يفترض أن نعلم، ونحن في مواجهة محورية، ان لم تكن مواجهة وجودية مع "اسرائيل"، الى أين انتهت في مجال الحرب السيبرانية، وقد لاحظنا كيف أن المخالب الالكترونية تضرب حتى المفاعلات النووية في ايران، والآن ترصد قيادات ميدانية في المقاومة، وتضرب المنازل أو السيارات التي تتواجد فيها هذه القيادات . لكن المؤكد أن وسائل الرد، وكذلك الوسائل الوقائية دقيقة وفعالة ومؤثرة، والا لكانت النتائج أكثر خطورة بكثير.
أعيد التذكير بأن الرئيس رونالد ريغان (1981 ـ 1989 ) الذي كان يسعى الى التفوق الاستراتيجي "المطلق" على الاتحاد السوفياتي، أطلق برنامج "حرب النجوم" بانشاء منصات فضائية تبث اشعة اللايزر، أو الجزيئيات الالكترونية، لتدمير أي صاروخ عابر للقارات من أي مكان في العالم خلال 7 أو 8 ثوان .
آنذاك، وفي صيف 1981 حط المدير التنفيذي للبرنامج الجنرال جيمس أبرامستون في "اسرائيل"، ليوقّع معها على تصنيع بعض الأجهزة الخاصة بالبرنامج . حصل هذا منذ أكثر من أربعة عقود، وعلينا أن نتصور الى أين وصلت الدولة العبرية في الصناعات الاكترونية، وأي نوع من العلماء بات لديها في هذا القطاع .
واذا كان التعاون بين واشنطن و"تل أبيب" في مجالات تكنولوجية والكترونية حساسة على قدم وساق، مع استقطاب "تل أبيب" لأهم الشركات الالكترونية العالمية للعمل على أراضيها، هناك علماء يهود في دول مختلفة على تواصل معها . للمثال، حين اخترع العالم الأميركي صمويل كوهين عام 1979 القنبلة النيوترونية، التي تقضي على الكائنات الحية دون الأشياء، تردد أن تصميم القنبلة وصل الى مناحيم بيغن قبل أن يصل الى جيمي كارتر .
الحدث الالكتروني المدوي، وقد أثار أكثر من فضيحة في مجال التجسس، هو نظام "بيغاسوس" الذي كان لافتاً أن "الاسرائيليين" لم يأتوا باسمه الذي يعني الحصان المجنح من الميتولوجيا العبرية، وانما من الميتولوجيا الاغريقية .
النظام يخترق الهواتف النقالة لمسؤولين ولناشطين سياسيين ومعارضين من شتى أنحاء العالم، وقد صنعته وطورته شركة "ان. اس. أو ـ غروب (NSO GROUP ) الاسرائيلية"، وبيع الى دول عدة بينها دول عربية، ليهتز الرأي العام العالمي حين كشفت منظمة "هيومن ووتش رايت" مطلع عام 2022، الآثار المروعة لذلك النظام . حتى أن الولايات المتحدة وضعت الشركة على اللائحة السوداء، بعدما لاحظت أن 11 مصدراً حكومياً أميركياً في أوغندا كانوا هدفاً للتعقب بواسطة تلك البرمجة .
من الطبيعي أن يكون هذا البرنامج، كواحد من أكثر البرامج التجسسية خطورة وتعقيدا، قد استخدم في لبنان بالرغم من الجهود الهائلة وبامكانات محدودة، التي تبذلها المؤسسات الأمنية . ولكن حين تكون التشققات السياسية والطائفية على ذلك المستوى من الخطورة، لنبدو داخل دولة عارية، لا بد أن نكون أمام ثغرات بنيوية تنفذ منها العيون الصفراء .
عملاء "الموساد" وراء أبواب كثيرة، وتحت قبعات كثيرة، في بلد يفتقد الحد الأدنى من الرؤية الاستراتيجية، وحيث العشوائية تحكم كل مفاصل حياتنا. من هنا السؤال الرهيب ... أي داخل لبناني اذا اندلعت الحرب؟
ولقد كان صادماً أن المسيّرات "الاسرئيلية" تلاحق وتضرب سيارات بعينها في الجنوب، أو في جبل لبنان، أو في الضاحية، وان كنا قد لاحظنا أن شيئاً ما حدث في الأيام الأخيرة، وجعل المسيّرات تخطئ أهدافها.
لكن الصدمة التي ضربت "عظامنا"، كما قالت "يديعوت أحرونوت" أنه بالرغم من كل ذلك التطور الالكتروني، فوجئت أجهزة الاستخبارات بـعملية طوفان الأقصى . لم تكتشف صوامع الصواريخ ولا شبكات الأنفاق التي استغرق حفرها سنوات وسنوات، وهي التي كانت تعتمد على منظومة مترامية من الجواسيس، الذين جرى تدريبهم على مراقبة "حتى حركات القطط" في حيّز جغرافي محدود وتحت الحصار .
هذا يعني أن بالامكان مواجهة التسونامي الالكتروني "الاسرائيلي" أو خداعه والالتفاف عليه، بعدما اعترف رئيس سابق لـ "الموساد" يوسي كوهين بأن اهتزازاً خطيراً حدث في أجهزة الاستخبارات التي طالما حيكت حولها الأساطير، بدخولها الى غرف نوم القادة العرب .
لكن غرف نوم القادة شيء، وخنادق المقاومين شيء آخر . غزة مثالاً ...
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :