إحتدمت المعركة بين فريقين سياسيين يعرفان بالفريق الممانع بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري وبالفريق السيادي بقيادة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
هذه المعركة غير المقصودة، يستفيد منها الرجلان أي بري وجعجع. من ناحية يرمي بري مسؤولية الشغور الرئاسي وتعطيل إجراء الحوار الوطني على جعجع، خصوصاً أمام المجتمعين الدولي والعربي، كي لا يُقال إن بري الذي يرأس المجلس النيابي، يعطّل الحياة الديمقراطية، ويرفض الدعوة إلى عقد جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية لإيصال مرشحه.
من ناحية ثانية، يصوّب جعجع على بري بأنه يستخدم سلطته لفرض بدع دستورية لم ترد في اتفاق الطائف، وهي أن يسبق الإستحقاقات الدستورية حوار سياسي ينتج حلاًّ مؤقتاً، وبذلك يكون جعجع قد كرّس نفسه زعيماً أو قائداً للفريق السيادي.
لكن المواجهة المتوازنة في الشكل، ليست كذلك في المضمون. إذ أن بري وحده يخرج منتصراً منها فعلياً، وهو الذي يملك أوراقاً كثيرة تفوق بكثير ورقة جعجع المحدودة، والتي تقتصر على تسجيل المواقف دون قدرتها على حسم المعركة.
فرئيس حركة "أمل" يتسلّح أولاً بتحالف لصيق مع "حزب الله" الذي يؤمِّن له جبهة إسناد في كل معاركه، وهو يحظى بعلاقة إستثنائية مع حليفه التاريخي الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الذي سيرافقه حتماً يداً بيد حين تحلّ ساعة التسوية، والذي أطلق أيضاً مبادرة جديدة هدفها الوحيد شراء المزيد من الوقت لبري، خصوصاً أنه بدا من الواضح أن المبادرات المحلية لا تقدّم ولا تؤخّر في المشهد السياسي.
ويقف إلى جانب الرئيس بري عدد وازن من النواب السنّة المعروفين بسنّة 8 آذار، يضاف إليهم نواب تكتل "الإعتدال الوطني" الذين رغم تموضعهم في الوسط، إلاّ أن خيارهم هو ملاقاة بري في التسوية عند نضوجها بدلاً من الإلتحاق بالسقوف غير الواقعية التي يضعها جعجع.
هذا كلّه دون أن ننسى المحاولات الحثيثة غير الناجحة التي يقوم بها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، لعقد تسوية رئاسية مع بري والتي ما زالت ، ويعود سبب فشلها حتى اللحظة إلى أن باسيل يريدها خارج إطار رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وهذا ما لم يحد عنه الرئيس بري كما الحزب إطلاقاً.
وبذلك، تكون الغلبة لصالح الرئيس بري على حساب جعجع، الذي لم يبقَ إلى جانبه سوى نواب المعارضة الذين يبلغ عددهم 31 نائباً، بعدما خسر جعجع الحزب التقدمي الإشتراكي الباحث عن حلّ رئاسي دون قيود أو شروط، والذي أثبت أنه رغم تحالفه الإنتخابي الدائم مع "القوات اللبنانية"، إلاّ أن تحالفه السياسي يبقى أمتن وأقوى مع الرئيس بري.
وما كلام سليمان فرنجية للودريان حول عدم الحاجة للمعارضة في عملية اختيار الرئيس فيما لو قرّر هو الإنسحاب، إلاّ تأكيداً لما سبق، إذ أنه بمجرّد أن يفتح فرنجية مع الثنائي باب المرشح الثالث، فإن المصطفّين لمشاركتهم في التسوية كثر، ليس أولهم الحزب الإشتراكي، ولا آخرهم كتلة "الإعتدال"، وبينهما من قوى ك"التيار الوطني الحر" ومستقلين، ما يجعل من الحاجة للنواب الـ31 ثانوية وغير ضرورية.
لقد نجحت "القوات اللبنانية" بقيادة جعجع في الوصول إلى صدارة الساحة المسيحية بعد سنين عديدة تميّز "التيار الوطني الحر" خلالها بهذا الموقع عندما كان بزعامة الرئيس ميشال عون، لكن هذا النجاح يفتقر إلى القدرة على الصرف في اللعبة السياسية، بسبب فقدان جعجع لليونة والواقعية في تعاطيه السياسي، مما يعرّضه للبقاء خارج التسوية النهائية، فيما لا يزال الرئيس بري في صدارة الساحة السياسية متميّزاً بالمرونة والتجربة والحنكة التي تجعل منه حاجةَ وممرّاً إجبارياً ليس فقط للتسوية النهائية، بل للجميع.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :