ألقاب... ألقاب!...

ألقاب... ألقاب!...

 

Telegram

 

د. جهاد نعمان
يجودون بالألقاب على موائد الأدب واللاأدب، وينسبها بعضهم الى أنفسهم وقد أزهقنا صلفهم كتجار هيكلنا المتداعي بسببهم. وهناك كبار غير متكبرين يذكرون اسمهم مجرّدا من كل الألقاب، وقد تحرّروا من نير الألقاب بعد أن تحرروا من أوضار التقاليد البالية.
إن تجريد الاسم من ألقاب الشرف لا تعني ترفّعا عن الشرف بل ترفّعا عن الهوان الذي فصّله سماسرة عاهرون على قياسهم. فهي تكال جزافا لمآرب لا تمتّ بصلة إلى أية قيمة حقيقية. وفي هذا ما فيه من إساءة إلى عوالم الإبداع والمجانية المزعومة.
يهمّنا هنا ما يرتبط بالإساءة إلى الأدب بحصر المعنى. فإذا جرّدناه لبابا خالصا من القشور مطهرا من الأقذار التي علقت به في مراحله الطويلة لا يمكن أن يرضى بهذه العناصر الغريبة تختلط بدمه النقي فتفسده. في الألقاب إساءة إلى الأدباء الحقيقيين، تقع عليهم في محيط العامة التي يعيشون بينها لأنها لا تستطيع أن تميّز قيمة القول مجرّدا بل تقيسها بما للقائل من شهرة - وما أدراك ما الشهرة - أو ما له من نعت مقرون باسمه فيتساوى لديها العبقري الحقيقي والعبقري المزيف ما دام كلاهما فائزا بهذا النعت، وفي هذا ما فيه من الإساءة والإهانة للعبقري الحقيقي. وما عسى أن تكون قيمة الإبداع الأدبي في أمة تقيس هذه القيمة بنقيض مقاييس الأدب، ما عساها أن تكون أمام الحقيقة والتاريخ وثقافات الأمم؟ حتى اننا نجود أحيانا بالألقاب الضخمة على الطفيليات ونضن بها على المبدعين، فنضع الرأس مكان الرجل والرجل مكان الرأس. وهنا فوضى لا حد لها في عوالم الإعلام والتعليم والثقافة.
نقول في جبران انه «الخالد الذكر» وهو لا شك كذلك. وهو فوق ذلك من فلتات الأجيال على تعاقب عصورها. ثم لا نخجل من أن ننعت غيره بالخلود ممن هم أعجز من أن يلمّوا به‍وامش أقواله، وهؤلاء، لسوء الحظ، هم معظم الطبقة التي سمّوها «مثقفة» في دنيا العرب. ماذا تركنا للخلود ونحن نصف به أقوالا لا أقول انها تموت حال ولادتها، بل أقول انها تولد من أفواه أصحابها جيفا متعفنة؟!
هل يسطع في سمائنا شهاب لامع يسكب على بلادنا أشعة إلهام أدبي تقشع عنها هذه الظلمة الكثيفة الممضة وتطهّر من قلوب أبنائها جراثيم السآمة والفتور تمهيدا لولادة أمة جديدة؟
أين هي النفثات الطيبة والعواطف الرقيقة والشجون الفيّاضة يرسلها شعراؤنا الشباب، فتؤلف مقطوعات طليّة مفعمة بالتوصيف الدقيق والاحساس المرهف والاستشراف المجدي في غير مجال وعلى غير صعيد؟!


أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram