افتتاحيات الصحف ليوم الخميس 17 أيلول 2020

افتتاحيات الصحف ليوم الخميس 17 أيلول 2020

Whats up

Telegram

 

افتتاحية صحيفة الأخبار:

الثلث المعطل والبيان الوزاري والمراسيم الاشتراعية: خلافات مكتومة تتجاوز توزيع الحقائب

 

في العام 2005، أتى الفرنسيون يلعبون دورهم المحبّب في لبنان. كان جاك شيراك مفجوعاً بمقتل رفيق الحريري، لكنه كان قليل الحيلة من جرّاء تحالفه الوثيق مع الاميركيين في مواجهة المقاومة وسوريا في لبنان. تخلت فرنسا عن تمايزها النوعي مع واشنطن حيال الملف العربي، وأبدت ندمها على موقفها المعارض لغزو العراق عام 2003. لكن شيراك كان يعرف أن عليه أن يدفع مسبقا ثمن علاقة جيدة مع الاميركيين. وكان القرار 1559، وهو ما عنى مطابقة استراتيجية فرنسا مع الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط. وفي شرقنا الأوسط هناك النفط وإسرائيل. وكل ما عداه سراب بسراب...


وكما كان متوقعاً، فإن فرنسا يمكنها، بموافقة أميركية، استخدام هامشها العائد الى تاريخها الاستعماري في لبنان وسوريا. ظلت المساعي قائمة الى ما بعد خروج شيراك ومجيء نيكولا ساركوزي. كان الأخير يدعم فكرة الاستعانة بـ"الخبرة" السورية في معالجة ملفات لبنان. قصدت باريس دمشق مرات كثيرة في تلك الفترة، لكن الفرنسيين سمعوا يومها، وللمرة الاولى، مَن يقول لهم من قصر المهاجرين: اذهبوا الى لبنان وعالجوا الأمر هناك مع من بيدهم الامر. ومع كل إلحاح فرنسي، كان بشار الأسد يصير أكثر صراحة، حتى حسم لهم الأمر: اذهبوا الى حسن نصر الله!


عن تلك الفترة، روى أحد الخبثاء حكاية افتراضية لشرح مشكلة الفرنسيين مع معالجة التفاصيل اللبنانية. وقال فيها: جاء برنارد كوشنير الى بيروت ودمشق بصفته وزيراً للخارجية. وفي لحظة استمزاج آراء مساعدين، قال له السفير الفرنسي السابق في بيروت برنارد إيمييه: "عندما تذهب الى دمشق، اطلب مقابلة رستم غزالة، واسأله رأيه، لأنني أكاد أفقد عقلي، كما هي حال رفيقي جيفري فيلتمان في غياهب التعاويذ اللبنانية". وشدد إيمييه: "غزالة، ربما هو أكثر الخبراء الأجانب دراية بلبنان وأحواله وأحوال سياسييه". وفي رواية الخبيث نفسه أن كوشنير استأذن في ختام اجتماع بالرئيس الاسد من أجل عقد لقاء مع غزالة، وهذا ما حصل. فبادر "أبو عبدو" الضيف الفرنسي: كيف أموركم مع اللبنانيين؟ ردّ كوشنير: يا أخي، إنهم متعبون للغاية، كل ما يفعلونه هو وضع العصيّ في الدواليب لمنع تحرك عربة الحل. ضحك رستم، وقال: "له... له، لا يسير الأمر على هذا النحو في لبنان، عليكم أن تضعوهم في الدواليب وتضربونهم بالعصيّ!"


غودو لا غورو!
مرّت 15 سنة على التحول الفرنسي الكبير تجاه لبنان. وجاءت تطورات كثيرة، أبرزها انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، لتفتح الباب من جديد أمام استئناف فرنسا حبّها التاريخي للبنان. هذه المرة، بدا إيمانويل ماكرون الشاب هو من يتولى مهمة الأم الحنون. لكن الرجل عاد بما تعلمه في المدرسة الفرنسية حول كيفية التعامل مع أبناء المستعمرات القديمة. لكن كان من المفترض بمساعديه أو بمن يبحث عن إعادة الاعتبار الى دور حقيقي لفرنسا في منطقتنا، أن يفهم أن المسألة عندنا هي أن الناس في انتظار غودو، وليست في انتظار غورو. لكن ماكرون، قرر ارتداء ثياب جنرال الاحتلال الذي يحبّه لبنانيون لأنه أعلن لهم عن لبنانهم الكبير.
وكغورو، لغته لغة ضابط الاحتلال والحاكم العسكري. مقارباته للمسائل تتعلق فقط بمصالح بلاده أولاً، ويتعامل مع الآخرين على أنهم دونه مكانة وقدرة وفهماً. وهذا ما ميّز كل اللغة التي استخدمها ماكرون في كل اجتماعاته خلال الزيارتين الى بيروت، اللهم ما عدا اجتماعه مع السيدة فيروز، حيث لا يمكنه ذلك، بل كان في موقع المستمع أيضاً مع سيدة اشتهرت بصمتها عن الأمور العامة.
عندما جاء ماكرون، كان فريقه المساعد يحتوي على مجموعة من الذين ينظر اليهم على أنهم "خبراء لبنان" في الادارة الفرنسية. الخارجية التي نقلت أدوارها وملفاتها الى قصر الرئاسة، تولي الامر الى من سبق لهم أن خدموا في لبنان. ويقف في مقدمة هؤلاء الآن، السفير السابق في بيروت إيمانويل بون. وفي الخليّة نفسها، يجلس برنارد إيمييه، بصفتين متلازمتين: سفير سابق وخبير يفترض أنه محلّف في الشأن اللبناني، ورئيس المخابرات الخارجية التي تدرس ملفات الشرق الاوسط بدقة هذه الايام، وحيث يقع لبنان في قلب المشهد. وبروتوكولياً، يكون هناك مقعد دائم لسفارة فرنسا في بيروت، ويشغله الآن السفير برونو فوشيه المفترض أن يغادر بيروت نهاية هذا الشهر الى منصب آخر، لتحل مكانه السفيرة الفرنسية السابقة في المكسيك آن غريو، التي يبدو أنها حصلت على تزكية خاصة من إيمانويل بون لتولي هذا المنصب (بالمناسبة، هي سيدة في العقد السادس من العمر، لكنها تخفي تاريخ ميلادها، كما تخفي أسماء أفراد عائلتها المنحدرة من مرسيليا في فرنسا). وهي ستصل مطلع الشهر المقبل، وتعمل الآن على مراجعة كل الملفات الخاصة بالأزمة اللبنانية، وتطلع بشكل رسمي وغير رسمي على تفاصيل ما يحصل.
في خلية الأزمة اللبنانية مقعد أو اكثر، يُدعى اليه من يتعامل مع ملف محدد من الملفات المطروحة في لبنان. من هؤلاء النائب الفرنسي غويندال رويارد، السياسي الشاب الداعم لماكرون، والقريب جداً من وزير الخارجية جان إيف لودريان، وهو متزوج من اللبنانية جويل بو عبود، التي عملت كمحامية للرئيس أمين الجميل أيضاً. وللرجل علاقاته اللبنانية الواسعة، وهو دائم الزيارة لبيروت بصورة رسمية أو شخصية. كذلك هناك شريك مهم في "خلية لبنان" هو بيار دوكان، الذي منح اليوم صفة رسمية تثبته سفيراً خاصاً بتنسيق المساعدات الخارجية للبنان، وهو أمر يتجاوز إطار مؤتمر "سيدر"، ويعطيه مساحة إضافية في متابعة مؤتمر تشرين المقبل الخاص بمانحين يفترض أن يقدموا "مساعدات عاجلة غير مشروطة" لضحايا انفجار 4 آب، تبدأ من العلاج الطارئ للضحايا الذين باتوا خارج بيوتهم ومدارسهم وأعمالهم، وتتِمّته توفير حاجات إعادة إعمار ما دمّره الانفجار، وصولاً الى إعادة بناء المرفأ نفسه.


الإذن الأميركي
قيل الكثير عن الاتصالات الفرنسية مع الأميركيين بشأن المبادرة في لبنان. وما كشفته اتصالات وتصريحات الأسبوعين الماضيين، دلّ على تمايز ظلّ محصوراً في طريقة المقاربة، ولم يدل على تناقض في جوهر المهمة. الاميركيون لا يمانعون تحركاً فرنسياً شرط أن لا يتحول إلى تغطية لدور حزب الله ونفوذه. وفرنسا تقول إن العمل في مسرح بيروت، لا يكون مفيداً ولا آمناً من دون تفاهم مع "الطرف الأقوى"، أي حزب الله. وفي بيروت، لم تحصل أي مفاجأة، ذلك أن اللاعبين البارزين يتصرفون على هذا الاساس. هم لا يمانعون أي صفقة مع حزب الله، لكنهم، يريدونه محايداً في صراعاتهم، وهذا هو جوهر اعتراض سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط، وحتى نبيه بري، حيث يشكو هؤلاء من كون الحزب يوفر أكبر مظلة للتيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل. وهو لا يبتعد عن عون إلا في حال كان الخطر محدقاً ببري.
ثمة من توقع أن ماكرون سيواجه مشكلة مع مجموعات الحراك الرافضة للمقاومة فكرة ودوراً وسلاحاً. لكن تبيّن أن الرئيس الفرنسي يعرف هذه المجموعات أباً عن جد، ويعرف مكانتهم أيضاً. عدا عن كون مبادرته استندت في جانب منها الى تفاهمه مع الاميركيين على أن مجموعات الحراك هذه، فشلت في تشكيل بديل حقيقي قادر على الإمساك بالسلطة. ولذلك، لم تكن فرنسا تدعم انتخابات نيابية مبكرة، بل قال الفرنسيون للمطالبين بهذه الانتخابات، إن النتيجة ستكون محسومة من الآن، لجهة أن الغلبة في المجلس النيابي ستبقى بأيدي القوى الكبيرة الموجودة حالياً.
ماكرون جاء مستعجلاً على قاعدة أن هناك فرصة لتثبيت دور خاص يتقدم على الآخرين. وهاجسه منع الاميركيين من محاولة إبعاد فرنسا عن القرارات الاساسية الخاصة بلبنان، كما هاجسه إعادة اقتحام المؤسسات اللبنانية الاساسية. فهو يعرف مثلاً أن الجيش اللبناني أقرب الى الاميركيين من فرنسا، وقوى الامن الداخلي تهتم بعلاقات مع جميع الدول ولا تخص فرنسا بشيء خاص. أما المؤسسات المالية والنقدية فهي مهتمة بالرعاية الاميركية والمال الخليجي، وفرنسا مكان استجمام لا أكثر. وحتى مشاريع البنى التحتية لم تكن فرنسا يوماً في موقع المنافس الجدي. فكيف، والحالة الثقافية في لبنان تتجه بعيداً عن الفرنسيين، حتى أصاب الوهن غالبية المؤسسات الثقافية والتربوية المتصلة بفرنسا أو بعالم الناطقين بالفرنسية.


مَن يكذب على مَن؟
عندما حضر ماكرون، سعى كثيرون إلى معرفة حقيقة الموقف الأميركي من مبادرته، وخصوصاً بعد الاحتجاجات العلنية لحلفاء أميركا من العرب، ولا سيما السعودية التي ترفض أي مبادرة تكون نتيجتها عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة أو تجديد التفاهم مع عون وحزب الله. لكن ماكرون ألقى بالكثير من القنابل الدخانية، مستغلاً مواهبه الاستعراضية وشغف اللبنانيين بالكرواسان الفرنسي. ولكن، ما إن دنت ساعة الحقيقة والعمل المباشر، حتى عدّل ماكرون في جلسته، حكّ حنجرته ونظر إلى الجالسين، أخذ نفَساً عميقاً ثم قال: لا بدّ من التوافق!
عند هذه النقطة، باشر ماكرون الترويج لتفاهم سياسي بين القوى البارزة من أجل المرحلة الانتقالية. وهو وجد لها عنواناً اختصره بـ"مهمة إنقاذ عاجلة". ولأنه يريد تثبيت نتائج، قال للجميع في لبنان والخارج، إن تفاهماً سياسياً عاماً يشكّل معبراً إلزامياً نحو المرحلة المقبلة. وهنا، بدأت التناقضات تظهر. قال ماكرون بحكومة الوحدة الوطنية، لكنه عاد ليشرح أنه قال بحكومة تحظى بدعم وطني، ثم تراجع إلى الخلف قليلاً بحديث عن حكومة توافق عليها القوى السياسية كافة، ليتراجع بقوله إن هناك حاجة الى حكومة تحظى بتوافق ودعم القوى البارزة أو غالبية القوى لا كلها، مطيحاً موقف "القوات اللبنانية" وجماعات 14 آذار المستقلين، ومبرراً ذلك بأنه يمثّل هؤلاء أصلاً، وعدم حضورهم الآن لن يعطل التسوية. بينما عاد وكرر لمجموعات ناشطة في الحراك أن نصيبهم محفوظ في التركيبة الحكومية، ورهانه هنا على لائحة مرشحين لتولي الحقائب الوزارية، تشتمل أساساً على كل الذين يعتبرون أنفسهم الممثلين الجدد للشعب الثائر في الساحات!
هذه القاعدة أسست لتفاهم سياسي واسع. الجميع كان قليل الحيلة، ولا مجال لمعارضة منهجية. حتى حزب الله، الذي يضحك بسرّه حيال "حفلة التكاذب" القائمة، لم يكن بمقدوره اتخاذ موقف معارض أو شديد التدقيق. لكنه كان مهتماً بوضع خط أحمر حيال ما لا يقبله. وهذا ما قام به ماكرون أصلاً، عندما قال إن ملف العلاقات الخارجية وسلاح المقاومة ليسا مدرجين على جدول الأعمال. لكن ماكرون كذب بشأن الانتخابات النيابية، لأن المشاورات السابقة على اجتماعاته أوضحت له أن في لبنان كثيرين لا يريدون الانتخابات المبكرة، لكنهم لن يصرّحوا بذلك، بينما حزب الله يمكنه قول الأمر صراحة. وهو أمر ثبّته رجال ماكرون قبل أن يعود هو ويطرحه على طاولة الاجتماع مع ممثلي القوى السياسية في قصر الصنوبر حين طلب النائب محمد رعد الكلام، مسجلاً الاعتراض على بند الانتخابات النيابية الوارد في ورقة ماكرون.


شراكة وهمية
عند هذا الحد، كان الجميع يسير في المركب بشكل عادي. وتولى الفرنسيون بعدها إدارة عملية الترشيحات الخاصة برئاسة الحكومة. هم كانوا - ولا يزالون - يريدون عودة سعد الحريري إلى المنصب. لكن للرجل مشكلاته الكثيرة، وثمة احتمال بأن تبرز مشكلة كبيرة في الشارع اللبناني من جهة، وخشية من دور تخريبي أكبر تقوم به السعودية وأطراف أخرى في حال فرض الحريري. لكن فرنسا هي من تولّت إخراج أرنب مصطفى أديب. وكل كلام عمّن طرح الاسم ومن رفعه ومن درس ملفه ومن اختاره ومن سوّقه، كلام غير مهم. فرنسا، تولّت تثبيت مصطفى أديب رئيساً لـ"حكومة المهمة".
لكن الكذبة أو التشاطر بدأ بعد ساعات قليلة من تكليف أديب. إذ تبيّن أن الفرنسيّين متفاهمون مع الرئيس سعد الحريري وآخرين، سواء في نادي رؤساء الحكومة أو "منظمات مدنية" ذات حضور عالمي على تأليف الحكومة وفق قواعد لا تتطابق مطلقاً مع تفاهم قصر الصنوبر. لا أحد يعرف كيف قرر مصطفى أديب أنه حصل على تفويض إلهي بتأليف الحكومة من دون مشاورة أحد، علماً بأنه يشاور الحريري أو يسمع من الحريري - ومن مجلس إدارة نقابة رؤساء الحكومة السابقين - التعليمات بشأن توزيع الحقائب وعدد الوزراء، وتالياً الأسماء، وصار الفريق المساعد للرؤساء السابقين، وهم بأنفسهم، يتواصلون مع هذه الشخصية أو تلك ويعرضون عليها المناصب الوزارية. وهطلت اللوائح على أعضاء خليّة لبنان في فرنسا، من السفارة في بيروت التي فضّل بارزون فيها وقف عقد الاجتماعات مع الشخصيات اللبنانية (لا يتوقف هاتف السفارة والدبلوماسيين عن الرنين طلباً للمواعيد)، بينما توزع "لبنانيّو باريس" بقوة على أكثر من جبهة عارضين اسم فلان أو فلانة لهذا المنصب أو ذاك.
وجرى الترويج بأن فرنسا قررت أن تحتفظ لمقرّبين منها بوزارات أساسية تشمل الطاقة والأشغال والاتصالات والمالية والعدل، وهي ستوزع بقية الحقائب على آخرين، على أن تختار هي الأسماء. لكن ما تقدّم لم يكن دقيقاً، لأن الذين يختارون هم في الحقيقة مشتركون بين فرنسيين وبين أعضاء نقابة رؤساء الحكومة. ولم يهتم هؤلاء للإهانة التي يلحقونها بأديب عندما ينسبون أمر توزيع الحقائب واختيار شاغليها إليه وإلى فريق عمله، علماً بأن أديب ليس عنده فريق ولا من يحزنون، وكل ما حصل عليه، هو تكليف الدبلوماسي علي قرانوح (مستشار في وزارة الخارجية وعمل قنصلاً في جدة) بإدارة مكتبه. والأخير متدرج في العمل السياسي، قريب من سعد الحريري، لكن ليس عنده حول ولا قوة في الشأن السياسي الداخلي.


في المفاوضات على التأليف، ظلّت هناك قطب مخفيّة تتعلق بصراعات الفريق نفسه حول المقاعد والمرشحين، لكن اللغم الأبرز انفجر، عندما اكتملت الصورة الأولى، وتقرر فرض (لا عرض) التشكيلة على الآخرين. كان عون قد ملّ انتظار أديب، وكان عون ومعه بري وحزب الله وآخرون على وشك فقدان صبرهم إزاء لامبالاة أديب ورؤسائه حيال التشاور. لكن غضبهم كان مركّزاً على فرنسا، باعتبارها الوصية والمسؤولة عن إدارة الملف. والكل يعرف أن الوقت لم يتأخر حتى تبلّغت فرنسا احتجاج هؤلاء جميعاً على ما حصل. وكان لا بد من إشهار الاعتراض.
خلال الأيام السبعة الأولى من عمر تكليف أديب، كان جميع من يقف إلى جانبه وإلى جانب الفرنسيين، يعتقد بأن الآخرين لا حول لهم ولا قوة، وأنهم سيقبلون، صاغرين شاكرين، بالوصفة التي تعرضها فرنسا عليهم. وفي كل مرة يسمعون فيها احتجاجاً، ولو بصوت خافت، كانوا يرفعون هم سيف فرنسا، قبل أن يلجأوا الى سيف العقوبات الذي استلّه الأميركيون في لحظة اعتبروها مناسبة لجعل المبادرة الفرنسية لا تذهب بعيداً في التفاهم مع حزب الله. واعتقد أصحاب هذه الآراء أن ما حصل سيحاصر المعترضين في بيروت، وأن حكومة الأمر الواقع ستمرّ بسرعة.
لكن ما لم يكن في الحسبان، ليس ردة فعل الثنائي الشيعي على العقوبات الأميركية بحقّ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بل في كون الجميع شعر بالخدعة الفرنسية. وهنا، بدأت المواقف الفعلية تظهر، وبدأ الحديث عن تباينات جدية حتى داخل خلية الأزمة الفرنسية. في بيروت، شنّت حملة على السفير فوشيه، باعتباره "مروّجاً للتسوية والتطبيع مع حزب الله"، وصار البعض يتندّر بأنه جُنِّد منذ أن خدم في السفارة الفرنسية في إيران. بينما كان إيمانويل بون في باريس يضع العلامات على هذا المرشح أو ذاك، ويعطي أذنه - كما العادة - إلى أصدقائه من "لبنانيّي 14 آذار وتوابعها"، من سياسيين ورجال مال وأعمال وإعلام أيضاً. أما فرقة الاستخبارات الخارجية فبدا موقفها محيّراً، فهي من جهة تعرف الوقائع أكثر من غيرها، لكنها لا تحرّك ساكناً بصورة جدية، ما عدا الشعور القوي لدى رئيسها برنار إيمييه، بضروة تدخله شخصياً حتى لا تنفجر المبادرة الفرنسية كلها، وهو ما حفّزه على مطالبة الرئيس ماكرون بأن يوفده هو شخصياً إلى بيروت لتدوير الزوايا وإعادة وصل ما انقطع مع الآخرين.


قوانين ملحّة ومراسيم اشتراعية
ربما غرق الجميع في الحديث عن مشكلة وزارة المالية. صحيح أن الثنائي الشيعي كان صريحاً في مطالبته بإسناد حقيبة المالية الى مرشح يعرضه هو من ضمن لائحة تضم أكثر من اختصاصي مفترض، لكن جوهر الملاحظات يتعلق بموقف يتجاوز الثنائي الى الآخرين. ذلك أن الأسئلة الاساسية حول "حكومة المهمة" تركزت على الآتي:
حجم الحكومة وطريقة توزيع الحقائب.
من يملك حق الفيتو وبالتالي الثلث المعطل فيها؟
ما هو بيانها الوزاري وما هو إطار علاقتها مع المجلس النيابي؟
الواضح أن بند حقيبة المالية كُتب في رأس صفحة الاعتراضات. لكن المناقشات الفعلية ركزت على البندين الآخرين، لأن الاعتراض تجاوز عدم حصول تشاور سياسي حول تأليف الحكومة. بل لمس حد تحديد صاحب حق الفيتو. ومن المفيد هنا الاشارة الى أن الفرنسيين يسعون (في الساعات الأخيرة وسيستمرون في الساعات المقبلة) الى عرض صفقة جديدة، تقوم على تقديم ضمانات للقوى المعترضة بشأن الثلث المعطل وبشأن البيان الوزاري أيضاً. وهذا الأمر يعرف الفرنسيون جيداً أنه المعبر الإلزامي لأي حكومة قادرة على الحياة، ولو لأسابيع.
أما البند المتعلق بالترشيحات، فإن في فرنسا مَن أدرك أنّ في لبنان مَن يعلم تفصيلاً كيف تتم الترشيحات، ومن يطرح اسم فلان واسم آخر، وكيف تتم عملية توضيب مرشّح ما قبل تحويله الى خبير واختصاصي ومستقل، وبالتالي، فإنه يصعب على الفرنسيين أولاً، ثم على الآخرين من نقابة رؤساء الحكومات ثانياً، التعامل بخفة والقول بأن من يختاره سعد الحريري أو فؤاد السنيورة أو نجيب ميقاتي، أو حتى كميل أبو سليمان أو أنطون الصحناوي يمكن اعتباره مستقلاً أو محايداً.
أما بشأن المجلس النيابي، فثمة مشكلة من نوع آخر، وسببها تم شرحه في لقاء مع أبرز المسؤولين الفرنسيين عن الملف الاداري والاقتصادي والقانوني الخاص بلبنان، وهو لخص الامر بالتالي:
إن حكومة المهمة تحتاج الى تفويض جدي حتى تقدر على القيام بعملها. والمسألة لا تتوقف عند طريقة تأليفها أو الانسجام داخلها، بل في كون عملها سيكون مقتصراً على معالجة آثار الانفجار الكبير من جهة، وعلى إعادة الاعتبار الى دور مؤسسات الدولة من خلال وضع قانون للمحاسبة والشفافية، وأن يصار الى إقرار سلسلة من القوانين العاجلة، تضمنتها خارطة الطريق المعدّة من قبل فريق ماكرون، وهي تستند الى كون الإجراءات المطلوبة من لبنان تستند أساساً إلى ما طلبه صندوق النقد الدولي من أجل التوصل الى اتفاق عاجل يسمح بإقراض لبنان مبلغاً كبيراً من المال، وهي الخطوة الإلزامية للسير مجدداً بمؤتمر "سيدر" وتأمين المبالغ المطلوبة. وهذه القوانين تركز على إقرار الـ"كابيتال كونترول" وقانون "الشراء العام" وقانون ضمان "استقلالية القضاء" والسير برزمة الحلول الخاصة بـ"الأزمات المصرفية". ويقول المسؤول الفرنسي البارز إن قانون الشراء العام جرى الإعداد له في لبنان بصورة جيدة، وإن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان يقول إنه صار جاهزاً للإقرار، وباريس تسأل عن سبب عدم إقراره إلى الآن. وهو حال القانون الخاص باستقلالية القضاء الذي يقول الفرنسيون إنهم أُبلِغوا بأنه جاهز منذ سنة ونصف سنة، لكنه لم يُقَر بعد.


لكن اهتمام باريس مركّز أيضاً على ما يخص الأزمات المصرفية، وهي ترى أن القوانين الخاصة بها شرط مسبق لصندوق النقد الدولي، وهي ضرورة لإنقاذ القطاع المصرفي، وأنه يجب إعداد إطار وقانون عام يسمح بالتمييز بين المصارف القادرة على الاستمرار والتي يمكن إنقاذها، وتلك التي لا حول لها ولا داعي لصرف الجهد عليها. ويقول الفرنسيون إنهم يريدون قانوناً واضحاً لا يخضع لابتزاز السياسيين ولا لتدخلات المصرفيين، وإن ذلك يتطلب قانوناً يضمن المساواة في المعاملة حتى لا تقع كل المصارف دفعة واحدة، ويطلب الفرنسيون تجنّب صيغة الحلول التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان والقائمة على نظرية أنه يجب معالجة "كل حالة على حدة". ويصف المسؤول الفرنسي معالجات سلامة بأنها "حلول خاصة تخرج من القبعة، مثل تعاميم الحاكم الأخيرة الخاصة بمعالجة حجم الاحتياطات الإلزامية للمصارف".
وعند هذا الحد، يتوقف الفرنسيون أمام السؤال - الأزمة: هل هناك آلية تضمن إقرار هذه القوانين، أم هناك حاجة إلى الذهاب نحو المراسيم الاشتراعية، ما يعني المطالبة بمنح الحكومة صلاحيات استثنائية محددة في نقاط معينة تخص هذه الملفات؟
الفرنسيون يقرّون بصعوبة منح الحكومة صلاحيات استثنائية، ويعرفون أن ذلك يُنهي دور مجلس النواب، ويفتح لبنان على مشكلات أكبر، لكنهم يسألون عن علاج فعال، وهو لن يكون فعالاً إذا بقي تحت رحمة تحالف السياسيين مع بعض رجال المال والأعمال، بما في ذلك مع رياض سلامة. وهنا يتحدث المسؤول الفرنسي عن ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ويذكّر بأن من يطرح التحقيق الجنائي إنما يكون هدفه كشف التلاعب الذي كان يحصل، وأن تراجع لبنان عن خيار اعتماد شركة "كرول" كان خطأً فادحاً، لأنها تملك القدرة والخبرة، بينما الشركات الجديدة المكلفة لا تزال خبرتها محدودة جداً.
يعتقد الفرنسيون أن مصرف لبنان في حالة إفلاس، لكن التدقيق يجب أن يحسم هذه النقطة، ومن المهم معرفة هذه النقطة حتى يصار إلى تحديد الخطوات التالية، بعيداً عن الاعتبارات السياسية، ويشيرون هنا الى مثال ملف الكهرباء، ويقول المسؤول: كل الخبراء يقولون إنه لا حاجة الى ثلاثة معامل للكهرباء، لكن من الواضح بالنسبة إلينا، أن مطلب معمل سلعاتا خلفيته سياسية فقط، وهذا أمر يجب منعه، كما هي حال إدارة المناقضات والصفقات العامة.

 

 

**************************************

افتتاحية صحيفة البناء:

 

الرئيس المكلّف اليوم في بعبدا… والسفير الفرنسيّ في الضاحية… وإبراهيم على الخط ماذا سيختار أديب بين دعوات الحريري للاعتذار والسنيورة للاعتكاف وماكرون للتريّث؟ الثنائيّ: متمسكون بالماليّة وبتسمية وزرائنا... والمداورة دُسَّت من خارج المبادرة الفرنسيّة

 

 وقع الرئيس المكلف مصطفى أديب في شباك الخيارات الصعبة، بعدما نقلت اوساط مقربة منه عدم رغبته في الخروج عن موقف قيادات طائفته الذي يتمثل برؤساء الحكومات السابقين، وبالتوازي يقينه باستحالة النجاح في مهمته من دون مشاركة مكوّن رئيسيّ سياسي وطائفي، يمثله ثنائي حركة أمل وحزب الله، وهو يدرك أهمية الدعم الذي تقدّمه المبادرة الفرنسية لحكومته الموعودة والحاجة للحفاظ على التحرك ضمن ضوابط هذه المبادرة، وإذا كان الجمع بين هذه المنطلقات يظهر صعباً الى حد الاستحالة، فإن المأزق الأصعب يبدو بالنسبة لأديب في كيفية التصرّف تجاه هذا الانسداد. فالفرنسيون الذين حددوا مهلة الخمسة عشر يوماً يشجعونه على منح المزيد من الوقت وبذل المزيد من المساعي، خصوصاً أنهم ليسوا متأكدين من صواب التمسك بالمداورة، ولا بدقة ما قيل لهم عن عدم وجود اتفاق في الطائف على التوقيع الثالث، بعدما سمع سفيرهم من الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني ما يدعم مطالبة الثنائي، وبالمقابل فإن الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة يضغط على الرئيس المكلف للاعتكاف بدلاً من الاعتذار، تفادياً لفتح الباب لاستشارات نيابية جديدة تتيح تسمية مرشح متشدّد من فريق الثامن من آذار تتجه نحو سياسات راديكالية على المستويات المختلفة الخارجية والداخلية، وربما القضائيّة، ولترك الباب مفتوحاً على فرص الضغط على رئيس الجمهورية خارجياً لتوقيع مرسوم تشكيل الحكومة، لتذهب الى مجلس النواب، ولو كان نيل الثقة صعباً او مستحيلاً، فالحكومة تتحوّل على أقل تقدير الى حكومة تصريف أعمال، تخلف حكومة الرئيس حسان دياب، بينما ضغط الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري فيذهب باتجاه الدعوة للاعتذار، أملاً بفتح باب مشاورات سياسية داخلية وخارجية تتيح له العودة إلى رئاسة الحكومة، وفق نسخة منقحة من المبادرة الفرنسية عنوانها حكومة وحدة وطنية، تكون متاحة فيها تلبية مطلب الثنائي في ظل رئاسته للحكومة، ويمكن خلال المباحثات تذليل عقدة العلاقة مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.


بالمقابل بات ثابتاً أن رئيس الجمهورية إذا تلقى من الرئيس المكلف تشكيلة مقترحة للحكومة الجديدة فسيأخذ وقته لدراستها، ولن يقبل عرض التوقيع او اعتذار الرئيس المكلف، رافضاً أي محاولة لتكريس عرف جديد يهمش موقع رئيس الجمهورية كشريك كامل في تشكيل الحكومة، والثابت أن حكومة يعرف رئيس الجمهورية انها تفتقد شرط الميثاقية بمقاطعة مكون سياسي وطائفي رئيسي لها، لن تنال توقيعه بعد الدرس؛ أما على ضفة الثنائي فقد استقبل مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي السفير الفرنسي في لبنان برنار فوشيه، مؤكداً له موقف الثنائي المتمسك بوزارة المال وبتسمية ممثليه في الحكومة، بعدما بات مكشوفاً أن الحكومة برئيسها وأعضائها تمثل فريقاً سياسياً يسقط نظرية استقلالها وحيادها، موضحاً للسفير الفرنسي ان نظرية المداورة تم إسقاطها على المسار الحكومي لإفشال المبادرة الفرنسية التي لم تنص في أي من بنودها التسعة على المداورة، ولو حصل ذلك لرفضها الثنائي كما رفض الانتخابات النيابية المبكرة، التي كانت بنداً من المبادرة وحذفها الرئيس ماكرون عندما وجد أنها موضوع خلافي، وبقي ليلاً بصيص أمل ضئيل بمساعي التواصل يمثله ما يقوم به المدير العالم للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بحركة اتصالات على جبهات بعبدا وبيت الوسط والرئيس المكلف وعين التينة والضاحية.


لقاء فوشيه - الموسوي
ساعات حاسمة تنتظر الملف الحكومي وسط ترقب لما سيحمله الرئيس المكلف مصطفى أديب في جعبته خلال زيارته اليوم إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. وتتوزع الفرضيات بين أن يودِع أديب لدى عون تشكيلة نهائية للحكومة تشمل أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب، وبين أن يقدّم الرئيس المكلف اعتذاره لعون، وفيما تضاءلت الآمال بانفراج حكومي، بقي بصيص أمل معلقاً على الفرضية الثالثة وهي التوصل إلى حلٍ في ربع الساعة الأخير في ضوء المساعي الفرنسية العاجلة التي تفعلت يوم أمس على كافة الخطوط قادها السفير الفرنسي في بيروت برنار فوشيه الذي زار الضاحية الجنوبية واجتمع بمسؤول العلاقات الدولية في حزب الله السيد عمار الموسوي.


وأشارت مصادر مطلعة لـ"البناء" إلى أن "اللقاء جاء بناء على طلب من السفارة الفرنسية التي أرادت استيضاح بعض الأمور التي تتعلّق بالملف الحكومي".


ولفتت إلى أن "السفير الفرنسي أكد خلال اللقاء أن فرنسا ليس لديها مشروع سياسي أبعد وأوسع من أن تكون للبنانيين حكومة جامعة تحظى بتوافق الجميع تركز جهودها على إصلاح الوضع الاقتصادي والمالي وتحقيق الاستقرار الداخلي في ضوء ما قاله الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون مع القيادات السياسية في قصر الصنوبر"، وأكد حزب الله بدوره للفرنسيين أنه حريص على انجاح المبادرة الفرنسية وأنه ليس ضد مبدأ المداورة شرط أن يأتي ذلك ضمن آلية معينة وأن لا يقتصر على وزارة المالية ويستثني أموراً أخرى، لا سيما أن اتفاق الطائف لم ينص على طائفة رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة ولا رئيس المجلس النيابي ولا حاكم مصرف لبنان ولا قائد الجيش وغيرها من مناصب الفئة الأولى، بل كلها أعراف والأعراف أقوى من النص. وتساءل الحزب عن سبب حصر المداورة بهذه الحقيبة؟ وإذا كانت مراحل معينة لها ظروفها السياسية انتقلت المالية لطوائف أخرى فإنها عادت إلى الطائفة الشيعية في عهدين رئاسيين الرئيس ميشال سليمان والرئيس ميشال عون"، وسأل السفير الفرنسي عن مدى تمسك الرئيس نبيه بري بالمالية فأكد الحزب تأييده لموقف رئيس المجلس بأمرين: إسناد المالية للطائفة الشيعية وتسمية أمل وحزب الله لكل الوزراء الشيعة وإلا لن يوافقا على الحكومة".


وتساءلت أوساط متابعة عن سبب عدم إرسال فرنسا أي مسؤول فرنسي إلى لبنان لا سيما أننا على عتبة انتهاء المهلة التي حددها الرئيس امانويل ماكرون لتأليف الحكومة مع علمها بحجم التعقيدات التي تواجه مسألة التأليف، إذ كانت متوقعة زيارة مدير المخابرات الفرنسية برنار أيميه الى بيروت لتذليل العقبات إلا أنها لم تحصل حتى الآن! ما دفع بالأوساط للتساؤل هل فقدت باريس الأمل بنجاح المبادرة الفرنسية بعد دخول الأميركيين على خط التأليف لفرملة الحكومة؟


أديب طلب مهلة إضافيّة
وفيما كان متوقعاً أن يزور الرئيس المكلف بعبدا أمس، أشارت المعلومات إلى أن تأجيل الموعد جاء بناء على اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأديب أبلغه فيه نيته الاعتذار، فردّ ماكرون طالباً منه التريث حتى الغد (اليوم)، فحصل اتصال بين رئيس الجمهورية وأديب الذي طلب منحه فرصة إضافية لانتظار المساعي الفرنسية الأخيرة على خط التأليف.


وأفادت معلومات إلى أن فرنسا قد تمدّد مهلة تشكيل الحكومة يومين إضافيين بحيث لا تتعدى الفترة عطلة نهاية الأسبوع الحالي.


وأشارت أجواء بعبدا الى أن رئيس الجمهورية لا يزال ينتظر أن يقدم له الرئيس المكلف تشكيلة أو على الأقل تصورًا لتوزيع الحقائب والأسماء. ولفتت إلى أنّ الرئيس المكلّف توجّه الى بعبدا مرتين بدعوة من عون الذي حثه على تقديم تشكيلة وزارية وشجّعه وذهب أبعد من ذلك من خلال إجراء مشاورات مع الكتل النيابية لتسهيل عملية التأليف. وأظهرت هذه المشاورات بحسب مصادر بعبدا أن "الأكثرية الساحقة من الكتل رفضت أن يتولى أحد غيرها تسمية وزراء يمثلونها وسألت على أي أساس نعطي ثقة لحكومة لم يكن لنا رأي فيها". وأضافت: "الرئيس عون اتصل بأديب ليطلعه على حصيلة المشاورات ويتباحث معه في المخارج الممكنة وللمساعدة على ولادة الحكومة التي لا يجوز أن تتأخر، لكن أديب اعتذر عن عدم الحضور اليوم طالباً مزيداً من الوقت".


وأشارت المصادر إلى أنّ الرئيس عون يؤيد المداورة في الحقائب من منطلق عدم تكريس أي حقيبة لأي فريق". ولفتت مصادر أخرى الى أنّ "أديب لا يريد أي مواجهة مع الطائفة الشيعية وهو بذلك يتمايز عن سعد الحريري الذي رغم معرفته بصعوبة انتزاع حقيبة المال من الشيعة يطالب بالمداورة إرضاءً للسعودية وللأميركيين".


عين التينة
ونفت مصادر مطلعة على موقف عين التينة لـ"البناء" أن "يكون الرئيس بري تلقى عرضاً أو مقايضة بين المالية والداخلية او الخارجية او الدفاع"، مؤكدة رفضها "كل العروض المقدمة في الحكومة، مع تمسك الثنائي بحقيبة المالية وبتسمية وزرائه"، فيما أفادت قناة الـ"او تي في" أن ما سرّب من أن رئيس الجمهورية ميشال عون هو من رفض إعطاء الخارجية او الدفاع للشيعة غير صحيح".


لكن مصادر عين التينة تعوّل على حصول خرق إيجابي خارجي خلال الساعات الـ 24 المقبلة الفاصلة عن زيارة أديب الى بعبدا. وأشارت أوساط الثنائي لـ"البناء" إلى أنّ "باب الحوار مفتوح في أي وقت والرئيس بري مستعدّ لتسهيل عملية التأليف تحت سقف الثوابت التي أعلنها سابقاً، ولا تنازل عن المالية والأمر غير خاضع للتفاوض". وأكدت الأوساط حرص الطرفين على نجاح المبادرة الفرنسية مع تأكيدهما على التمسك بالمسلمات الوطنية مع رهانهما على تقديم الإيجابيات المشتركة بين الجميع من أجل إنقاذ لبنان من أزماته.


وتتساءل الأوساط: هل سمع أحدٌ من الحاضرين في لقاءات قصر الصنوبر ذكر الرئيس الفرنسي موضوع المداورة في الحقائب؟ وهل ورد هذا الأمر في البنود الـ16 التي تضمّنتها خريطة طريق الإنقاذ الفرنسية؟ مشددة على أن المبادرة الفرنسية لم تتحدث عن مداورة ولم تغُص في آليات تنفيذ المبادرة ما يؤكد وجود عرقلة داخلية، مذكرة ببيان الرئيس بري منذ أيام بأنّ العرقلة داخلية وليست خارجية.


الحريري يصعّد
وقد عكس موقف الرئيس سعد الحريري تصعيداً وأجواءً تشاؤمية وصعوبة في التوصل إلى حل لعقدة المالية، وفي أول تصريح مباشر للحريري في موضوع التأليف أشار عبر "تويتر" الى أن "وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصرياً لأي طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين". كلام الحريري يُعدّ رسالة سلبية الى ثنائي أمل وحزب الله على حساب محاولته إرضاء الأميركيين والسعوديين، إلا أن موقف رئيس المستقبل كشف تدخله بعملية التأليف وأكد الاتهامات ضده بأنه هو من يؤلف الحكومة وليس الرئيس المكلف مصطفى أديب وكشف أيضاً من يقف خلف الحريري أي الرئيس فؤاد السنيورة.


وبحسب المطلعين فإن السنيورة أبدى خشيته من أنّ يؤدي التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان الذي يدفع به الفرنسيون وورد في البنود الإصلاحية في الورقة الفرنسية، إلى كشف الكثير من الارتكابات المالية التي حصلت إبان الحكومات الماضية التي ترأسها والحكومات التي ترأسها سعد الحريري، لذلك يعمل على انتزاع المالية من يد بري ووضعها بيد وزير مقرّب منه، ما يعني أن الحكومة المرتقبة في حال ولدت بلا موافقة الكتل السياسية فإنها ستعيد إنتاج حكومات السنيورة السابقة.


ثلاث فرضيّات
وتتراوح الفرضيات المتوقعة بين تقديم أديب تشكيلته لرئيس الجمهورية من دون تعديل ولا الأخذ بعين الاعتبار مطالب الكتل النيابية؛ وبالتالي رمي الكرة في ملعب رئاسة الجمهورية، وإذا لم يوقعها يتجه أديب إلى تقديم اعتذاره. أما الفرضية الثانية أن يوقّع عون ويرمي الكرة إلى البرلمان لتحدّد الكتل موقفها في استحقاق الثقة وبالتالي التخلّص من حمل الضغوط الفرنسية، لا سيّما أنّ المعلومات تتوقع صدور قرار عقوبات جديدة ستطال 3 أشخاص مقربين من الرئيس عون. إلا أنّ مصادر مطلعة تجزم بأن رئيس الجمهورية لن يوقّع مرسوم حكومة لا يوافق عليها ثنائي أمل وحزب الله وفريق 8 آذار لأن من شأن ذلك تفجير البلد، خصوصاً أنّ عون يدرك بأن تشكيلة أديب بصيغتها الحالية لن تنال ثقة المجلس النيابي وبالتالي ستتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال حتى نهاية العهد الرئاسي الحالي، لذلك لن يدخل عون بهذه المخاطرة ويقضي على ما تبقى من عهده بحكومة تصريف أعمال وبتوازنات معينة لا سلطة له عليها.


أما الفرضية الثالثة فأن يتدخل الفرنسيون للضغط على الرئيس سعد الحريري لتليين موقف "نادي رؤساء الحكومات السابقين" والقبول بإيلاء وزارة المالية لمن يسمّيه الرئيس نبيه بري. وفي سياق ذلك نُقل عن الرئيس المكلف قوله في أحد الاجتماعات إنّه لا يريد الدخول في مناكفات سياسية، وعندما قبل التكليف كان يتوقع تسهيلاً وطريقاً مفتوحاً للتأليف وليس طريقاً مليئاً بالعقد، وسأل أديب: هل يتوفر 61 نائباً في مجلس النواب يمنحون حكومته الثقة؟


أما الفرضية الثالثة والمرجّحة حتى الساعة هي أن يتجه أديب إلى الاعتذار وتوجه رئيس الجمهورية والأغلبية النيابية إلى خيار تعويم حكومة حسان دياب وتكليفها تصريف الأعمال بمفهومه الموسّع تحت عنوان "الضرورات تبيح المحظورات" والدعوة لعقد جلسة حكومية مطلع الأسبوع المقبل للعودة إلى معالجة الأزمات التي يواجهها البلد قدر الإمكان، إلى أن تتوفر مناخات توافقية جديدة للدعوة إلى استشارات نيابية ثانية في بعبدا.


أسف فرنسيّ
وسبق اجتماع الضاحية، موقف فرنسي أقرب إلى بيان نعي للمبادرة الفرنسية ولجهود تأليف الحكومة، إذ أعربت الرئاسة الفرنسية عن "أسفها" لعدم التزام السياسيين اللبنانيين بتعهدات خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت، لتشكيل الحكومة "خلال 15 يوماً"، بحسب ما قال مسؤول في الرئاسة الفرنسية لوكالة عالمية.


لكن المسؤول الفرنسي أكد أنه "لم يفت الأوان بعد. على الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرف في نهاية الأمر بما يصب في مصلحة لبنان وحده، من خلال إتاحة الفرصة لمصطفى أديب لتشكيل حكومة بما يلائم خطورة الوضع".


وفي أعقاب الضغوط الفرنسية السياسية لتأليف الحكومة، برزت ضغوط مالية أيضاً عبر عنها مسؤول فرنسي كبير خلال محادثات أجريت في باريس في العاشر من أيلول بين مسؤولين فرنسيين كبار ووفد من جمعية مصارف لبنان، حيث حذر من "أنه قد يكون من الصعب على البنوك في لبنان التمسك بمبدأ ضرورة ألا يخسر المودعون أيّاً من ودائعهم، حسبما جاء في محضر اجتماع حددت فيه فرنسا خطوات لمساعدة القطاع المصرفي المصاب بالشلل".


صرخة سجناء رومية
وأطلق السجناء في مبنى المحكومين في سجن رومية صرخة إلى الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لإطلاق سراحهم بعد تفشي فيروس كورونا في السجن.


ومنح السجناء المعنيين مهلة أسبوع لإطلاق سراحهم، ولوّحوا بـ"نهر دم" داخل السجن في حال لم تتمّ الاستجابة لطلباتهم.


وأشارت مصادر نيابية لـ"البناء" الى أن البحث قائم بحل لهذه المشكلة ومنها نقل السجناء إلى مستشفى ضهر الباشق الذي لا يبعد كثيراً عن سجن رومية، وتوفير شروط التباعد الاجتماعي والسلامة العامة لهم، لكن هذا الحل دونه مخاطر أمنية بحسب المصادر منها أن يعمد السجناء الى الفرار. كما اشارت إلى أن العمل جار أيضاً على إيجاد آلية قانونية لتسريع إطلاق سراح عدد منهم.


لكن وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم أشارت الى أن "مشكلة الاكتظاظ في السجون مزمنة والإجراءات الوقائية من كورونا التي اتخذت نجحت".

 

 

 

************************************************

 

افتتاحية صحيفة النهار

المهل تتفلت ولا تكريس لـ “الدوحة – 2”

قد يكون القفز من تأجيل الى تأجيل آخر ظواهر محاولات التفلت من مواجهة ساعة الحقيقة النهائية لبت مصير التشكيلة الحكومية الجديدة، ومعها أيضا المبادرة الفرنسية التي تشكل الفرصة الأخيرة للبنان للنفاذ من أسوأ السيناريوات الانهيارية التي تترصده. والحال ان ارجاء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى اديب زيارته التي كانت مقررة قبل ظهر امس لقصر بعبدا إفساحاً امام فرصة جديدة قيل انها ستكون النهائية قبل بت تشكيلة اديب سلبا ام إيجابا، مع تنامي اتجاه الرئيس المكلف الى الاعتذار عن مهمته في حال استمرار الاشتراطات المانعة لولادة حكومته، يبدو انه قابل لان يتكرر اليوم أيضا اذا لاحت مؤشرات ولو ضئيلة حيال فتح كوة في جدار الانسداد الحكومي. وعلمت “النهار” في هذا السياق ان موعد اديب في قصر بعبدا كان لا يزال مثبتا في الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم. ولكن المساعي الداخلية كما الجهود الفرنسية “الانقاذية” لفرصة اللحظة الأخيرة بلغت في الساعات الأخيرة ذروة غير مسبوقة لمنع تفاقم الازمة الى حدود اللاعودة من خلال اعلان الرئيس المكلف اعتذاره. ومع صدور مواقف فرنسية عبرت عن بداية خيبة باريس وما يعنيه ذلك من محاذير خطيرة للغاية للطبقة السلطوية كما للقوى السياسية ولا سيما منها تلك التي ستتحمل تبعة الاشتراطات التي ستجهض المبادرة الفرنسية ومعها حكومة اديب بدأت محاولة جديدة متقدمة مع ساعات بعد الظهر ربما يتم معها تجاوز عامل المهلة الجديدة اذا تبين ان ثمة قبسا من نور لحل ما في نفق التعقيدات التي زجت في وجه انجاز التشكيلة الحكومية. ولذلك لن يكون مستبعدا ان يصار الى تأجيل جديد لزيارة أديب اليوم لقصر بعبدا اذا ثبت ان ثمة تجاوبا مع الجهود المبذولة لإنقاذ تشكيلته في الوقت المستقطع الإضافي. حتى ان بعض المصادر تحدث عن امكان ان يحضر فعلا الى بيروت كبير الممسكين بملف المبادرة الفرنسية مدير المخابرات الخارجية الفرنسي برنار ايمييه في حال وجد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ضرورة للدفع بقوة تكرارا لإنقاذ المبادرة كما الحكومة في لحظاتهما الأكثر حرجا. ولعل ابرز ما تكشفت عنه ساعات العد العكسي لاصطدام المساعي السياسية الجارية لحمل الثنائي الشيعي على التعامل المرن والتنازل في موضوع تشبثه بالحصول على حقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة جميعا خلافا لمواقف القوى السياسية الأخرى قاطبة تقريبا ان ثمة من تحدث عن وجود حالة رفض واسعة  لـ”اتفاق الدوحة -2  ” الذي حصل خلاله الثنائي الشيعي على الثلث المعطل في الحكومة ولكن هذه المرة من خلال تسليم الجميع بالمداورة في الوزارات حتى رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه الذي يحبذ المداورة كما بات معروفا. ولكن الثنائي الشيعي لم يسلم باي صيغة مرنة ولا يزال يتشبث بحقيبة المال الامر الذي بات يرسم دلالات وأبعاداً تتصل بخلفيات إقليمية وتحديدا إيرانية لهذه العرقلة للمبادرة الفرنسية ربطا بمجريات الصراع الأميركي الإيراني وكجزء أساسي من خطة ايران للرد على محاصرتها بعمليات التطبيع الخليجية مع إسرائيل.

                  من باريس

واما الموقف الفرنسي من مجريات التعقيدات الأخيرة فتمثل في ما نقله مراسل “النهار” في باريس سمير تويني عن مصادر ديبلوماسية فرنسية بارزة لم تخف اجواء تشاؤمها حيال الازمة ولو ظلت تعول على الأطراف السياسيين لوضع خلافاتهم جانبا وتشكيل الحكومة في اسرع وقت. وقالت هذه المصادر ان باريس أوضحت للجميع انها لا تتدخل في تشكيل الحكومة منذ البداية وهذا امر لبناني صرف وان الرئيس ايمانويل ماكرون كان واضحا منذ البداية عندما طالب بتشكيل “حكومة مهمات” من أشخاص كفوئين ومستقلين ووضع الأمور السياسية جانبا لفترة قصيرة للقيام بالإصلاحات الضرورية ووافق الجميع ممن شاركوا في لقاء قصر الصنوبر على خارطة الطريق الفرنسية. وتبعا لذلك تبدي المصادر الفرنسية البارزة اسف باريس لفشل الزعماء السياسيين اللبنانيين في التزام تعهداتهم التي قطعوها للرئيس ماكرون وفقا للإطار الزمني المحدد ولكنها مع ذلك تعتبر انه لم يفت الأوان بعد للحل وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرف في نهاية الامر بما يَصْب في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى اديب تشكيل الحكومة بما يتلاءم والوضع الخطير الذي يمر به لبنان .   وإذ اشارت الى ان باريس لم تطلب المداورة اعتبرت انه يعود للأطراف التوصل الى حل في شأن مطالبة الثنائي الشيعي بالحفاظ على توزير شيعي في حقيبة المال .  وبموازاة هذا الموقف تبين ان السفير الفرنسي برنار فوشيه التقى مسؤول العلاقات الخارجية في “حزب الله ” عمار الموسوي بعد ظهر امس وبحث معه في الملف الحكومي.

وفي غضون ذلك تصاعدت المواقف المناهضة ضمنا لموقف الثنائي الشيعي وكان ابرزها للرئيس سعد الحريري الذي الذي اعتبر ان “وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لاي طائفة ورفض المداورة احباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين “. كما ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انتقد “البعض الذي لم يفهم او لا يريد ان يفهم ان المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح”. وبدوره انتقد رئيس حزب “القوات اللبنانية “سمير جعجع “المهزلة الحقيقية في موضوع تشكيل الحكومة “. واعتبر ان المبادرة الفرنسية هي محاولة كبيرة وجدية لإنقاذ لبنان وإحباطها ومحاولة إنهائها بهذا الشكل هي جريمة “.

            استنفار سياسي

اما في المعطيات السياسية فالى حين انتهاء اجتماع رؤساء الحكومة السابقين البعيد عن الاعلام في “بيت الوسط”، لم يكن هناك اي بوادر حلحلة وابقوا اتصالاتهم مفتوحة افساحاً في المجال امام المزيد من مشاورات اللحظات الاخيرة قبل اقدام الرئيس المكلّف على الاعتذار بعدما اقفلت كل ابواب الحل.

وعلم انه تم تداول اكثر من مشروع حل  ومنها اسناد وزارة المال لمسيحي يتفق عليه بين كل الاطراف من رئيس الجمهورية الى الرئيس المكلّف الى الثنائي الشيعي. الا ان الثنائي الشيعي بقي متمسكاً بحقيبة المال وبتسمية وزرائه فسقط الطرح.

وعلم من مصادر مطلعة ان الرئيس المكلّف وبالتشاور مع رؤساء الحكومة الاربعة السابقين بقي يدرس اي خيار من اثنين سيقدم في بعبدا: الاعتذار فقط ام الاعتذار مرفقاً بتشكيلته الحكومية  المؤلفة من 14 وزيراً من اختصاصيين مستقلين تماماً مع تطبيق المداورة الشاملة بدءاً من المال. وبما انها مرفوضة من فريق اساسي فيقول “هذه التشكيلة التي كنت ارى انها القادرة على تنفيذ برنامج الاصلاحات المتفق عليها، لكنها لم تعد كذلك ولذلك أنا اعتذر”.

ونقل عن رئيس الجمهورية انه مع المداورة الشاملة شرط موافقة كل الاطراف، وتردد ان الرئيس المكلّف زاره ثلاث مرات ولم يقدم اسماء او صيغة حكومية والاتصالات التي اجراها عون كانت للمساعدة على حل العقد المتعلقة بالتمثيل الشيعي وبتوزيع الحقائب وبالصيغة الحكومية. لذلك، سيعمل على ايجاد حل توافقي لا يضيع فرصة المبادرة الفرنسية.

ووفق المعلومات فانه في حال لم تطرأ حلحلة بنتيجة الاتصالات التي اجريت على اعلى المستويات بين باريس وبيروت، فالاكيد ان اديب سيعتذر بعدما اقفلت كل ابواب التوافق امام  تشكيلته الحكومية.

وعلم ان الثنائي الشيعي رفض كل العروض التي تم تداولها بشأن المداورة وقالت مصادره ان لا شيء جديدا ، وان الثنائي  مصر على انجاح المبادرة الفرنسية بكل تفاصيلها “ولكن هناك مسلمات وطنية فإما نكون كلنا شركاء في البلد واما يكون هناك اولاد ست واولاد جارية. وموضوع المداورة في الحقائب لم يذكر ولا مرة والا لكان التكليف اتخذ مساراً مختلفاً”.

*****************************************

افتتاحية صحيفة نداء الوطن

تحذيرات ديبلوماسية من مغبة إجهاض المبادرة الفرنسية: “مجاعة وانهيار شامل”

8 آذار “تخطف” لبنان وتطلب الفدية “المالية”

 

“وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصرياً لأي طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين”… عبارة مقتضبة رد فيها الرئيس سعد الحريري على الحملة الممنهجة التي بدت أمس أشبه بتعميم “معجّل مكرر” أغرق السوق الإعلامي وكال له اتهامات الغدر والطعن بالظهر ونكران الجميل للثنائي الشيعي، فقالها “زيّ ما هييّ” محملاً في المقابل وبشكل مباشر من يصرّ على تطييف الحقائب الوزارية دون سواه وزر إجهاض آخر بصيص أمل للبنانيين. فبغض النظر عن بازار المفاوضات وتناتش الحصص، يُجمع الكل على اختلاف توجهاته ومنطلقاته، في الداخل كما في الخارج، على كون المبادرة الفرنسية “آخر فرصة” للبنان وتفويتها سيعني خرابه و”زواله” كما جاء في تحذيرات الـ”كي دورسيه”، غير أنّ مصادر ديبلوماسية لاحظت أنّ قوى 8 آذار ذهبت بعيداً في أدائها وتتصرف على أساس أنها “تخطف البلد وتريد من باريس تسديد الفدية لها بحقيبة المالية”، معربةً لـ”نداء الوطن” عن أسفها لبلوغ المسؤولية لدى الطبقة اللبنانية الحاكمة “أدنى مستوياتها في هذه المرحلة الحرجة التي يعاني خلالها الشعب اللبناني، بكل طبقاته وفئاته وانتماءاته السياسية والطائفية، من أزمة مستفحلة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً، ويكاد يصبح على مشارف مجاعة وانهيار شامل في حال انتهى المسعى الفرنسي وسدت معه آخر نافذة حل يتيح إجراء الإصلاحات اللازمة لضخ بعض الأموال في خزينة مصرف لبنان”.

 

ساعات حاسمة سيعيشها اللبنانيون اليوم تحدد مصيرهم بين مسارين، إما تحرير المبادرة الفرنسية من القيود وإدخال تشكيلة مصطفى أديب إلى غرفة الولادة، أو إجهاض المبادرة والمولود الحكومي ودخول البلد إلى غرفة الإنعاش ليلفظ أنفاسه الأخيرة. فالقضية لم تعد قضية تشكيل أو عدم تشكيل حكومة أديب، بل أصبحت قضية “حياة أو موت” بالنسبة لبلد لم يعد يفصل بينه وبين الاختناق سوى “جهاز أوكسيجين فرنسي” تحاول اليوم قوى الثامن من آذار قطع أنفاسه عن اللبنانيين لتحقيق مرادها “وآخر همها الناس ووجع الناس”، وفق تعبير أوساط سياسية، مؤكدةً أنّ “رهان هذه القوى على ابتزاز الرئيس الفرنسي سقط، وبيان الإليزيه (أمس) أجاب المراهنين على ليّ ذراع باريس والتلويح بورقة إحراج ماكرون أمام الداخل الفرنسي والأميركيين، بإبداء مزيد من التشدد إزاء ضرورة الالتزام بالتعهدات المقطوعة دون زيادة أو نقصان، مع إبقاء خط رجعة وحيد لمن ذهبوا بعيداً في رهاناتهم هذه بالتأكيد على أنّ المجال لا يزال متاحاً لتنفيذ الالتزامات وتشكيل حكومة المهمة برئاسة أديب”.

 

ولوحظ بالأمس دخول عنصر عربي مساعد على خط محاولة إنعاش آمال المبادرة الفرنسية، فلفت التحرك المكوكي الذي قام به السفير المصري ياسر علوي على جبهة التواصل مع المسؤولين اللبنانيين بالتوازي مع استعراضه التطورات اللبنانية مع نظيره السعودي وليد البخاري، بينما كانت الكويت صريحة ومباشرة بدعوة سفيرها عبد العال القناعي الأفرقاء اللبنانيين إلى “الاستفادة من زخم الاهتمام الدولي من خلال المبادرة الفرنسية وتوظيف هذا الزخم من أجل ولادة حكومة منتجة قادرة على انتشال لبنان من مشكلاته الكثيرة”.

 

وعلى المستوى الداخلي، تعالت الأصوات اللبنانية الداعمة للمبادرة الفرنسية والداعية لإنقاذها من مستنقع الشروط والشروط المضادة، فبرزت إشارة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي زار باريس أخيراً إلى أنّ “البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم بأن المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله”، في وقت وضع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع محاولات إحباط هذه المبادرة “الكبيرة والجدية” في خانة “الجريمة”، واصفاً ما يحصل في موضوع تشكيل الحكومة بـ”المهزلة الحقيقية”، ليخلص إلى إعادة التوكيد على قناعته الثابتة بأنّه “لا أمل يرتجى بوجود هذه المجموعة الحاكمة ولن ينقذ البلاد إلا انتخابات نيابية مبكرة سريعاً للوصول إلى أكثرية نيابية جديدة ومجموعة حاكمة جديدة”.

 

*****************************************

افتتاحية صحيفة الشرق الأوسط

 

 

ماكرون يطالب ساسة لبنان بـ«احترام تعهداتهم»

باريس تعتبر التمسك بوزارة المال رغبة في استمرار الهيمنة على القرار الحكومي

 

باريس: ميشال أبو نجم

عندما سئل الرئيس الفرنسي عن الأوراق التي يملكها من أجل النجاح في مهمة إنقاذ لبنان، أجاب بصراحة: «مصداقيتي السياسية». واليوم، تبدو هذه المصداقية على المحك بعد انقضاء المهلة الأولى التي حددها إيمانويل ماكرون للمجيء بـ«حكومة مهمات» مستقلة عن الأحزاب ومشكلة من اختصاصيين وبعيدا عن المحاصصة، ومن أجل تنفيذ برنامج اقتصادي – مالي – اجتماعي وضعت باريس مسودته، ليأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب اللبناني وما تتمسك به «مجموعة دعم لبنان» والمؤسسات المالية الدولية التي سيكون لها دور كبير في إخراج لبنان من مأزقه.

وقد وصلت عملية تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة مصطفى أديب إلى «عنق الزجاجة» بعد العراقيل التي وضعت في طريقها إن لجهة تمسك «الثنائي الشيعي» بوزارة المالية أو لرغبة رئيس الجمهورية بحكومة موسعة أو لتأكيد جهات أخرى على «عزوفها» عن المشاركة فيها أو حتى الاقتراب منها. والدينامية السياسية التي أوجدها ماكرون بزيارتيه في 6 أغسطس (آب) وفي الأول من الشهر الجاري ضاعت في متاهات الزواريب السياسية اللبنانية وفي تعقيدات الأوضاع الإقليمية والحرب المفتوحة بين باريس وطهران، ووضعت باريس ورئيسها في موقف حرج للغاية وهما يحاولان الخروج منه عن طريق تكثيف الاتصالات وطرح مجموعة من الأفكار والاستمرار في سياسة «الترغيب والترهيب».

صبر باريس بدأ ينفد. فقبل ثلاثة أيام، شددت وزارة الخارجية على أن «الأولوية في لبنان يجب أن تكون التوصل سريعا إلى تشكيل حكومة مهمات للقيام بالإصلاحات الضرورية من أجل نهوض البلاد». وأمس، وبالنظر لتعقد الأوضاع، جاء دور الرئاسة لتذكر الطبقة السياسية اللبنانية، من دون تحديد هذه المجموعة أو تلك، بضرورة احترام التعهدات التي قطعوها للرئيس ماكرون. وبحسب المسؤول في الرئاسة، وفق ما نقلته «رويترز»، فإنه «لم يفت الأوان بعد: وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرف في نهاية الأمر بما يصب في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة لمصطفى أديب لتشكيل حكومة بما يلائم خطورة الوضع». وبكلام آخر، فإن باريس لا تعتبر أن مهلة الـ15 يوما التي أعطاها ماكرون للسياسيين اللبنانيين «مقدسة» وأن المهم هو التوصل إلى تشكيل الحكومة العتيدة لمواجهة «الوضع الخطير» الذي يقبع فيه لبنان. وبلغة دبلوماسية، فإن قصر الإليزيه يعرب عن «أسفه» لفشل الزعماء السياسيين في إنجاز مهمة يتعلق بها «خلاص» لبنان.

والتواصل بين بيروت وباريس على كافة المستويات مستمر من أجل تذليل الصعوبات وعنوانها الأول، كان لبنانيا، بتمسك «الثنائي الشيعي» بوزارة المالية. وبحسب باريس، فإنه «لا مشكلة» لديها بخصوص طائفة وزير المال أو أي وزير آخر، إذ إن ما يهمها هو عملية إنقاذ لبنان. وبالمقابل، فإن ما يشكل مصدر إزعاج وما تتخوف منه حقيقة أن يكون الرضوخ لرغبة الطرف الشيعي بمثابة إطاحة بجوهر المبادرة الفرنسية وبالمبادئ التي تم الاتفاق عليها أي الابتعاد عن المحاصصة، ووصول حكومة من المستقلين وبالتالي ضرب أسس المشروع الإصلاحي الذي تدافع عنه باريس ومن ورائها المجتمع الدولي.

كذلك، ترى باريس في هذا التمسك رغبة باستمرار الهيمنة على القرار الحكومي ما يعني جعل الخطة الإصلاحية تحت رحمة قبول هذا الجانب أو ذاك. وفي الوقت عينه، يعي الفريق الفرنسي المتابع للملف اللبناني أن السير بـ«حكومة مواجهة» سيعني تكاثر العراقيل بوجه مصطفى أديب الذي لا يرغب بحكومة كهذه تكون بمواجهة الثنائي الشيعي أو أي مجموعة أخرى بل هو يسعى لحكومة منتجة ومنسجمة وتحظى بأوسع دعم.

وأفادت أوساط فرنسية بأن جملة «تحديات» تنتظر الحكومة العتيدة وأولها كسب ثقة الشارع وثقة المجتمع الدولي ومؤسساته المالية وأن تحظى بثقة مجلس النواب وتعاونه كونه لن يعطيها الصلاحيات الاستثنائية من أجل استصدار القوانين الضرورية سريعا. كذلك، فإن المطلوب من الحكومة أن تبادر فورا إلى إطلاق العملية الإصلاحية المطلوبة. ومن هذه الزاوية، فإن ولادتها «ليست سوى خطوة أولى في رحلة الألف ميل».

منذ البداية، اتبع الفريق الفرنسي المتابع للملف اللبناني سياسة «الترغيب والترهيب». ففي جانب الترغيب، وعد ماكرون بأن يعبئ أصدقاءه والمجتمع الدولي والمؤسسات المالية من خلال مؤتمر جديد يعيد تأكيد ما توصل إليه مؤتمر «سيدر» ربيع عام 2018. وفي باب الترغيب، اقترحت باريس دعوة الأطراف السياسية الرئيسية لمؤتمر في فرنسا على غرار مؤتمر «سيل سان كلو» في يوليو (تموز) من العام 2007 لملء الفراغ الرئاسي وقتها. كذلك وعدت فرنسا بعدم التخلي عن لبنان ومواكبته وتأمين شبكة أمان إقليمية ودولية له. وبعكس الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات على «حزب الله» وعلى وزراء سابقين، فإن ماكرون أخرج ملف سلاح «حزب الله» من النقاش وتخلى عن الدعوة إلى انتخابات مبكرة وحصر همه بالملف الاقتصادي – المالي – الاجتماعي والإعماري تاركا الملف السياسي إلى مرحلة لاحقة.

وباختصار، اقترح ماكرون على سياسيي لبنان «عقدا» التزم به وينتظر من السياسيين اللبنانيين الوفاء من جانبهم بما التزموا به. لكن إذا فشلت هذه المقاربة، فإن باريس مستعدة لاتباع المسلك الآخر الذي عنوانه الترهيب أي العقوبات على «المعرقلين» وقد كان ماكرون صريحا في تحذيره. ولعل أقوى معاقبة للبنان ككل أن تسحب فرنسا يدها من الملف وتترك اللبنانيين لمصيرهم ولألاعيبهم من غير أن تنسى البعدين الإقليمي والدولي المتداخلين في لبنان وأحد عناوينه العقوبات الأميركية الأخيرة على وزيرين سابقين واستعداد واشنطن لفرض عقوبات على شخصيات وهيئات أخرى في المستقبل القريب. والسؤال المطروح: هل يكفي التلويح الفرنسي بالعقوبات للي ذراع «المتمردين» على المبادرة الفرنسية أم أن أمرا كهذا سيزيدهم تشددا ورفضا؟

 

 

*****************************************

افتتاحية صحيفة الجمهورية

 باريس: فرصة إضافيّة للتأليف.. و”الثنائي” والحريري: فتيل مشتعل

مرّة جديدة، يتدحرج لبنان من قمة الأمل بشيء من الانفراج، إلى أسفل هوّة القلق، إلى حدّ أنّه هذه المرّة صار واقفاً على باب النفق الذي قد يؤدي به الى المجهول.

 

في الأجواء اللبنانية تزدحم الصور السوداء والسيناريوهات المرعبة، وعلامات استفهام كثيفة حول المبادرة الفرنسية وما اذا كانت ما تزال على قيد الحياة، أو ما زال فيها بعض النبض ما يجعلها قابلة للانعاش من جديد، أم انها اصطدمت بالفشل وماتت نهائياً. وانّ باريس، وبناء على الفشل، قررت أن تنفض يدها من لبنان، وترك اللبنانيين يقلّعون أشواكهم بأيديهم؟

واضح انّ الجواب الشافي جاء من باريس التي اعلنت انّ فرصة تشكيل حكومة لم تنته بعد. وقد جاء ذلك عبر تأكيد الرئاسة الفرنسية، التي أعربت عن أسفها لفشل الزعماء السياسيين اللبنانيين في الالتزام بتعهداتهم التي قطعوها للرئيس ايمانويل ماكرون بتشكيل حكومة ضمن مهلة الاسبوعين التي حددها.

 

وأكدت الرئاسة الفرنسية «انّ الاوان لم يفت بعد، وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرّف في نهاية الأمر بما يصبّ في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة لمصطفى أديب لتشكيل حكومة بما يلائم خطورة الوضع».

 

ماكرون غاضب

 

في هذه الاثناء، كانت الأخبار الواردة من باريس الى بعض المستويات السياسية والرسمية، وأمكَن لـ«الجمهورية» أن تطّلع على بعض عناوينها العريضة، تَشي بغضب عارم يسود الإيليزيه، والرئيس ماكرون يشعر بإحباط معنوي كبير، جرّاء التعاطي السلبي من قبل السياسيين اللبنانيين مع مبادرته، ومحاولات البعض منهم الدؤوبة لهدم كل ما بَناه الفرنسيون على هذه المبادرة التي قدموها كفرصة أقرّ اللبنانيون أنفسهم بأنّها الوحيدة المتاحة لبناء أرضية إنقاذ للوضع اللبناني، الذي يجمع العالم كلّه بأنّه في حكم الميؤوس منه.

 

وأبلغت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» أنّ نتائج المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الكتل النيابية، قد أُبلغت الى الجانب الفرنسي، وصار الرئيس المكلّف مصطفى أديب وفريق التأليف الذي يقوده الرئيس سعد الحريري في أجواء هذه النتائج التي أظهرت تمسّكاً بالمبادرة الفرنسية من كل الكتل، وانقساماً في الرأي حول تسمية الوزراء حيث أكدت غالبية الكتل رفضها ان يُسمّى الوزراء من قبل طرف واحد. كما أظهرت ميلاً غالباً نحو المداورة، التي أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية بأنه يؤيّد من حيث المبدأ إجراءها، إنما شرط التوافق الوطني عليها. فيما برز موقف مغاير لـ«الثنائي الشيعي» الذي ذهب الى بعبدا بوفدين منفصلين؛ أي النائب علي حسن خليل باسم كتلة الرئيس نبيه بري، والنائب محمد رعد باسم كتلة «حزب الله»، إنما بِنصّ موحّد يعبّران فيه عن الرفض النهائي للتخلّي عن وزارة المالية وكذلك رفض مصادرة حقهما في تسمية الوزراء.

 

وبحسب المصادر فإنه «ليس لدى الجانب الفرنسي حتى الآن ما قد يجعله يعتبر انّ المبادرة الفرنسية قد فشلت، بل بالعكس فإنّ باريس أرسلت في الساعات الاخيرة إشارات الى كل الاطراف، بأنّها ماضية في مبادرتها، وانّ الرئيس ايمانويل ماكرون شخصياً كان على متابعة حثيثة ومباشرة لدقائق وتفاصيل ما استجدّ على خط تأليف الحكومة، وقد جرى تقييم لأسباب تعثّر هذا التأليف. وتِبعاً لذلك، كانت باريس حاضرة بزَخم خلال الساعات الماضية عبر مروحة اتصالات واسعة، قيل انّ رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار ايميه كان حاضراً فيها، وشملت الاطراف المعنية بملف تأليف الحكومة، وكذلك الرئيس المكلف».

 

وعلمت «الجمهورية» انّ حركة الاتصالات الفرنسية توازَت مع حركة اتصالات داخلية في هذا الاتجاه، تحرّك فيها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خطوط مختلفة بين الثنائي الشيعي وسائر الاطراف.

 

وأكدت المصادر نفسها «انّ باريس ليست بصَدد الانكفاء عن لبنان كما بدأ الترويج الى ذلك من قبل بعض المستويات اللبنانية، مذكّرة بما قاله الرئيس ماكرون خلال زيارته الاخيرة الى بيروت من «اننا إذا تخلّينا عن لبنان، فستندلع حرب أهلية».

 

وتبعاً لذلك، تحدثت المصادر عن نصائح أُسديَت للبنانيين بعدم إقفال الباب على إمكانية التفاهم، وعدم الذهاب الى خطوات متسرّعة، مشيرة في هذا السياق الى انّ باريس ليست في أجواء تفيد بأنّ الرئيس المكلف مصطفى اديب قد يعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة، علماً انّ باريس لا تحبّذ هذه الفكرة على الاطلاق، ذلك انّ خطوة من هذا النوع، لن تشكّل عاملاً مساعداً على إيجاد حلول ومخارج، بل على العكس من ذلك، فإنّها قد تكون عاملاً تعقيدياً يزيد من صعوبة الأزمة ويأخذها الى نقطة اللاعودة.

 

وبناء على ما سبق، قالت المصادر «انّ الاجواء الفرنسية ليست مقفلة، وباريس على تأكيدها انّ الحل اللبناني ممكن بالعودة الى جوهر المبادرة الفرنسية، وهي بناء على ذلك لا تعتبر انّ الباب قد أقفل نهائياً امام تمكُّن اللبنانيين من الوصول الى قواسم مشتركة من شأنها ان تنقل مسار التأليف إلى نقطة التفاهم، والرئيس الفرنسي ما زال يأمل في تأليف حكومة في لبنان في وقت قريب، ومن غير المستبعد هنا ان يصل موفد فرنسي الى بيروت في وقت قريب».

 

قصف سياسي

 

وعلى رغم التعقيدات العلنية، فإنّ الجو الداخلي العام أوحَى في الساعات الماضية أنّ الأمور ليست مقفلة بالكامل، وانها تنحى في اتجاه إعادة تصويب مسار التأليف في الإتجاه الذي يخرج حكومة مصطفى اديب من عنق الزجاجة العالق فيها. الّا انّ مواقف الأطراف المعنية بَدت ثابتة عن نقطة الاشتباك. وتجلّى ذلك في القصف السياسي المتبادل بين الرئيس سعد الحريري والثنائي الشيعي.

 

الحريري

 

فالرئيس الحريري، وفي موقف علني هو الأول منذ انطلاق عملية التأليف التي قادها بنفسه، ناقَض مطلب الثنائي الشيعي، وقال في تغريدة له أمس: «وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصريّاً لأيّ طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الاخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين».

 

الثنائي

 

أمّا بالنسبة الى موقف الثنائي الشيعي، فتؤكد أوساطه لـ«الجمهورية» انه «ما زال على استغرابه للمنحى التصعيدي المفاجىء، الذي يسلكه الرئيس الحريري، ويحيطه بالكثير من علامات الاستفهام». وتؤكد الاوساط نفسها انّ هذا «الثنائي» متمسّك بالمبادرة الفرنسية ويعتبرها الفرصة الوحيدة المتاحة لإنقاذ لبنان، وهو على أتمّ الإستعداد للتعاون وتقديم كل ما من شأنه أن يؤدي الى إنجاح هذه المبادرة التي وُضعت في الاساس على قاعدة الشراكة والتفاهم، ومراعاة التوازنات الداخلية، وهذا ما اكد عليه الرئيس ماكرون، وليس على قاعدة تغليب فريق على فريق، أو منح الحق لفريق لكي يقرّر ويشترط على سائر الفرقاء.

 

وعلمت «الجمهورية»، في هذا السياق ايضاً، انّ أحد المراجع الشيعية أبلغ المعنيين بالمبادرة الفرنسية، الفرنسيين وغير الفرنسيين، ما مفاده «انّ الحكومة كان يمكن لها ان تتشكّل في فترة قياسية، وخلال الاسبوع الأول من المهلة التي حددها الرئيس ماكرون، ذلك اننا سلّمنا والتزمنا من البداية بالمبادرة، ومن هنا جاءت موافقتنا على حكومة اختصاصيين بالكامل، مع اننا كنّا نفضّل الذهاب الى حكومة «تكنوسياسية»، ومن باب التسهيل وافقنا على حكومة الاختصاصيين، لكنّ الطرف الذي كان يؤلّف الحكومة، والمقصود هنا الرئيس سعد الحريري، هو الذي بنى حائطاً أمام التأليف بإصراره على تشكيل الحكومة منفرداً وتشبّثه بما اعتبره حقّه في تسمية الوزراء بمعزل عن رأي مرجعيات الطائفة كلها، وانتزاع وزارة المالية من الحصة الشيعية، ولولا ذلك لكانت الحكومة مشكّلة اليوم وكنّا نناقش بيانها الوزاري لنمنحها الثقة على أساسه في مجلس النواب».

 

ولفت المرجع عينه الى «انّ المنحى الذي سلكه الحريري لم يُثر الاستغراب والدهشة فحسب، بل قرىء على انه إهانة للطائفة الشيعية. وهو أمر كان محلّ نقاش غاضب لدى كل مستويات الطائفة السياسية والدينية، خصوصاً انّ هذا المنحى ينكأ كل المواجع التاريخية للطائفة عندما كانت تهمّش، فهل المطلوب ان يعودوا بنا الى هذا الوضع، من خلال ان يعيّنوا لنا وزراءنا او أن يخرجونا من الشراكة في السلطة الاجرائية بإخراج وزارة المالية من الحصة الشيعية في الحكومة، هذا ليس امراً خطراً فحسب، بل هو أسوأ من الفتنة».

 

بري

 

في هذا الوقت، نقل عن الرئيس نبيه بري قوله: نحن مع إنجاح المبادرة الفرنسية ومصرّون على ذلك، وفي الوقت نفسه نحن لدينا مسلمات وطنية، وما طالبنا به هو اننا كلنا شركاء في ادارة هذا البلد، ولن نقبل بالتأكيد ان يكون هناك من هو ابن سِت وهنالك ابن جارية.

 

واشار الى «اننا لم نسمع بأنّ المبادرة الفرنسية قد اشارت من قريب او بعيد الى المداورة في وزارة المالية، وبالتأكيد انّ هذه المداورة لو كانت قد طُرحت، لكان التكليف قد سلك مساراً آخر غير المسار الحالي».

 

رؤساء الحكومات

 

واذا كان موقف الرئيس الحريري متناغماً بالكامل مع موقف رؤساء الحكومات – الذين اجتمعوا في بيت الوسط أمس عشيّة زيارة الرئيس المكلف الى بعبدا – والذين يعتبرون انّ حكومة الاختصاصيين تعد الوصفة الملائمة لإنقاذ الوضع اللبناني، كما انهم يتبنّون موقف الحريري لناحية اختيار الوزراء وكذلك الامر بالنسبة الى المداورة، التي باتت مطلباً شاملاً، والى وزارة المالية، خصوصاً انه لا يوجد نص يقول بحصر وزارة المالية من حصة الطائفة الشيعية. أكّد أحد رؤساء الحكومات لـ«الجمهورية»: انّ اي كلام عن محاولة استئثار او تفرد او إقصاء لأيّ طائفة هو كلام غير صحيح، والموقف المتّسِم بحدة مفاجئة، الذي عبّر عنه الثنائي الشيعي، ذهب الى تكبير الأمور وأخذها على غير وجهتها».

 

وقال: «ليس الهدف أبداً الانتقاص من الطائفة الشيعية او استهدافها وهو ما نرفضه قولاً وفعلاً، بل انّ الهدف تحدد مع تكليف الرئيس مصطفى اديب وهو تشكيل حكومة إنقاذية بمنأى عن التدخلات السياسية. وبالتالي، كل كلام عن استئثار ليس في مكانه على الاطلاق، فالهدف الاول والاخير الذي نسعى إليه هو اننا نريد أن نَلمّ البلد، لا ان نخلق تشنّجات من اي نوع مع أيّ كان، لا مع الطائفة الشيعية الكريمة ولا مع غيرها من الطوائف.

 

الرئيس المكلف

 

واللافت في هذا السياق، انّ الرئيس المكلّف قد نأى بنفسه عن هذا الإشتباك الدائر على خط التأليف، بحيث لم يتخذ أيّ موقف يجاري فيه الحريري او يناقض فيه الثنائي.

 

وقالت مصادر مقرّبة من الرئيس المكلّف لـ«الجمهورية» انّ أديب «مدرك لحساسية الوضع، وما زال يراهن على تعاون الجميع لتجاوز التأزّم الحاصل، وهو من اللحظة الاولى لتكليفه تشكيل الحكومة قد بادر الى مَدّ اليد في اتجاه الجميع من دون ان يستثني أي طرف، حتى أولئك الذين لم يسمّوه في استشارات التكليف».

 

ولفتت المصادر الى «انّ الرئيس المكلف، أكد لكلّ المعنيين انفتاحه على كلّ الاطراف والتعاون معهم. وأنه من موقعه الوسطي لن يكون أبداً في موقع الصدام او المواجهة لا مع الطائفة الشيعية ولا مع غيرها، فهذا ليس في قاموسه، بل انّ الأساس لديه هو إتمام مهمّته بتشكيل حكومة بالتعاون مع الجميع، وبمهمة محددة لإنقاذ البلد».

 

ورداً على سؤال عمّا تردّد بأنّ الرئيس المكلف يوشِك أن يعلن اعتذاره عن إكمال مهمّته، قالت المصادر: نسمع كلاماً من هنا وهناك عن اعتذار او اعتكاف او ما شابه، علماً انه لم يصدر عن الرئيس المكلف ايّ كلام من هذا النوع، فالرئيس اديب ما زال يأمل بتعاون كل الاطراف، وهذا هو المطلوب في هذه اللحظة اللبنانية الحرجة، خصوصاً انّ لبنان لا يحتمل مزيداً من هدر الوقت او الفرَص. ولكن بطبيعة الحال، فإنه في حال اصطدم بمحاولات تعطيل لمهمته التي قبل ان يتصدى لها، فبالتأكد كل الامور واردة في هذه الحالة، ذلك انّ الرئيس المكلّف لا يقبل ان يكون شاهداً على هذا التعطيل. وبالتالي في ضوء التعطيل، لن يتأخّر في اتخاذ الموقف والقرار الذي يراه مناسباً».

 

الى ذلك، كان من المقرر ان يزور الرئيس المكلف القصر الجمهوري يوم أمس الاربعاء، الّا انه اتصل صباح أمس برئيس الجمهورية وطلب تأجيل اللقاء الى اليوم بانتظار ان تُثمر بعض الإتصالات الجارية لمعالجة آخر العقد المتصلة بعملية التشكيل، فوافقه عون متمنياً له التوفيق.

 

واشنطن

 

وفيما اكدت مصادر سياسية انّ تعطيل التأليف مردّه الى عوامل داخلية وخارجية، جزمت أوساط الثنائي الشيعي بأنّ واشنطن هي في قلب عملية تعطيل المبادرة الفرنسية، ذلك أنها دأبت على «التشويش» على هذه المبادرة من لحظة إعلانها، سواء عبر التحفظات العلنية التي أبدتها على ما سمّتها «مسايرة» ماكرون لـ»حزب الله»، او عبر دايفيد شينكر ولقاءاته التحريضية مع بعض حلفاء واشنطن، وكذلك بالعقوبات التي أعلنتها وزارة الخارجية وطالت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. إضافة الى العقوبات الجديدة، التي توعّدت واشنطن بالاعلان عنها في وقت قريب (البعض يقول خلال ايام قليلة).

 

الى ذلك، برز موقف أميركي لافت في مضمونه، جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية مورغان اورتاغوس، حيث قالت: «إنّ فرنسا دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وكانت معها في العراق وأفغانستان وستبقى كذلك، ولكن هناك اختلافات في السياسات الخارجية ولا سيما في لبنان وإيران».

 

ولفتت الى «انه من المهم للشعب الفرنسي أن يفهم الموقف الأميركي من لبنان وإيران»، وقالت: «على الفرنسيين أن يفهموا بأنّ «حزب الله» منظمة إرهابية، ولا يمكنه أبداً تحقيق الإصلاحات التي طالب بها الشعب اللبناني حينما خرج في احتجاجات 17 تشرين السابقة».

 

حراك مصري

 

الى ذلك، لوحِظت أمس حركة لافتة قام بها السفير المصري في لبنان ياسر علوي، حيث التقى رئيس الجمهورية امس الاول، ورئيس مجلس النواب والسفير السعودي في لبنان امس.

 

وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» انّ السفير المصري يسعى بتكليف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي الى تزخيم المشاورات بشأن تأليف الحكومة بعد التفاهم على إجراء بعض الاتصالات في أعقاب الاتصال الذي جرى بين الرئيسين االفرنسي ايمانيول ماكرون والسيسي الإثنين الماضي، تناولا فيه الجهود التي يمكن أن يبذلانها لتسهيل الولادة الحكومية في لبنان.

 

وعُلم انّ السفير المصري حذّر من تداعيات انهيار المبادرة الفرنسية، داعياً الى اعتبارها الفرصة الاخيرة التي لا يمكن تفويتها للخروج من الأزمة من الباب الحكومي الذي يفتح الطريق واسعاً امام حلول لعقد أخرى مالية ونقدية وسياسية واقتصادية.

 

ماذا يعني الفشل؟

 

في موازاة المشهد السياسي والحكومي المشحون والمعقّد، يبرز السؤال التالي: ماذا لو فشلت المبادرة الفرنسية؟

 

يرى البعض انّ لبنان قد يواجه خطر الزوال، في حال فشل المبادرة الفرنسية. وقد يعتبر هذا الأمر نوعاً من المبالغة، لكنّ الاحتمالات الواردة على المستويين المالي والاقتصادي تبدو مرعبة، ولا تقل خطورة عن المسألة الوجودية.

 

ماذا يعني أن تفشل المبادرة الفرنسية، وما هو السيناريو المطروح بالنسبة الى الوضع الاقتصادي؟

 

في هذا السياق، يمكن رسم خارطة طريق للتطورات المتوقعة على الشكل التالي:

 

– أولاً، تستمر حكومة تصريف الاعمال، بما يعني استمرار الانفاق بلا موازنة، وبلا أرقام، وسيكون الوضع المالي في المجهول.

– ثانياً، ستضطرّ المصارف تباعاً الى وقف الاعمال البسيطة التي تقوم بها اليوم، ومنها دفع أموال للطلاب. وذلك بسبب نفاد الاموال لدى المصارف المراسلة، أو لتوقّف المصارف المراسلة عن التعاون مع المصارف اللبنانية جرّاء ارتفاع المخاطر الى مستويات مرهقة لهذه المصارف.

– ثالثاً، سيكون مصرف لبنان امام احتمالين: امّا وقف الدعم عن كل السلع بما يعني إدخال لبنان في مرحلة التضخّم الهائل والفقر المدقع، وامّا الاستمرار في استخدام ما تبقّى من ودائع لمواصلة الدعم، وهذا يعني فقدان الامل بأن يأخذ أيّ مودع أمواله، بمَن فيهم صغار المودعين.

– رابعاً، سيتم عزل لبنان كليّاً عن العالم، وقد يستمر مسلسل العقوبات، بما يعني المزيد من التضييق المالي.

– خامساً، سيواصل الاقتصاد انكماشه بحيث يصبح حجم الدين العام الى الاقتصاد اكثر من 400%، بما يعني انّ البلد دخل مرحلة الانهيار الشامل، والذي يصعب الخروج منه بكلفة مقبولة.

 

هذا المشهد القاتم يهدد وجود لبنان، خصوصاً انه قد يترافق مع اضطرابات اجتماعية لطالما شَهدتها الدول التي عانت هذا النوع من الانهيارات. وسيكون المستقبل غامضاً، ولن يكون من المبالغة القول انّ لبنان سيواجه فعلاً خطراً وجودياً داهماً.

 

 

*****************************************

افتتاحية صحيفة اللواء

 

«عرقنة» تأليف الحكومة .. اتهامات في الداخل وتجاذبات في الخارج!

تمديد المهلة الفرنسية يسابق حزمة العقوبات الأميركية.. و«الثنائي» يهدِّد بالشارع

 

من المكابرة بمكان عدم الاعتراف بأن تأليف الحكومة يمر بأزمة، وهذه الازمة غير مسبوقة، حتى في خضم الأحداث الكبرى، التي عصفت بالبلد منذ العام 2005 مروراً بالعام 2006 إلى فترة اتفاق الدوحة، والفراغ الرئاسي بعد العام 2014، والأزمة هذه تتجاوز الحقائب والوزارات والتسميات، ومَنْ يسمون إلى انعدام الثقة بين مكونات التسوية التي اوصلت الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى.

 

وبعبارة صريحة بين تيّار المستقبل الذي يقوده الرئيس سعد الحريري وكتلته النيابية والتيار الوطني الحر الذي يقف على رأسه النائب جبران باسيل، وصولاً إلى الثنائي الشيعي: حزب الله، حليف التيار الحر، وحركة «أمل» همزة الوصل مع تيّار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، ومكونات أخرى في معسكر 14 آذار «القديم».

 

المشهد الحكومي في لبنان، اقترب من مشهد تأليف الحكومات في العراق، سواء على مستوى من يؤلف الحكومة، أو اختيار الوزراء أو الثقة وسحب الثقة، فضلاً إلى الحركة الاحتجاجية في الشارع.

 

وانعدام الثقة بين المكونات، استند إلى تداعيات 17 ت1، والكورونا، واخفاق حكومة حسان دياب، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، وحجم الهريان والفساد الذي كشفه واكتشفه على أرض الواقع الرئيس ايمانويل ماكرون، واطلق مبادرة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، وصولاً إلى تسمية السفير اللبناني في المانيا مصطفى أديب لتأليف «حكومة مهمة» من اخصائيين.

 

وأمس غرد الرئيس الحريري إن وزارة المال وغيرها من الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لأي طائفة في البلاد، في إشارة إلى قضية تمثل جوهر خلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة.

 

وذكر الحريري على تويتر أن رفض فكرة تداول السيطرة على الوزارات يحبط «الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين»، في إشارة إلى مساع فرنسية لحمل الزعماء اللبنانيين على تشكيل حكومة جديدة وتبني إصلاحات.

 

وكشفت هذه «التغريدة» عن خلاف مستحكم مع الفريق الذي يتمسك بإبقاء حقيبة المال من حصته، أي فريق «الثنائي الشيعي»، وتتهمه التغريدة بأنه «يحبط الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين».

 

لكن «الثنائي» الذي لم يذهب إلى «التغريدة» بنشط في الاتصالات وما وراءها، إلى تحميل الرئيس الحريري بصورة شخصية بعرقلة المبادرة الفرنسية «والساعي إلى تخريب البلد» والمغرد خارج المبادرة الفرنسية لمصلحة «تنفيذ تعالمي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو».. (راجع ص 2)

 

يتهم الثنائي، حسب قيادي بارز فيه الحريري بأنه يتحرك إلى «الانتقام من جبران باسيل والعهد» غير عابئ بالعلاقة مع الرئيس نبيه برّي.

 

ويلوح الثنائي باللجوء إلى الشارع، رفضاً لما يسميه فرض خيارات عليه، ويكشف القيادي ان الرئيس عون كان يتجه للذهاب باتجاه «البصم» على التشكيلة، لو لم يُبادر أحد لتنبيهه إلى خطورة التوقيع هذا.

 

الأليزيه: الوقت لم يفت

 

والثابت، ان الاليزيه لم يسلم بالوقائع اللبنانية، التي رست على اعتبار المبادرة الفرنسية بحكم الميتة، واعتذار أديب يعني ان الوقت حان لدفنها.

 

فبعد اجتماع خلية الأزمة الذي رأسه الرئيس ماكرون شخصياً تقرر: الاتصال بالرئيس اللبناني المكلف تشكيل الحكومة، وثنيه عن الذهاب إلى خيار الاعتذار، وإطلاق دفعة جديدة من الاتصالات، بالتفاهم مع الأطراف المعنية، ومنها اتصالات تجريها باريس مباشرة مع الأطراف اللبنانية، ومنها الاجتماع، الذي عقد بين مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله النائب السابق عمار الموسوي والسفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، والذي لم ينتهِ لما يريده الجانب الفرنسي.، من نظرية موقف الثنائي الشيعي، مع ان الاجتماع عقد بناءً لطلب فوشيه، وعلى الارجح بناءً لجهة رسمية شيعية.

 

وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية أمس «لم يفت الأوان. على الجميع الاضطلاع بالمسؤولية والتصرف في النهاية بما يخدم مصلحة لبنان وحده»، مضيفا أنه يتعين على الساسة دعم جهود رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب.

 

ويسعى أديب لتشكيل حكومة للبدء في تنفيذ خارطة طريق فرنسية. وقالت مصادر إنه سعى لتغيير السيطرة على الوزارات، وكثير منها تتولاها نفس الفصائل منذ سنوات.

 

وقال النائب السابق وليد جنبلاط على «تويتر» «يبدو أن البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم بأن المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح».

 

وكان جنبلاط يشير إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الذي قال الشهر الماضي إن لبنان قد يكون مآله الزوال إذا لم تنفذ الإصلاحات اللازمة.

 

وقال سيمون أبي رميا النائب عن التيار الوطني الحر على تويتر «لدينا فرصة تاريخية من خلال المبادرة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، ونحن أمام 24 ساعة مفصلية فإما ينتصر منطق العقل ونتجه إلى تشكيل حكومة جديدة، وإما ينتصر منطق التعنت والتصلّب ويعتذر الرئيس أديب وندخل بعدها في مرحلة جديدة».

 

إصرار على الخرق

 

ولاحظت مصادر سياسية متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة ان هناك اصرارا من الجانب الفرنسي على تحقيق اختراق جدي في مسار عملية التشكيل العالقة بمطالبة الثنائي الشيعي بوزارة المال مقابل رفض معظم الاطراف السياسية الاخرى هذا الاستثناء الذي يطيح اعتماد مبدا المداورة في توزيع الحقائب الوزارية الذي يشكل الركيزة الأساس وعنوان الحكومة العتيدة ويفتح الباب لمطالبة باقي الاطراف بوزارات اخرى كوزارة الطاقة وغيرها، مايؤدي حتما الى ولادة حكومة محاصصة مستنسخة عن الحكومات السابقة وتحديدا الحكومة المستقيلة تفتقر الى القدرة على القيام بالاصلاحات المطلوبة او كسب الثقة الشعبية المفقودة واعادة الانفتاح على العب والمجتمع الدولي. واشارت إلى ان تمديد مهلة تشكيل الحكومة لفترة محدودة، يدل على إعطاء كل الاطراف مهلة جديدة للاتفاق فيما بينهم،بالرغم من السقوف المرتفعة التي تبناها البعض، باعتبار ان الهدف النهائي هو التوصل الى تشكيل حكومة جديدة تتولى القيام بالمهمات الجسيمة التي تتراكم يوما بعد يوم وتثقل حياة المواطن اللبناني وتؤشر لمخاطر غير محمودة وتداعيات سلبية خطيرة في حال لم يتم التوصل الى تشكيل الحكومة العتيدة.

 

واستغربت المصادر كيفية تحول الالتزام والاتفاق الذي تعهد به جميع الاطراف امام الرئيس الفرنسي لتشكيل حكومة انقاذ مصغرة من اخصائيين استنادا إلى الورقة الفرنسية، تتولى القيام بالاصلاحات المطلوبة بين ليلة وضحاها إلى حكومة محاصصة ومطالب تخالف كليا التعهدات المقطوعة وتنقلب على وعود التسهيلات لاجراء الاصلاحات البنيوية والهيكلية المطلوبة وتعيد تكريس الأمر الواقع، بما يعطي انطباعا بأن هناك محاولة مكشوفة لتوظيف مسار تشكيل الحكومة الجديدةوتسهيل ولادتها على أساس المبادرة الفرنسية في حصول الراعي الايراني لحزب الله على الأثمان السياسية من الجانب الفرنسي ولا سيما بالملفات الاستراتيجية التي تهم ايران مع الغرب وباستطاعة فرنسا القيام بدور مساعد فيها بالرغم من الموقف الاميركي المعادي لطهران بهذا الخصوص. وتعتقد المصادر ان رفع سقف مطلب الثنائي الشيعي بتشكيل الحكومة على هذا النحو قد دخل عمليا في هذا المنحى الاقليمي بالرغم من محاولات اظهاره تحت مسميات وعناوين تتعلق بالتركيبة الطائفية والمذهبية الداخلية، وهو ماكان يمكن تخطيه بسهولة لو كان كذلك، في حين يلاحظ ان التشدد بالشروط والمطالب هدفه افتعال مشكلة بوجه المبادرة الفرنسية تتجاوز لبنان والهدف فتح باب التفاوض الفرنسي مع الجانب الايراني لاطلاق سراح تشكيل الحكومة اللبنانية،ويبقى تقدير الاثمان التي يرغب الايرانيون بتحصيلها مقابل ذلك.

 

*****************************************

 

افتتاحية صحيفة الديار

الفرصة الفرنسية للحسم: معجزة تأليف الحكومة ام اعتذار الرئيس المكلف ؟

الثنائي الشيعي : حريصون على انجاح المبادرة والتمسّـك بالمسلّمات الوطنية

واشنطن تخرّب على جهود فرنسا وتحرّضها على حزب الله

كتب محمد بلوط

 

هل تنجح الاتصالات والجهود التي تكثفت في الساعات الماضية بفتح منفذ لتأليف الحكومة بعد الفرصة الاضافية على مهلة الاسبوعين التي اعطتها  باريس للمسؤولين والقيادات اللبنانية، ام يعتذر رئيس الحكومة المكلف بعد زيارة متوقعة الى قصر بعبدا اليوم؟ المعطيات التي توافرت لـ«الديار» مساء أمس لم تحمل مؤشرات واضحة، خصوصا ان مصادر الجهات المعنية بقيت متحفظة على كل ما دار ويدور حول الحكومة.

 

ووفقا للمعلومات، فان ما جعل الاتصالات ترتفع وتيرتها الى جانب توجس الجميع من الوصول الى طريق مسدود وسقوط المبادرة الفرنسية هو  بيان الاليزيه المقتضب الذي صدر بعد ظهر امس والذي قال انه «لم يفت الاوان لتشكيل الحكومة والعمل لمصلحة لبنان»، مشيرا الى «ان فرنسا تأسف لعدم تمكن الزعماء السياسيين اللبنانيين من الالتزام بتعهداتهم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون».

 

وقال مصدر بارز لـ«الديار»، ان بيان الرئاسة الفرنسية يتضمن اكثر من اشارة، فهو يشير الى اعطاء باريس فرصة قصيرة للمعنيين اللبنانيين من اجل العمل بسرعة على تجاوز العقبات واستيلاد الحكومة. وهو يستخدم لغة دبلوماسية تجاه عدم التزام القيادات السياسية بتعدهم في تأليف الحكومة خلال الاسبوعين مكتفيا بالاعراب عن الاسف، الى جانب تذكيره العمل لمصلحة لبنان.

 

واضاف المصدر انه سبق هذا الموقف اجراء فريق عمل الرئيس الفرنسي ورئيس المخابرات برنار ايميه اتصالات مع مسؤولين لبنانيين للعمل على تجاوز الخلافات وتأليف الحكومة. وترافق ذلك مع دخول المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم على خط التحركات بتوجيه من رئيس الجمهورية ميشال عون على ضوء المشاورات التي اجراها.

 

وكانت المصادر نقلت ان عون مع المداورة في الوزارات شرط التوافق الوطني عليها.

 

وحسب المصدر فان الاتصالات تكثفت عصراً ومساء امس ،كما قام ابراهيم بحركة ناشطة في اكثر من اتجاه.

 

واضاف ان الاقتراحات او الافكار التي طرحت بقيت طي الكتمان، مشيرا الى ان الكلام عن عرض وزارة الداخلية للشيعة بدلا من «المال» هو مجرد تكهنات واخبار اعلامية، لا بل ان الوزير علي حسن خليل قال نهار امس انه لم يجر معنا اي تواصل او حديث في هذا الشأن.

 

واوضح المصدر ان كل ما يمكن قوله هو ان الجهود نشطت ابتداء من بعد ظهر امس من دون ان يتضح اي شيء بخصوص النتائج.

 

وقال مصدر مطلع لـ«الديار» ان محاولات جرت لفتح ثغرة في جدار الازمة بعد ان مددت مهلة الاسبوعين التي اعطتها باريس الى يوم غد .

 

وقال المصدر ان الجهود تركزت على حل الخلافات حول ثلاث نقاط رئيسية هي:

 

1- مشكلة حقيبة المال حيث ابلغ الثنائي الشيعي ما كان اكده لرئيس الحكومة تمسكه باسناد هذه الحقيبة الى الشيعة وفتح المجال امام البحث في اسم الوزير الذي سيتم اختياره.

 

2- اختيار الوزراء الشيعة حيث اكد الثنائي الشيعي على اختيار هؤلاء الوزراء والاستعداد للتعاون مع الرئيس المكلف بهذا الامر.

 

3-حجم الحكومة حيث يفضل رئيس الجمهورية واطراف عديدة ان تكون متوسطة وليست مصغرة اي بين 20 و24 بدلا من 14.

 

 موقف الثنائي الشيعي

 

وفي غمرة هذه الاتصالات وردا على تصوير موقف الثنائي الشيعي بانه عرقلة للمبادرة الفرنسية قالت مصادر الثنائي لـ«الديار» مساء امس «ان موقفنا واضح منذ اللحظة الاولى وقد رحبنا بمبادرة الرئيس ماكرون وكنا واضحين في هذا الموقف، ويجب الا ينظر لتمسكنا بالمسلمات الوطنية والميثاقية على انها عرقلة للمبادرة الفرنسية، فالثنائي كان ولا يزال حريصا على المبادرة الفرنسية، وهذا الحرص لا يتعارض مع تمسكنا بالمسلمات الوطنية والحفاظ عليها وعدم مسّها».

 

ولفتت المصادر الى مواقف داخلية اخرى ارادت وتريد حرف المبادرة واستثمارها لاهدافها السياسية، والى الموقف الاميركي الذي ينكشف اكثر فاكثر  بالضغط على هذه المبادرة والتأثير عليها.

 

 الحريري وجنبلاط

 

ولوحظ امس الموقف المتشدد للرئيس سعد الحريري من موضوع وزارة المال ورفضه بقائها بيد طائفة معينة حيث غرد قائلا «ان وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لاي طائفة»، معتبرا ان «رفض المداورة احباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الاخيرة لانقاذ لبنان واللبنانيين».

 

وسبقه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بتغريدة قال فيها «يبدو ان البعض لم يفهم او لا يريد ان يفهم بان المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لانقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بكل وضوح .وعاد كبار الفرقاء الى لعبة المحاصصة مع ادخال اعراف جديدة دون الاتصال باحد يقودها جدد على الساحة».

 

 التشويش الاميركي

 

ووفقاً للتطورات والوقائع التي سجلت اخيراً، فان البصمة الاميركية تبدو واضحة واخذت تتضح اكثر فاكثر في محاولة للضغط على المبادرة الفرنسية وعرقلتها واجهاضها، خصوصا مع تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية الذي ركز فيه على الخلاف بين واشنطن وباريس حول النظرة الى حزب الله وتحريض فرنسا على التخلي عن موقفها وقال «ان فرنسا ترفض تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية كما فعلت دول اوروبية اخرى، وانه بدلا من ذلك تحافظ على الوهم القائل بوجود جناح سياسي لحزب الله».

 

كذلك ركزت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية مورغان اورناغوس على الاختلافات في السياسات الخارجية بين الولايات المتحدة وفرنسا لا سيما في لبنان وايران. واضافت «ان على الفرنسيين ان يدركوا ان حزب الله منظمة ارهابية ولا يمكنه ابدا تحقيق الاصلاحات التي طالب بها الشعب اللبناني».

 

 تحذير فرنسي  ومصير الودائع

 

على صعيد آخر، وفي ظل الوضع المالي والاقتصادي المتدهور لفت امس ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤول فرنسي كبير بانه «قد يكون من الصعب على البنوك في لبنان التمسك بمبدأ ضرورة الا يخسر المودعون ايا من ودائعهم، وذلك حسبما جاء في محضر اجتماع حصل في 10 ايلول الجاري بين مسؤولين فرنسيين كبار ووفد جمعية المصارف اللبنانية».

 

وفي محضر الاجتماع الذي يحمل صفة السرية، والذي اطلعت رويترز عليه تصدرت فرنسا جهودا دولية لدفع السياسيين المتشبثين بمواقفهم في لبنان لتنفيذ اصلاحات ضرورية.

 

واكد مبعوث الرئيس الفرنسي لتنسيق الدعم الدولي للبنان بيير دوكين خلال الاجتماع على انه «بينما هي مسألة مبدأ بالنسبة لجمعية المصارف في لبنان انه يجب الا يتكبد المودعون اي خسائر، فانه قد يكون من الصعب الدفاع عن هذا حتى النهاية، لكنها مسألة  تفاوض».

 

ولفتت رويترز الى ان محضر الاجتماع يظهر ان ممثلي جمعية المصارف ومنهم رئيسها سليم صفير اشاروا الى ان البنوك مستعدة للانضمام الى جهود جماعية لحل الازمة، وحددوا اقتراحات شملت تأييد انشاء صندوق لحشد اصول الدولة.

 

 

*****************************************

افتتاحية صحيفة الشرق

هل تُحلّ عقدة الثنائي الشيعي وتتشكّل حكومة الإنقاذ ؟  

 

ساعات حاسمة تفصل لبنان عن مصير المبادرة الفرنسية او بالأحرى عن مصيره، انقاذا ام سقوطا. هي مجرد حقيبة وزارية يصرّ فريق سياسي على ابقائها في عهدته حفاظا على مكتسب التوقيع الثالث للطائفة الشيعية، خلافا للدستور، ورغما عن أنف سائر اللبنانيين. المنازلة الايرانية- الفرنسية او في شكل أدقّ، الايرانية- الاميركية التي يخوضها في لبنان «الثنائي الشيعي» في وجه الرئيس المكلف مصطفى اديب ورؤساء الحكومة السابقين وكل من يريد تلقف المبادرة حرصا على المصلحة الوطنية، لا بد الا ان تحسم نتائجها سريعا، فإما ينتصر لبنان او تنتصر «سطوة السلاح».

 

فرنسا التي اسفت امس» لعدم تمكن الزعماء السياسيين اللبنانيين من الالتزام بتعهداتهم لماكرون، لافتة الى أن الأوان لم يفت لتشكيل حكومة والعمل لمصلحة لبنان»، لم تعدم وسيلة الا واستخدمتها في سبيل انتشال لبنان من قعر الهاوية التي اسقطتها فيه هذه السطوة ورضوخ معظم القوى السياسية لها حتى تحكمت بالبلاد ومؤسساتها الدستورية كافة، وباتت الآمر الناهي من دون جدل. فهل يستعيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يؤيد مبدأ المداورة في الحقائب زمام الامور متظللا بالمبادرة الفرنسية وينقذ لبنان وما تبقى من رصيد عهده فيوقع تشكيلة اديب أم يسلّم بالامر الواقع وبما يريده حليف «مار مخايل» تحت ستار عدم منح الثقة النيابية؟

 

زيارة اديب الى بعبدا ارجئت الى اليوم، لمزيد من الاتصالات، فأبواب تحقيق الخرق في جدار الازمة لم تقفل بالكامل،  والعمل جار على فتحها، في الداخل عبر حركة الموفدين وفي مقدمهم «حلّال العقد» مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، وخارجيا باتصالات رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية برنار إيمييه، التي اعطت 24 ساعة اضافية لاستكمال المشاورات بهدف الوصول الى مخرج للملف الحكومي.

 

لم يفت الاوان

 

وازاء اصطدام الجهود المبذولة بجدار الممانعة «الثنائية»،  أعلن مسؤول في الرئاسة الفرنسية أسف فرنسا لفشل السياسيين اللبنانيين في تشكيل حكومة بعد أسبوعين من تحديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موعدا نهائيا لذلك في 15 أيلول، مشيرا الى أن الوقت لم يفت بعد لتشكيل حكومة. وأكد المسؤول أسف فرنسا لفشل الزعماء السياسيين اللبنانيين في الالتزام بتعهداتهم التي قطعوها للرئيس ماكرون في الأول من ايلول 2020 وفقا للإطار الزمني المعلن. وقال: «لم يفت الأوان بعد: على الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرف في نهاية الأمر بما يصب في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة لمصطفى أديب لتشكيل حكومة بما يلائم خطورة الوضع».

 

التواصل مطلوب

 

الثنائي الشيعي يأخذ على الرئيس المكلف عدم التواصل المباشر معه لتقديم ما لديه من عروض، في ضوء الحديث عن مداورة بين الحقائب السيادية للتشاور وأخذ الرأي. هو يريد بحسب ما تفيد اوساط سياسية مطلعة  ان تكون له الكلمة في المالية ولمن تؤول وبما تستبدل، لتثبيتها حقا له يمنحها لمن يريد عند تشكيل الحكومات. كل ذلك يصب في خانة الكباش السني- الشيعي المحتدم في المنطقة وانعكاسه على الداخل.

 

وفي ما يعزز هذا الاعتقاد، اعلن الوزير السابق النائب علي حسن خليل من عين التينة ان «لم يتواصل معنا أحد حتى الساعة ولم تطرح علينا  حقيبة «الداخلية». وذلك بعدما تردد ان عرض اديب يشمل استبدال المالية بالداخلية للشيعة فتسند الى مسؤول امني، على ان تؤول الاولى الى السنّة ويُعين المدير العام من الطائفة الشيعية. واذا ما نجح هذا المخرج تتحدث المعلومات عن ان الرئيس المكلف قد يزور رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضعه في الصورة قبل ان يقدم تشكيلته الى الرئيس عون لتبصر الحكومة النور، بمباركة «الثنائي».

 

الحريري

 

وفي موقف يعكس التشدد السني عموما ورؤساء الحكومة السابقين في شكل خاص ازاء مطالب «الثنائي»، غرد الرئيس سعد الحريري عبر حسابه على «تويتر»: «وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لاي طائفة، ورفض المداورة احباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الاخيرة لانقاذ لبنان واللبنانيين».

 

… وجنبلاط

 

في هذا الموقف لاقاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  الموجود في باريس بتغريدة في حسابه الخاص عبر موقع تويتر كاتبا: يبدو ان البعض لم يفهم او لا يريد ان يفهم بأن المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لانقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح .وعاد كبار الفرقاء الى لعبة المحاصصة مع ادخال اعراف جديدة دون الاتصال باحد يقودها هواة جدد على الساحة .وشكرا للسيد بومبيو على لزوم ما لا يلزم.

 

اموال المودعين

 

من جهة ثانية، وفيما اكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة  في اجتماع محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ان مصرف لبنان اتّخذ تدابير لمساعدة الاقتصاد وحماية أموال المودِعين، أفادت وكالة رويترز أن السفير بيار دوكين أشار في محضر الاجتماعات المالية التي انعقدت في باريس مع جمعية المصارف، الى ان المودعين اللبنانيين قد لا يحصلون على كل اموالهم المودعة في المصارف. في المقابل، اشارت المعلومات الى ان المصرف المركزي الفرنسي تلقف بإيجابيّة تعميم الحاكم سلامة الذي يحمل الرقم ١٥٤، وهو يستعدّ للتدقيق في أموال مصرف لبنان ومالية الدولة والإدارات الأخرى بهدف إعادة هيكلة مالية الدولة والقطاع المصرفي.

 

استماع وادعاء

 

قضائيا، استمع المحقق العدلي القاضي فادي صوان الى وزير الأشغال السابق النائب غازي زعيتر في ملف تفجير مرفأ بيروت.

 

وليس بعيدا، ادعى النائب العام الاستئنافي  لدى محكمة بيروت على شركة «بزنس باي» ومديرها أكرم الخشن والعمال بجرم الإهمال وقلة الاحتراز في حريق المرفأ.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram