تكرّر الحكومة ما وقعت فيه الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف في إدارة القطاع العام، ويشاطرها في ذلك المجلس النيابي تحت عنوان "الشعبوية" للإبقاء على المواطنين تحت عباءة نواب الأمة ووزرائها.
من هذه الشعبوية المدمّرة انبثق ما يسمّى بتوزيع المنافع على الأزلام، تارةً من خلال تعيين أعداد كبيرة من الموظفين لا تحتاجهم الادارة العامة وتارة بالتعاقد مع عشرات الآلاف خارج امتحانات مجلس الخدمة المدنية. ذلك كلّه أتى على حساب أصحاب الكفاءات من الموظفين، الذين لو عملوا في القطاع الخاص لكانوا من النخبة، ولتحسنت أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية أضعافاً مضاعفة.
بيد أن أخطر من انبثق عن الشعبوية، هو الاستنسابية في التعامل مع شرائح القطاع العام، من خلال إرضاء قطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى خارج النظام والقانون، وذلك تحت وطأة الإضرابات وشلّ المؤسسات، والخوف من نقمة المواطنين على عرقلة أمورهم الحياتيّة والمعيشيّة.
يتكرّر المشهد اليوم مع استنسابية الحكومة في زيادة الأجور لموظفي القطاع العام ومتقاعديه، وكأنّها لم تتعلم شيئاً من تجارب الماضي، فبعد أن عمدت إلى تقديم حوافز لكلّ من القطاع التربوي والسلك القضائي لثنيهما عن مواصلة الإضراب، ها هي اليوم كما ورد في بعض وسائل الإعلام، تقدّم حوافز أخرى لموظفي وزارة المالية ورئاستي الجمهورية والحكومة، ومجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب والتفتيش المركزي... ، فيما تعتمد اسلوب المماطلة والتسويف مع مطالب باقي القطاعات، والمتقاعدين، عسكريين ومدنيين، عارضةً عليهم الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في ظلّ هذه الأزمة المعيشيّة الخانقة، إذ لا تكفي الرواتب والمعاشات التقاعدية لسداد جزء من الرسوم والضرائب والخدمات الحياتية التي تضاعفت عشرات المرّات.
من هنا، يأتي تصاعد غضب العسكريين المتقاعدين وإنذارهم الحكومة باللجوء إلى العصيان العام في حال عدم الاستجابة لمطالبهم في نهاية هذا الإسبوع.
العسكريون المتقاعدون لا يطلبون شيئاً لأنفسهم من دون الآخرين، بل يطالبون الحكومة بالتزام القانون والعدالة في توزيع زيادات الأجور على الموظفين والمتقاعدين وفق الأسس الآتية :
- إلغاء جميع الحوافز التي أعطيت لبعض القطاعات الوظيفية.
- إلغاء الرواتب والمعاشات الاضافية.
- توزيع الكتلة المخصّصة للرواتب والأجور في موازنة العام ٢٠٢٤ مع رفع قيمتها من خلال احتياط الموازنة أو سلفات خزينة، وذلك بتطبيق قاعدة النسبية على الرواتب والمعاشات الحالية المحدّدة في سلسلة الرتب والرواتب.
- انصاف ذوي الفئات الوظيفية الدنيا من خلال وضع حد أدنى للرواتب يكفل لهم العيش المقبول.
- وضع خطة لزيادة الرواتب والأجور تدريجياً، وفق تحسن مداخيل الدولة، بما في ذلك زيادة نسبة قيمة الرواتب والأجور في الموازنات المقبلة، بسبب الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها موظفو القطاع العام.
في الخلاصة، كما يتوجّب على الحكومة التزام القانون والعدالة في زيادة الأجور لموظفي القطاع العام ومتقاعديه، على جميع القطاعات الوظيفية أيضاً الابتعاد عن المطالبة بالاستنسابية لنفسها، وعدم اللجوء إلى الإضرابات لتحقيق مكاسب خاصة، لأن هذين النهجين شريكان في تخريب القطاع العام، فهل تراجع الحكومة حساباتها، وتتخذ خطوات شجاعة في هذا الشأن قبل وقوع المحظور؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :