تأسست شركة ”أستروسكيل“ في عام 2013، وهي تركز على تنظيف النفايات الفضائية وخدمة الأقمار الصناعية في المدارات. وقد أطلقت سلسلة من المهام لإظهار إمكانية تطوير الأدوات لمعالجة مشكلة تبدو مستعصية على الحل.
في عام 1957، أطلق الاتحاد السوفيتي القمر ”سبوتنيك“، وهو قمر صناعي بحجم كرة السلة، والذي أصبح أول جسم صنعه الإنسان يدور حول الأرض. منذ ذلك الحين وعلى مدى العقود السبعة الماضية، تمت عمليات إطلاق لا تحصى للأقمار الصناعية، وأصبح الفضاء المداري لا غنى عنه للاتصالات ومراقبة كوكبنا. ومع ذلك، خلف استكشاف الفضاء للبشرية تراثًا من المنصات الصاروخية المهملة والأقمار الصناعية المعطلة وغيرها من الآثار.
تُعرف هذه ”الشظايا المتناثرة“ بأنها فائقة السرعة، ويفوق عددها 36 ألف شظية، وتشكل تهديدًا للأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية، وغيرها من البنى التحتية الفضائية. وفي حال اصطدام بعضها ببعض، قد تنتج آلاف الشظايا الإضافية، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
في أبريل/ نيسان 2013، كان رجل الأعمال أوكادا نوبو يواجه تحديات في مجال عمله بسبب المنافسة الشرسة في صناعة تكنولوجيا المعلومات، وكان يبحث عن فرص جديدة للأعمال. خلال حضوره لمؤتمر أوروبي يتناول مسألة الحطام الفضائي، شارك في مناقشات حول هذه المسألة وسرعان ما أدرك فرصة التجارة والضرورة البيئية لما يُعرف بـ ”التنظيف المداري“.
وفي غضون أسبوع واحد فقط، أسس شركته الخاصة ”أستروسكيل“، واختار هذا الاسم ليعبر عن أهمية تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. استخدم أوكادا مدخراته الشخصية لبدء الشركة، وسرعان ما شكّل فريق عمل في سنغافورة، ومن ثم قام بإنشاء مركز للبحث والتطوير في اليابان.
إن مهمة تنظيف النفايات الفضائية كانت فكرة جريئة، ولكنها واجهت تحديات كبيرة. يشير أوكادا إلى أن في البداية، لم يكن الكثيرون يدعمون مشروعهم، وكانوا يعتبرون من الصعب جدًا تطوير تقنيات قادرة على استهداف والتقاط الحطام الفضائي، وتحقيق النجاح التجاري، أو التأثير على السياسات الحكومية. ولكن عندما أدرك أنه لا يوجد سوق يعمل في هذا المجال، فهذا دفعه للاستمرار في سعيه والعمل نحو تحقيق هدفه.
تعد أكوام النفايات الفضائية الهائلة، التي تتكون من أجزاء الصواريخ والأقمار الصناعية وشظايا أخرى متناثرة في الفضاء - تقدر وكالة الفضاء الأوروبية كتلتها بأكثر من 9300 طن متري- فرصة تجارية هامة. ويرجع ذلك إلى أن العديد من الخدمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية تعتمد بشكل كبير على الأقمار الصناعية، مثل توقعات الطقس، نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، صور الأقمار الصناعية المستخدمة في المراقبة الزراعية، والأمن القومي، وهذه مجرد أمثلة على الخدمات التي تعتمد على الأقمار الصناعية والتي تعتبر حيوية للكثير من القطاعات.
وبالتالي، تعتبر هذه الأكوام فرصة لتقديم الحلول التجارية لمشاكل مثل الإدارة الفضائية، وتنظيف الفضاء، وتطوير تقنيات التعقب والاعتراض في الفضاء.
تشمل الخدمات الأخرى التي تعمل على تطويرها شركة أستروسكيل تنظيف الحطام الفضائي الكبير، مثل المراحل الصاروخية العلوية المستخدمة في مركبات الإطلاق، وتوفير تحليل لحركة الأجسام الموجودة في المدار، وإطالة عمر الأقمار الصناعية المستقرة بالنسبة إلى الأرض. ويُعتقد أن هذه الأنشطة يمكن أن تحقق إيرادات تصل إلى أكثر من 4 مليارات دولار بحلول عام 2028، وفقًا لتقديرات مستقلة استشهدت بها الشركة الناشئة.
ومن خلال بدء عمليات التشغيل، يسعى أوكادا إلى جعل أستروسكيل ليست مجرد شركة لتنظيف الفضاء، بل أيضًا مزودًا لخدمات الأقمار الصناعية. وباستخدام التكنولوجيا المناسبة، يمكن التقاط الحطام الفضائي ووضعه على مسار مداري ليحترق بأمان في الغلاف الجوي للأرض، بالإضافة إلى صيانة الأقمار الصناعية القابلة للاستخدام لتمديد عمرها.
ويقول أوكادا: ”هدفي هو جعل الخدمة روتينية في المدار بحلول عام 2030. فعندما تزدحم الطرق السريعة على الأرض نتيجة للحوادث أو ينفد الوقود من السيارات، لا نطلب من السائقين أبدًا التوقف عن القيادة. بل نعمل على تحسين قواعد المرور والمراقبة وخدمات الطرق لضمان استدامة مرور السيارات. ونحن بحاجة إلى نفس الشيء بالضبط في الفضاء. فصناعة الفضاء تتمتع بثقافة التخلص من النفايات، حيث يتم الاستخدام لمرة واحدة فقط ثم التخلص من المواد والأجسام، ولهذا السبب لا يتم إعادة تدوير المركبات الفضائية، أو إعادة استخدامها، أو نقلها، أو إعادة تزويدها بالوقود، أو إزالتها. لذلك كان مهد شركة أستروسكيل لسد هذه الفجوة.“
تم تحقيق إحدى الخطوات الرئيسية على الطريق نحو هذا الهدف في عام 2021، عندما أطلقت أستروسكيل مهمة ”إليسا-دي“، أو ”خدمات نهاية الحياة من قبل أستروسكيل“ من خلال عرض تجريبي للشركة، وهي مهمة لإظهار أن التقاط الحطام الفضائي في المدار أمر ممكن. حيث تم إطلاق قمر صناعي مع جسم يبلغ وزنه 17 كيلوغرامًا كمحاكاة للحطام بالحجم الطبيعي. ثم تم فصل الجسمين في الفضاء، ثم أطلق القمر الصناعي قضيب مغناطيسي كبير والتقط الحطام الوهمي عن طريق تثبيته على لوحته المغناطيسية. لقد كان العرض ناجحًا، وبعد ذلك تم وضع المركبة الفضائية والحطام على مسار الهبوط مما سيؤدي إلى احتراقهم في الغلاف الجوي للأرض.
وفي فبراير/ شباط 2024، أطلقت أستروسكيل ما وصفته بأول مركبة فضائية لفحص الحطام الفضائي في العالم، وأطلقت عليها اسم ”إزالة الحطام النشط من قبل أستروسكيل اليابان“، أو (ADRAS-J). وتعمل هذه المركبة ضمن إطار برنامج تجريبي لإزالة الحطام التجاري التابع لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية، ويمثل أول محاولة للاقتراب من قطعة كبيرة من الحطام الفضائي الموجود ودراستها، وهي المرحلة العليا من صاروخ (إتش تو إيه) الياباني الذي تم إطلاقه في عام 2009. وباستخدام المعرفة المتراكمة لدى أستروسكيل في عمليات الالتقاء والاقتراب، ستقترب المركبة من الجسم وتلتقط صورًا له لدراسة حالته وحركته كخطوة أولى في عملية التعامل بشكل أفضل مع هذا الحطام.
تدور المرحلة العلوية على ارتفاع حوالي 600 كيلومتر فوق الأرض وبسرعة تقارب الـ 8 كيلومترات في الثانية، ويبلغ طولها تقريبًا 11 مترًا وتزن حوالي 3 أطنان. وبالإضافة إلى كونها كبيرة وسريعة، فهي أيضًا غير مجهزة بأي نظام، مما يعني أنها جسم غير متحكم فيه ولا يرسل بيانات الموقع أو يحتوي على أدوات مساعدة مرئية للسماح بالرسو سواء للتشغيل أو الإزالة. وقد انتهى عمل الفريق الذي يدير (ADRAS-J)، حيث سيتعين عليه وضع المركبة الفضائية بعناية بالقرب من مرحلة الصاروخ وتجنب الاصطدامات.
ويقول كريس بلاكربي، مدير مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للعمليات في شركة أستروسكيل: ”هذه خطوة تدريجية نحو تحقيق رؤيتنا. لقد استأجرتنا وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) لإثبات قدرتنا على الاقتراب من مرحلة الصاروخ وتصويرها، وقياس ومطابقة دورانها. والمرحلة التالية هي الذهاب إلى نفس الجسم، والإمساك به بذراع آلية، وإبعاده عن الطريق.
لقد انتهت شركة أستروسكيل مؤخرًا من إنشاء مكتبًا رئيسيًا جديدًا في منطقة كينشيتشو بطوكيو مجهزًا بمساحة نظيفة كبيرة لتجميع المركبات الفضائية، ومركز للتحكم في المهمات، ومساحة مكتبية مصممة لتبدو وكأنها سطح سفينة فضائية، مع غرف مؤتمرات تحمل أسماء مدارات مختلفة حول أرض. وهناك أيضًا منطقة عرض لتحسين فهم دور الأقمار الصناعية، والزوار مدعوون لمحاولة التقاط الكرات الصغيرة التي تحاكي الحطام الذي يدور حول نموذج الأرض المضغوط بالهواء. والأمر برمته جزء من محاولة الشركة لتشجيع الاستخدام المستدام للفضاء.
على الرغم من عدم وجود معاهدة دولية لوقف الحطام الفضائي، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة نشروا مبادئ توجيهية للتخفيف من تفاقم المشكلة. وتدعو ”قاعدة الـ 25 عامًا“ إلى أن يكون عمر المركبات الفضائية في المدار الأرضي المنخفض قصيرًا قدر الإمكان، ولكن ليس أكثر من 25 عامًا بعد اكتمال المهمة، وبعد ذلك يجب إخراجها من المدار. ومؤخراً، قامت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية ووكالة الفضاء الأوروبية بتقصير المبادئ التوجيهية الخاصة بهما إلى خمس سنوات. وتعكس هذه السياسات أهمية الحفاظ على الفضاء وتظهر أن التفكير في الصناعة قد تطور، وفقًا لكلام بلاكربي.
ويقول: ”على المستوى العام، نحن نتحرك نحو التحول. لقد ولدت في أوائل السبعينيات، بعد وقت قصير من أول يوم للأرض. نحن لسنا بعيدين تمامًا عن تلك العقلية التخريبية عندما يتعلق الأمر بكيفية اهتمامنا بالبيئة. ولكن عندما ننظر إلى فترة الجيلين السابقين تقريبًا، فإن الفكر الذي يدعو إلى الحفاظ على البيئة أصبح قوي. والعقلية المتعلقة بالتقدم مع ضمان المسؤولية تجاه الأجيال القادمة أصبحت الآن أكثر رسوخًا مما كانت عليه عندما كنت طفلاً.“.
أما بالنسبة لمؤسس أستروسكيل أوكادا، فهو لا يكتفي بالنجاحات التي حققتها الشركة في مهامها.
ويضيف ”بحلول عام 2030، سيكون الفضاء أكثر ازدحاما بكثير، وسنحتاج إلى خدمة الطرق الفضائية. نحن رواد هذه التقنيات، وقد يكون هذا أمر مبالغ فيه، ولكن بدون أستروسكيل، من يستطيع القيام بذلك؟ علينا أن نبادر سريعًا. وإلا فلن يتمكن أحد من الاستمتاع بفوائد الفضاء الرحب“.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :