أكثر من 600 موقع إلكتروني للقمار غير الشرعي تمكّنت الأجهزة الأمنية من حجبها، منذ أصدر المدّعي العام التمييزي السابق غسان عويدات، في 28 آذار من العام الماضي، قراراً طلب فيه حجب مواقع هذه المواقع. رغم ذلك، فإن المواقع الإلكترونية ومحالّ الـ«Video Poker» ومكاتب قمار تعمل تحت غطاء ألعاب التسلية أو تصريف الأموال أو حتى كمقاهٍ، تسيطر على نحو 75% من سوق ألعاب القمار في لبنان.ويؤكد مصدر في مكتب مكافحة القمار لـ«الأخبار» أن المكتب «يقوم بحجب أي موقع لدى رصده، لكن يستحيل علينا حجب كل المواقع وإقفال هذا الملف، أولاً لاستخدام المشغّلين خاصية VPN التي تعيق تحديد إحداثيات الموقع وتظهر عنوانه خارج لبنان، ما يمكّن المشغّلين من إعادة فتحه بعد حجبه، وثانياً لأن قسماً كبيراً من الخوادم (Servers) موجود أساساً خارج الأراضي اللبنانية ويُدار من الخارج». أما مكاتب القمار، فقد «أقفلنا قسماً كبيراً منها بالشمع الأحمر، وبقي القليل الذي نقفله عند كشفه، فيما هناك مكاتب تملك رخصة لإدارة الألعاب من كازينو لبنان»، مشيراً إلى أنه بسبب خاصية الـ VPN التي تخفي هوية المشغّل، «لم تعد هناك حاجة إلى فتح مكاتب قمار في ظل وجود مواقع إلكترونية تتيح ممارسة الألعاب عبر الهواتف الذكية الموجودة في متناول الجميع.
غير أن رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري أكّد لـ«الأخبار» أن «الدولة ما سكّرت شي، ومحالّ القمار غير المرخصة والتي لا تدفع ضرائب تملأ البلد». وأوضح أن إدارة الكازينو في صدد رفع دعوى قضائية ضد هؤلاء، خصوصاً «خمسة أسماء كبيرة باتت في حوزة مكتب مكافحة القمار وبقية الأجهزة الأمنية، ومنذ نحو 15 يوماً وصل الملف إلى المدعي العام»، مشيراً إلى «تقاعس الأجهزة الأمنية، بسبب الغطاء الأمني والسياسي لبعض المشغّلين غير الشرعيين».
تبييض أموال
ويقرّ مصدر أمني لـ«الأخبار» بأن «بعض المكاتب غير الشرعية لا تُداهم، وبعض المواقع الإلكترونية لا تُحجب، بسبب الغطاء الأمني والسياسي لمشغّليها»، لافتاً إلى أن معظم هؤلاء «يعملون في مجالات عمل أخرى غير القمار، ومعظمهم عصابات تمارس السلب وتجارة المخدّرات والسلاح وتعمل في الربا». وأوضح أن وسائل عدة يتّبعها المشغّلون لتبييض الأموال «بواسطة صرّافين غير شرعيين، أو عن طريق شراء العملات الرقمية لتحويل الأموال بين حسابات متعددة لتصعيب عمليات التتبّع، أو عبر تأسيس شركات وهمية أوفشور يستخدمونها لتحويل الأموال وتبييضها، إضافة إلى الطرق التقليدية بتهريب الأموال في حقائب السفر». ولفت إلى وسيلة جديدة للتبييض عبر تطبيق «تيكتوك»، إذ «تُفتح حسابات بأسماء وهمية وتُشحن بالـ Coins التي تُدفع في ما يسمى جولات التحدي المباشر كهدايا افتراضية لتتحول مجدداً إلى Coins في بلد آخر حيث يمكن تقريشها وتسلّمها». وأشار إلى أن «مكافحة هذه الظاهرة تبدأ من ضبط حركة الأموال. يكفي كشف شهرٍ واحد لحركة الأموال التي دخلت أو خرجت عبر مطار بيروت لالتقاط رأس الخيط. لكن، هل تغضّ الدولة الطرف عن دخول هذا الكم الهائل من الأموال بسبب أزمة الدولار؟».
أحد المشغّلين أكّد لـ«الأخبار» أنه «حتى اليوم، لا يزال عدد كبير من المكاتب شغّالاً وعلى عينك يا تاجر. شوف مين بضهرهم بتفهم القصة كلها». ووصف حملة حجب المواقع بـ «البروباغاندا»، إذ إن «المواقع التي تمّ حجبها ليست متداولةً بشكلٍ كبير في السوق». وأضاف: «بعد حملة الأجهزة الأمنية أغلقنا مكاتبنا ولجأنا إلى المواقع الإلكترونية». وعن كيفية العمل بهذه المواقع، عدّد الخطوات التالية: «ننشئ حساباً (Account) رئيسياً للتشغيل على أحد المواقع تتم تعبئته بالنقود، وننشئ لكل زبون حساباً نقوم بتعبئته عبر تحويل المبلغ الذي يريده من الحساب الرئيسي للتشغيل. وعند فوز الزبون، نحسم جزءاً من المبلغ كعمولة، ونسلّم الباقي باليد عبر Delivery أو بواسطة مكاتب تحويل الأموال».
ووفق استقصاء قامت به «الأخبار»، تبيّن وجود أكثر من 50 موقع قمار إلكترونياً غير شرعي يمكن الرهان فيها على المباريات الرياضية أو ممارسة ألعاب الروليت والبلاك جاك والبوكر وغيرها، وأبرز هذه المواقع: Lira win, yala bet, turn river, win poker, lava bet, hotbet, betway, rabona, time scores، وغيرها العديد من المواقع التي لا تزال «شغّالة» منذ ما قبل صدور قرار عويدات. ويتم إيداع الأموال فيها عبر محافظ Neteller أو Skrill أو MuchBetter، التي تمنح مستخدميها حدوداً عالية للدفع والسحب مع رسوم منخفضة، ولا يمكن تتبع حركة الأموال من خلالها، كما يمكن الإيداع فيها عن طريق العملات الرقمية التي تُوفّر تعاملات مجهولة المصدر من دون رسوم. أما وسائل الدفع الأكثر شيوعاً فعبر محفظة PayPal وبطاقتي Cashu وPayfort الإلكترونيتين، نظراً إلى استحالة تتبّع جهات إرسال المال عبرها.
تسيطر مكاتب ومواقع الكترونية على 75% من سوق القمار
ووفق مصادر أمنية، فإن بول م.، المعروف باسم «Jay» والمقيم في السويد، هو أحد المشغّلين الأساسيين لمواقع القمار غير الشرعي من خارج لبنان، علماً أنه متهم بترؤّس ما بات يُعرف بعصابة الـ «TikTokers» لاغتصاب القاصرين وتصويرهم وبيع الصور على الـ Dark Web. أما في لبنان، فإن من بين كبار المشغّلين كلاً من طارق د.، إيلي م.، طاهر ب.، فادي أ. ن.، جاك ب.، هيثم ع.، وشخص من آل بروشيان، و«جاك الملك» و«AVO». ويدير هؤلاء سوق القمار السوداء بالتنسيق في ما بينهم. وأوضحت المصادر أن بعض هؤلاء اعتُقلوا سابقاً، لكنّ «التحقيق معهم اقتصر على سؤالٍ واحد عمّا إذا كانوا يشغّلون مواقع قمار إلكترونية، قبل أن يُطلق سراحهم»!
وتؤكد المصادر وجود محل للقمار غير الشرعي في منطقة إنطلياس بإدارة مشغّلٍ يحظى بغطاءٍ مباشر من حزب القوات اللبنانية، وأربعة محالّ في منطقة برج حمود (شارع أراكس، شارع أرمينيا، أوتوستراد الدورة، وقرب ساحة البلدية) يغطيها حزبا «الهانشاك» و«الرامغافار» الحليفان للقوات. وأظهرت التحقيقات أن نسبة الإقبال الأعلى على القمار غير الشرعي، خصوصاً الإلكتروني، كانت ضمن قضاءَي كسروان والمتن، خصوصاً برج حمود فإنطلياس، جل الديب، الدورة، زوق مصبح، وغيرها. فيما تغيب مكاتب القمار ومحالّه عن بعض المناطق البيروتية وطرابلس وعكار وصيدا، حيث تنحصر المقامرة غير الشرعية بالمواقع الإلكترونية. وفي مدينة صور، يخصص أحد المقاهي قرب مركز الدفاع المدني في المدينة غرفةً سرية للقمار لا يدخلها إلا المحظيون، إضافة إلى مكتب بورصة يشغّل مواقع قمار إلكترونية، وتشير المصادر إلى «تورط رجل أعمالٍ كبير في هذا الملف إلى جانب عمله في تجارة الأسلحة، مستفيداً من علاقات واسعة تجمعه بأحزاب وشخصيات أمنية وسياسية». كذلك تغيب محالّ القمار في الضاحية الجنوبية، لمصلحة مواقع إلكترونية يُديرها مشغّلون على علاقةٍ بمشغّلين كبار من خارج الضاحية.
عقوبات «ليّنة»
تنص المادة 632 من قانون العقوبات على أن «ألعاب القمار هي التي يتسلط فيها الحظ على المهارة والفطنة. وتُعد خاصة من ألعاب المقامرة، الروليت والبكارا والفرعون والبتي شفو والبوكر المكشوف، وكذلك الألعاب التي تتفرع عنها أو تماثلها بصورة عامة». ويؤكد خبير دستوري أن هذه المادة تشمل القمار الإلكتروني، كما أن القانون 417 منح كازينو لبنان حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد (المعاملتين)، قبل أن يُعطي وزيرا السياحة والمالية عام 2008 الكازينو حق تنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية «Online».
لكنّ «ليونة» العقوبات التي يفرضها القانون تُعدّ «المشجع الأكبر» لدخول المشغّلين واللاعبين سوق القمار غير الشرعي. فوفقاً للمادة 633، يُعاقَب المستخدم بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويُغرم بمئتي ألف ليرة إلى مليوني ليرة. وتقضي المادة 634 بتغريم اللاعب بين خمسين ألف ليرة و400 ألف.
المراهنات على الدوري!
أكّدت مصادر لـ«الأخبار» أن «مراهنات تدور داخل عدد من المقاهي في بيروت بمشاركة وحضور لاعبين وإداريين معروفين في الدوري اللبناني لكرة القدم بمختلف درجاته، حيث تباع المباريات ويتم التلاعب بنتائجها، إضافة إلى مراهنات على عدد الأهداف والركنيات ورميات التماس...». يشار إلى أنّ 24 لاعباً وإدارياً من مختلف أندية الدوري اللبناني لكرة القدم، أُوقفوا عام 2013 لتورّطهم في المراهنات والتلاعب بنتائج مباريات المنتخب اللبناني خلال تصفيات كأس العالم، وبمباريات الدوري.
الـ VPN تعيق عمل الأجهزة الأمنية
يقوم مشغّلو مواقع القمار بتحميل الـ VPN وتعديل عنوان الـ IP، ما يجعل تحديد عناوينهم الحقيقية مستحيلاً. كما أن هناك تطبيقات تعمل بواسطة خوادم منتشرة في الفضاء السايبيري، تتيح للمستخدم اختيار البلد الذي يريد الحصول على الهوية الإلكترونية الخاصة به، أبرزها Nord VPN و Express VPN و«Private VPN» و«CyberGhost».
ويؤكد خبير تقني أن هناك حلّين جذريّيْن لهذه العوائق، لكنهما يحتاجان إلى عمل دؤوب وتقنياتٍ عالية وقرار واضح ومتابعة لهذا الملف. الأول، مهاجمة السيرفرات الرئيسية بشكلٍ مباشر ومتتالٍ بالفيروسات يومياً (حوالي 100 ألف هجمة في الثانية)، عبر حواسيب عالية الجودة، ما يحتاج إلى «هاكرز» محترفين لخرق جدار الحماية قبل الوصول إلى السيرفير المستهدف. والثاني، حجب مواقع وتطبيقات الـ VPN من الشبكة العنكبوتية الرئيسية الواصلة إلى لبنان عبر كايبل الفايبر أوبتيك الرئيسي الذي يمد شركات التوزيع بالإنترنت.
نسخ الرابط :