التعبئة العمياء في الأوساط السياسية والحزبية والشعبية لفريق القوات اللبنانية، تهدّد بانفجار أهلي حقيقي ما لم تبادر القيادات المرجعية في الشارع المسيحي إلى خطوات عملية تضع حداً لخطاب التحريض المنفلت، خصوصاً أن بيان «القوات» الذي صدر بعد الإعلان أمس عن مقتل المخطوف باسكال سليمان، وتصريحات النواب القواتيين، أظهرت نية الاستمرار في الاستغلال السياسي لحادثة تشير معطيات التحقيق إلى أن خلفيتها جنائية، حتى ولو كان الضحية مسؤولاً حزبياً.والقلق على السلم العام مردّه ليس فقط إلى سلوك أنصار القوات على الأرض ليل أمس وأول من أمس، وتعرّضهم للأبرياء على الطرقات في أكثر من منطقة، بل إن قيادة القوات تعتبر ما حصل مناسبة لتحريض على مزيد من الانقسام الداخلي على خلفية طائفية، مع سعي محموم إلى تكرار تجارب الماضي غير البعيد والتي أدّت إلى خراب الهيكل مرات كثيرة. وتحسن هنا الإشارة إلى ما قاله سمير جعجع صراحة في مقابلة تلفزيونية أخيراً بأن «المسيحيين بخير طالما أنهم في مواجهة الشيعة»!
وفيما تسارعت الاتصالات بين الأقطاب المسيحيين ليلاً لاحتواء الموقف، بدا لافتاً أن البطريركية المارونية، بشخص البطريرك بشارة الراعي، معنية بلعب دور مزدوج، أحدهما يتعلق بالضغط على الجيش اللبناني للتصرف بحزم مع قاطعي الطرقات وعدم تكرار تجارب تظاهرات 17 تشرين، والثاني الحديث المباشر مع القوى السياسية المعنية، خصوصاً القوات اللبنانية، بأن الدفع نحو صدام أهلي لا يؤمّن الأمن والسلام للمسيحيين ولا لبقية اللبنانيين. علماً أن الاتصالات التي جرت خلال الساعات الماضية مع قيادة الجيش أظهرت حرصه على «القيام بكل ما يلزم لمنع أي صدام أهلي مهما كانت الكلفة».
وكانت لافتة أمس صراحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اتهامه فريق القوات بالوقوف خلف مشروع فتنة وحرب أهلية في لبنان، بعد مشاورات على أكثر من صعيد سياسي وأمني وعسكري مع الجهات المعنية في الدولة، للقيام بخطوات تحتوي الأزمة وتمنع توسعها، سيما أن الجميع يعيش مناخات مضطربة ربطاً بما يجري في المنطقة، خصوصاً أن قائد القوات سمير جعجع يواصل رهانه على ضربة إسرائيلية قال مراراً إنها «حاصلة حتماً في نيسان الحالي» ستقضي على حزب الله.
وفي انتظار انكشاف كامل تفاصيل التحقيقات الجارية مع الموقوفين لدى استخبارات الجيش اللبناني، فإن ما رشح من معطيات أكّد أن المجرمين هم أعضاء في عصابات ناشطة في أكثر من منطقة لبنانية، تستغل الفوضى العامة للتحرك بين المناطق اللبنانية وعلى جانبي الحدود مع سوريا. كما أكّدت معطيات جهات التحقيق أن المشتبه في تورطهم بالجريمة لا معرفة مسبقة لهم بالضحية ولا تعامل مسبقاً لهم معه.
القوات تسحل سوريين والأمن السوري سلم استخبارات الجيش المتهمين الثلاثة
وبحسب التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش، أثناء مغادرة باسكال سليمان من واجب عزاء في بلدة الخاربة، اعترضت طريق سليمان لدى عودته من تقديم عزاء في بلدة الخاربة سيارة «هيونداي أكسنت» بيضاء تقل أربعة مسلّحين، وأنزلوه من سيارته وضربه أحدهم بـ«كعب» مسدس لدى محاولته مقاومتهم، ما أدى إلى وفاته على الفور. عندها وضعوه في صندوق السيارة، وتوجّهوا إلى القلمون حيث أنزلوا أحدهم في فندق في القلمون ليتولى لاحقاً ركن سيارة الهيونداي التي يستخدمونها في عمليات السطو على الكورنيش البحري، فيما توجّه الثلاثة الباقون إلى سوريا عبر دير عمار وجرود الضنية - الهرمل، وبعدما قطعوا الحدود تخلّصوا من الجثة.
وأفادت التحقيقات بأن العصابة هي واحدة من عصابات كثيرة تنشط في مناطق المتن وكسروان وجبيل لسرقة السيارات ونقلها إلى رؤوس عصابات محترفة على الجانب الآخر من الحدود، ويتولى هؤلاء الاتصال بأصحابها وطلب أموال مقابل إرجاعها. كذلك تبيّن أن الرأس المدبر للخاطفين هو السوري بلال محمد دلو الذي اعتدى بالضرب على الضحية. كما أكدوا أنهم لم يكونوا يعرفون الضحية وأنهم استهدفوه كونه كان وحيداً في السيارة.
وعلمت «الأخبار» أنّ الفرع التقني في استخبارات الجيش عمل على تتبع داتا الاتصالات بعد العثور على هاتف سليمان أول من أمس، وتمكن من رصد رقم هاتف في منطقى القلمون كان ناشطاً في المنطقة التي اختطف فيها الضحية، ما قادهم الى توقيف أحد أفراد العصابة الذي أعطى أسماء شركائه. كما أن المدعو أحمد ن. الذي يعمل في التهريب عبر أحد المعابر تواصل مع استخبارات الجيش فور تفاقم القضية، وأفاد بمعلومات حول أسماء الخاطفين الذين دفعوا له لتمرير السيارة إلى الداخل السوري. وبعد التواصل مع الأمن السوري أُوقف الثلاثة واعترفوا بأن باسكال «مات معنا ورمينا جثَته على الطريق». وأشارت المصادر إلى أن الموقوفين الأربعة، إضافة إلى اثنين آخرين تم توقيفهم، أصحاب سوابق في سرقة السيارات بقوة السلاح وتهريبها إلى سوريا.
وفور ورود الخبر عن العثور على جثة سليمان، سيطر التوتر على منطقة جبيل حيث نصب مناصرو القوات اللبنانية خياماً على الأوتوستراد واعترضوا السيارات التي تحمل لوحات سورية والمارة من السوريين. وانتشرت فيديوات عن عمليات ضرب وسحل لشبان سوريين في زوق مصبح وبرج حمود والدورة وغيرها. وأفيد عن انتشار مناصري القوات في عدد المناطق كزحلة وعاريا وقطعهم للطرقات.
وعزّز الجيش وحداته التي كان قد نشرها منذ أول من أمس في المناطق المصنّفة «خطوط تماس» بين البلدات الجبيلية المسيحية والإسلامية، وكذلك على الطريق الفاصل بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، تحسباً لأي تشنجات. وقالت مصادر أمنية إن القيادة أعطت تعليماتها باستيعاب حالة الغضب في صفوف مناصري القوات في أي مكان يتم فيه تنظيم تحركات احتجاجية، وسط «توجّه لتفادي الاحتكاك غير المحبّذ في مثل هذه الحالة مع الناس».
ويعقد وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن الداخلي المركزي صباح اليوم، لمناقشة الأوضاع الأمنية إثر مقتل سليمان، على أن يتوّجه كل من مولوي وقائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الصرح البطريركي لوضع الراعي في أجواء التطوّرات.
نسخ الرابط :