حفلت المنابر الإعلامية ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، أخيراً، بكثير من الآراء والدراسات حول مقاربة الجبهة مع حزب الله. والمشترك بينها جميعاً الإقرار بأن الجيش يواجه صعوبة كبيرة في إجبار الحزب على التنازل، وبمخاطر استمرار حرب الاستنزاف، والتأكيد على أن التسوية مع غزة هي مفتاح وقف الحرب مع حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن.مدير معهد دراسات الأمن القومي تامير هايمان، الذي شغل سابقاً منصب رئيس المخابرات العسكرية، وقائد الفيلق الشمالي، رأى أنه «لا ينبغي لإسرائيل أن تخوض حرباً مع حزب الله إلا بعد معالجة الإخفاقات الحالية، وتثبيت استقرار قيادتها، وتحسين مكانتها الإقليمية والدولية. إذ لا تزال إسرائيل تواجه تحديات استراتيجية في الشمال، حيث عشرات الآلاف من المستوطنين خارج منازلهم، وقد أصبحت الصواريخ حدثاً يومياً، والاقتصاد في حالة تدهور». ورأى أنه «من أجل التصدّي لتهديد حزب الله وتأمين الحدود الشمالية، من المهمّ فهم سياقات صنع القرار الدولية والمحلية، إذ تتضاءل مكانة إسرائيل الإقليمية وسمعتها العسكرية، مع وجود أزمة في القيادة، وتعب بين جنود الاحتياط، وزيادة انعدام الثقة بالحكومة، وتآكل الثقة بالقيادة العسكرية الإسرائيلية وقدراتها الاستخبارية، والشعور بتقلص قدرة الردع، وكلها قضايا بالغة الأهمية، وخصوصاً في حالة نشوب حرب شاملة في الشمال. لذلك، وقبل شنّ حرب واسعة ضدّ حزب الله، يتعيّن على إسرائيل تقييم التحديات وأهميتها والدروس الضرورية التي يتعيّن عليها تنفيذها عند صياغة الرد».
ورأى هايمان أنه «من أجل ضمان انتهاء أيّ حرب بسرعة، على إسرائيل إما استخدام أقصى قدر من القوة في أقل وقت ممكن مع هجوم مفاجئ، أو تحديد أهداف حرب متواضعة. وربما يكون الخيار الأول الأفضل من الناحية الديبلوماسية، لكن الخيار الثاني أكثر قابلية للتطبيق. إلا أن الحملات المحدودة قد تتسع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ما يترك المشاعر العسكرية والعامة مريرة بسبب الفرص الضائعة كما رأينا بعد حرب لبنان الثانية. وبخلاف ذلك، فإن استخدام أقصى قدر من القوة وتحقيق الأهداف الطموحة قد يؤديان إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية الأساسية، فضلاً عن الاتهامات بالافتقار إلى الشرعية الدولية».
واستنتج هايمان أن «حرب الاستنزاف أقلّ من الحرب الشاملة، وهي أهون الشرّين، لأننا لا نعرف ما الذي قد يجبر حزب الله على قبول وقف إطلاق النار، وتحت أي ظروف، كما أنه من غير الواضح أيضاً ما إذا كانت حرب واسعة النطاق في لبنان ستؤدي إلى شروط وقف إطلاق نار أفضل من تلك التي توسّطت فيها فرنسا والولايات المتحدة بالفعل، وتشمل إنهاء العمليات العسكرية. وبما أنه لا يتوقع للحرب أن تعالج هذه الأمور، يتعيّن على إسرائيل أن تتحلّى بالصبر الاستراتيجي». وخلص الى أنه «سيأتي يوم حزب الله، ولكن ليس الآن. ولا ينبغي لإسرائيل أن تخوض حرباً معه إلا بعد معالجة الإخفاقات الحالية، وتثبيت استقرار قيادتها، وتحسين مكانتها الإقليمية والدولية».
من جهته، قرأ عاموس يادلين في الهجوم على اليمن «خطوة مهمة لتعزيز الردع الإسرائيلي، الذي انهار في 7 أكتوبر، وبعد انضمام حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن إلى الحرب، والهجوم الإيراني في نيسان». لكنه استدرك بأن «علينا إدراك أن الردع ليس مصطلحاً ثنائياً، بل هو حصيلة معقّدة ومتعدّدة الأبعاد. صحيح أن سلاح الجو أثبت مرة أخرى جاهزيته العملانية والاستراتيجية. لكن الاشتباك مع الحوثيين هو أوسع كثيراً من تبادُل الضربات بين إسرائيل واليمن. ويجب الاستعداد لردّ من المحور ولارتفاع درجة التصعيد من جانب إيران و/أو حزب الله».
وكتب يوسي ميلمان في «هآرتس» عن «الخوف الأكبر من حرب الاستنزاف المستمرة التي يخوضها حزب الله، حيث كشفت المسيّرات نقطة ضعف في نظام الدفاع الجوي، إذ تبيّن أنه لا يمكن لمنظومة القبّة الحديدية ودوريات المقاتلات الجوية منع اختراق المسيّرات للحدود الإسرائيلية بصورة تامة، وهو أمر غير متوقع لا في المدى القريب، ولا البعيد، وهذه حقيقة أثبتها نشاط الحوثيين، ليس في إيلات وصحراء عربة فحسب، بل أيضاً في قلب تل أبيب».
وتحدث ميلمان عن جهود تبذلها الصناعات العسكرية لإيجاد «أفضل حلّ للتصدي للطائرات المسيّرة»، لافتاً إلى أن «الجيش والمنظومة الأمنية يدركان أن المخرج المطلوب من الأزمة التي علقت فيها إسرائيل، يتمثل في التوصل إلى تسوية. وإذا تم التوصل إلى صفقة تبادُل، فسيتوقف إطلاق النار في غزة، كما أن حزب الله سيوقف هجماته الصاروخية، وسيوقف الحوثيون أيضاً هجماتهم بالطائرات المسيّرة».
الجيش والمنظومة الأمنية يدركان أن المخرج من الأزمة يكمن في التوصل إلى تسوية
من جهتها، تحدثت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن «مظاهر» فشل رئيس الأركان هرتسي هاليفي في إعداد الجيش للحروب المستقبلية، وهي المهمة الرئيسية لأيّ رئيس أركان. وذكر التقرير أن هاليفي لم يفعل شيئاً لتحسين الوضع، و«لم يطالب بإعداد قواعد ومدرّجات سلاح الجو لاستخدام الطائرات الدفاعية ضد الصواريخ الدقيقة والمسيرات، والتي من شأنها أن تؤثر على قدرة الطائرات على الإقلاع لمهامها أو الهبوط». كما أنه «لم يتطرّق إلى القوات البرية ولم يخطّط لتوسيعها، بعد تقليص 6 فرق على مدى الـ 20 عاماً الماضية. فماذا سيحدث في حرب إقليمية حين تضطرّ القوات البرية إلى القتال في 6 مناطق في وقت واحد؟». وختمت بأن هاليفي «أهمل أيضاً إعداد الجبهة الداخلية لحرب إقليمية، بما في ذلك تدمير مستوطناتنا على الحدود الشمالية. ليس لدى الجيش الإسرائيلي أيّ حل لإطلاق حزب الله اليومي لعشرات الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار باتجاه الشمال. تخيّل ماذا سيحدث في حرب إقليمية عندما تطلق آلاف الذخائر على إسرائيل يومياً».
ميدانياً، نفذ حزب الله أمس سلسلة عمليات نوعية ردّاً على اعتداءات العدو، فشن هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات الإنقضاضية على قاعدة جبل نيريا (مقر قيادي كتائبي تشغله حالياً قوات من لواء غولاني) استهدفت أماكن تموضع ضباطها وجنودها و«أصابت أهدافها بدقة وحققت فيهم إصابات مؤكدة»، كما استهدف موقع المرج بصاروخ «بركان»، وثكنة راميم (مقر قيادي كتائبي تشغله حالياً قوات من لواء غولاني) بقذائف المدفعية الثقيلة، ومقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل بصواريخ «فلق»، ومستعمرة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا.
وفي إطار عمليات المساندة لغزة، استهدف حزب الله تحركًا لجنود العدو في موقع السماقة في تلال كفرشوبا ورادار كشف الأفراد في موقع بركة ريشا بالصواريخ الموجهة ما أدى إلى تدميره، ومجموعة لجنود العدو الإسرائيلي أثناء تحركها في موقع العاصي بالأسلحة الصاروخية.
ونعى حزب الله الشهيد صادق عاطف عطوي من بلدة شقرا في جنوب لبنان.
نسخ الرابط :