غداً، ترحّل الإنتخابات البلدية مرة ثالثة إلى العام المقبل. الموعد والنتيجة حدّدهما رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكّد أن الإنتخابات البلدية من دون الجنوب غير واردة. وهذا ما يدرج أي نقاش يخاض خلال إنعقاد الهيئة العامة، في سياق الإستعراضات الكلامية التي توحي بنكهة ديموقراطية لطبخة التمديد، فيما نتيجتها ستكون إسقاط الواقع الإستثنائي الذي فرضته الحرب في الجنوب على مختلف الأراضي اللبنانية، حيث يصبح الإستثناء ذريعة تبرّر خرق مبدأ دورية الإنتخابات وإجرائها في مواعيدها. كل ذلك وسط محاولة وزارة الداخلية النأي بنفسها عن كل خطوة تقرّب الإنتخابات البلدية من تأجيل آخر، في سيناريو مقروء مسبقاً، ولا يتوقع أن يحمل أية مفاجآت.
عملياً، يشكل «بلوك» الثنائي الشيعي مع تكتل «لبنان القوي» الرافعة الأساسية لتمرير قانون التمديد. وعلى عاتق الأخير يقع تأمين نصاب الجلسة وميثاقيتها المسيحية، وقد باتت مشاركة نواب «التيار الوطني الحرّ» وحلفائهم شبه محسومة وفقاً لما نقل عن أوساطه. وإذا كانت وجهة صوت حلفاء هذه الجبهة السنة في المجلس معروفة، فقد حسم النائب وائل أبو فاعور في اتصال مع «نداء الوطن» مسألة مشاركة نواب الحزب التقدمي الإشتراكي في جلسة التمديد أيضاً، مع سعي للتمايز عبر طرح مغاير، ويقضي بتحديد موعد تقني محدد للتأجيل، يكون محصوراً بأشهر قليلة، مشيراً إلى أنّ نواب «التقدمي» سيعرضون هذا الرأي داخل مجلس النواب. ومع عدم تحبيذه الطرح المقدّم لإجراء الإنتخابات في مواعيدها مع استثناء الجنوب، رأى أبو فاعور أنّ الجهوزية للإنتخابات غير متوفرة لدى غالبية الماكينات الإنتخابية، والناس أيضاً «غير مصدقة» بأن هذا الإستحقاق حاصل.
في المقابل، تشكّل «القوات اللبنانية»، الكتائب اللبنانية، والنواب التغييريون رأس حربة معارضة التمديد، فيما ذكر النائب بلال الحشيمي لـ»نداء الوطن» أن جبهة معارضة للتمديد تتحضّر للخروج بموقف موحّد بإسم 31 نائباً، تضم إلى جانب الكتل المذكورة نواب «لقاء تجدد»، الذين سيؤكدون في بيان مشترك بحسب الحشيمي رفض إقرار قانون التمديد، وبالتالي عدم المشاركة في جلسة يوم غد.
ورغم ما ذكر عن توحيد للأصوات المعارضة للتمديد، فإنّ النصاب سيتوفر في الجلسة رقم 30 التي يعقدها المجلس النيابي في ظل ولايته الحالية، وهي ستكون الجلسة الثانية للتمديد للمجالس البلدية خلال هذه الولاية، والجلسة التشريعية الرابعة التي تتم الدعوة إليها في ظل فراغ رئاسي مستمرّ منذ أكثر من عام، هذا في وقت لم تدعَ هيئة مكتب مجلس النواب إلى جلسة إنتخاب جديدة لرئيس الجمهورية منذ 14 حزيران من العام 2023.
لا إنتخاب لرئيس الجمهورية إذاً، ولا للمجالس البلدية والإختيارية. في وقت بدأ التداول بما وصف «بدعة» جديدة قد يلجأ إليها المجلس النيابي خلال جلسة التمديد البلدي إذا أقرّ، وتقضي بالبحث في خيارات تسمح لأعضاء البلديات المنحلة بالعودة عن استقالاتهم. وقد كشف عن مثل هذا التوجّه رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات جهاد الصمد في حديث تلفزيوني، وهو ما إعتبرته مصادر نيابية «ضرباً لكل الأنظمة والقوانين التي ترعى عمل المؤسسات. إلى جانب كونه يشكّل تجاهلاً لكون معظم البلديات المحلولة حلّت نتيجة للخلافات، ممّا يعيد تسليط فئة على أخرى فيها، وبالتالي يستدرج التوترات للمجتمعات المحلية».
وفقاً لمصادر نيابية معارضة للتمديد، فإنّ الحرب لما كانت ستشكّل ذريعة لتعطيل الحياة الديمقراطية في لبنان، لو إلتزمت الحكومة والمجلس النيابي بالمواعيد الدستورية، وأجريت الإنتخابات منذ سنتين. أما الآن فهي قد تبدو سبباً مقنعاً لتأجيل هذه الإنتخابات، وإن كانت القناعة العامة أنها ليست السبب الحقيقي لميل معظم الأطراف السياسية للتأجيل، وسعيها لإبعاد كأس الإنقسامات الأفقية التي قد تتسبّب بها في قواعدها الشعبية. فالحكومة، وفقاً لهذه المصادر، لو كانت جادة بإجراء هذه الإنتخابات لما «نست» تحديد إعتماداتها المطلوبة في الموازنة المقدّمة من قبلها. وبالتالي فإنّ مشروع قانون الموازنة شكّل المؤشر الأول لكون التمديد خياراً متكرراً لهذه الحكومة، حتى لو لم تسع لتقديمه في مشروع قانون حفظاً لماء وجهها، وفضّلت التهيئة له بإقتراح قانون يقدّم عبر مجلس النواب.
تحاول الحكومة إذاً أن تظهر وكأنّها غير معنية بالتأجيل، مشيّعة إلتزامها بكل المهل القانونية المحددة، وآخرها دعوة الهيئات الناخبة لمختلف المحافظات. هذا في وقت تشير فيه المعلومات إلى كونها لم تسع لعقد إجتماع واحد مع المحافظين، أو أقله الدعوة لمجلس أمن مركزي يبحث في مواكبة هذه الإنتخابات. كما أنها لم تبحث في الإمكانيات اللوجستية المتوفرة لديها إلى جانب الكادر البشري الذي سيدير هذه الإنتخابات، من أساتذة وقضاة وسواهم.
غير أنّ الأخطر، وفقاً لمصادر نيابية، ما كشفته حياكة التمديد الثالث من ذرائع إضافية قد تلجأ اليها السلطة لإيقاع الإستحقاق البلدي في دوامة التأجيلات، طالما أنّ الرغبة السياسية بإجرائها غير متوفرة، معتبرة أن أبرز هذه الذرائع ما يتعلق بالحفاظ على التوازن الطائفي بين مسلمين ومسيحيين في مجلس بلدية بيروت.
ولكن إلى أي حدّ يبرّر هذا الميل للتأجيل المستمر للإنتخابات البلدية، التكاسل والإحباط الحاصل على مستوى القاعدة الناخبة والماكينات الإنتخابية التي لم تحرك في مختلف المدن والقرى، إلى جانب غياب الحماس في تقديم الترشيحات من قبل الراغبين بخوض هذا الإستحقاق، ولو على سبيل تسجيل الموقف. فمصادر نيابية نقلت عن وزارة الداخلية أن ثلاثة ترشيحات فقط قدمت للإنتخابات التي يفترض أن تنطلق بدورة أولى لها في جبل لبنان بعد 17 يوماً، وهذا ما يترك إنطباعاً بأن اللبنانيين باتوا في MOOD التمديد الواقع، حتى قبل إقراره، أو ربما غلبهم اليأس من أداء سلطة يصعب مقارعة قدرتها على التعطيل.
وعشية الجلسة، اعلن المكتب السياسي الكتائبي بعد اجتماعه برئاسة رئيس الحزب النائب سامي الجميل رفضه «هذا التعاطي الذي يقوّض الديمقراطية في لبنان»، معتبراً «أن احترام المواعيد هو واجب وطني ملزم للجميع». وأعلن عدم مشاركة كتلة نواب الكتائب في الجلسة «إيماناً منه بالدور الأساسي الذي تلعبه المجالس المحلية في الاستجابة لاحتياجات المواطنين وحفاظاً على ما تبقى من انتظام عام وهيبة الدستور والقانون».
كما اعلن النائب عماد الحوت مشاركته في الجلسة وتصويته ضد قرار التمديد «اذ لا يصح أن نترك الفراغ في عدد كبير من البلديات من ناحية وأن نتجاوز قواعد الديمقراطية في تجديد المجالس بالانتخاب».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :