جماهيرية لن تلقي بالا للزعامات التقليدية التي إستمدت نفوذها من الرضى الصهيو-أمريكي، لقد تبدد ذلك النفوذ فجر ذلك اليوم العظيم وسقطت الأقنعة تباعا ليخرج الحاكم العربي مسفر الوجه، كشرطي غربي برجة دنيا برتبة رئيس أو ملك أو أمير مهمته المناطة بعهدته منع السلاح و ومنبر الكلمة ورغيف الخبز عن الفلسطيني واليمني وكل مقاوم حر، وتكشف الأحداث تباعا أن السنوار ورفاقه قد عالجوا خلال السنوات الأخيرة عقب أخيل الثورة الفلسطينية متمثلا في الثقة غير المبرر ة في الدعم العربي الرسمي فطالما كانت هذه الثقة منذ ثورة 1936 خطأ الفلسطينيين القاتل، أعد السنوار ورجاله ما إستطاعوا من قوة محلية التصنيع والإبتكار إدراكا منهم أن الموقف الرسمي العربي هو بين هزيل أو معاد للقضية الفلسطينية على نحو مستتر أو علني، وأن كل الأرض العربية محتلة من بابها إلى مزرابها تسوسها سلطة كمبرادورية خاضعة لسلطة الإستعمار. منطق الأشياء أن لا يعتمد حر على عبد أسير سليب الإرادة، ففي الوقت الذي خذل فيه النظام العربي فلسطين وفقد بوصلته في عرض بحر هائج ومائج، وذلك دأبه منذ ما قبل النكبة إلى اليوم، رفعت قوى المقاومة في لبنان واليمن راية الجهاد وقدمت المئات أو يزيد من أبنائها شهداء على طريق القدس وكسرت أسطورة التفوق الصهيوني وبات الكيان خاضعا لحصار إقتصادي يمني نتج عنه إغلاق ميناء يافا المحتلة ولحظر لبناني أدى إلى إخلاء الجليل المحتل من قطعان الصهاينة في سابقة هي الأولى في عمر الكيان المحتل.
المقاومة اليوم أقوى مما كانت عليه آنفا بعد تحررها من ربقة عرب المحميات الأمريكية، ولعل إختيار السنوار قائدا عاما لحركة المقاومة الإسلامية وهو في جبهات القتال وخنادق العز والشرف رسالة إلى الزعيم العربي والإسلامي أن غزة أكثر أمنا من عواصمكم وأن عين الموساد التي تراقب غرف نومكم عاجزة عن رصد رجال المقاومة وبينهم وبين العدو ربما بضعة امتار، ما عاد الفلسطيني ينتظر شيئا من زعماء الأمة لا سمح الله سوى محاولة الوقوف على الحياد، ورجال الله في غزة والضفة ولبنان واليمن وربما الداخل الفلسطيني قريبا قادرون حتما على إنهاء الاحتلال المتوهم أنه بإنتهاجه وتطويره نمط الغيستابو النازي وبإقامة أرخبيل من معسكرات الاعتقال الجماعي ومن جماجم الشهداء سيضمن سيادته على هذه الأرض.
ما يشهده القطاع من جرائم قتل جماعي هي عقيدة مترسخة في قطعان الاحتلال زرعها الضابط البريطاني أورد وينغيت سنة 1938 يتأسيسه ما سمي بفرقة الليل الخاصة SNS وكانت تقوم أساسا على إستهداف المدنيين والضغط على المقاومين من خلال سياسة العقاب الجماعي، كان كل فلسطيني هدفا مشروعا وكل مربع سكني خرجت منه رصاصة هو مشروع أنقاض على رؤوس ساكنيه، وقد أصبحت في ما بعد هذه الفرقة نواة البالماخ التي تحولت بدورها إلى عصابة الهاجاناه ثم ما يسمى اليوم بالجيش الصهيوني، عقيدته الأولى هي القتل الجماعي لعجزه وجبنه عن مواجهة الرجال في ساحات الوغى، لا يرجى من هؤلاء خوض معارك شريفة وقد تشربوا الجبن وإنعدام الآدمية من الدولة المؤسسة بريطانيا، لكن العقاب الجماعي وإستهداف الشيوخ والنساء والأطفال لم يزد القطاع إلا صمودا ولم يزد كتائب المقاتلين إلا طوابير من المتطوعين الجدد الراغبين في الأخذ بالثأثر.
يقول بلفور المشؤوم –إننا في فلسطين لا نتجاوب حتى بشكل التشاور مع السكان الحاليين للبلاد- وقوله ذلك أشبه بدستور تطبقه حثالة الأمم اليوم وداعميها من الغربيين، وما بيانات جيشهم المهزوم المأزوم ودعوته النتن ياهو لأن يتفاوض مع رجال السنوار سوى نتيجة هزيمتهم العسكرية المدوية وغير المسبوقة في تاريخهم القصير، قد يجادل البعض بالقول أن خراب غزة من شمالها إلى جنوبها وإرتقاء آلاف الشهداء كان ثمنا عظيما، لكن كسر شوكة العدو لمن لا يعلم جائزة أعظم. في سبعينات القرن الماضي وقبل غزو بيروت في بداية الثمانينات كان الجندي الصهيوني يجتاز حدود فلسطين ولبنان ويقيم الحواجز ويعتقل أو يقتل على الهوية، وفي الجانب الآخر كان كل قطاع غزة أرضا مستباحة آمنة للعدو، أما اليوم فلا يجرؤ جنود العدو لا على الإقتراب من حدود لبنان ولا على النزول من مركباتهم في غزة، إنتهت أسطورتهم المزعومة التي زرعها الإعلام العربي المهزوم دون رجعة، والنصر بات محسوما لرجال المقاومة الذين كسر الله بهم شوكتهم نكس بهم رايتهم وأذل بهم قادتهم وحطم بهم هيبتهم، يقينا سينتهي هذا الإستعمار الإستيطاني الغربي قريبا، لكن العار أطول من الأعمار ولعنة التاريخ ستصيب كل الجواسيس المأجورين من زعماء العرب الذين فاتتهم معارك الشرف أو وقفوا في الجانب الآخر من متراس المواجهة.
نسخ الرابط :