في مسار الصراع التقني والتكنولوجي المحتدم بين واشنطن وبكين، وعلى خلفية العقوبات الأمريكية على شركة هواوي الصينية، وصعود الأخيرة المفاجئ خلال 2023م، تثار أسئلة محورية إزاء الكيفيات التي مكنت “هواوي” من استعادة حضورها في السوق العالمية والمحلية، وكيف صمدت أمام الخسائر المليارية التي لحقت بها، إثر العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في مايو 2019م؟ ولماذا أصبحت الشركات الأمريكية هي من تطالب الإدارة الأمريكية بإلغاء العقوبات أو على الأقل تخفيفها؟ وما أهمية السوق الصينية بالنسبة لتلك الشركات؟
غير أن التساؤلات الأهم قبل ذلك هي: من هي شركة هواوي ؟ وما طبيعة التكنولوجيات التي حظرتها عليها أمريكا؟ ولماذا؟
في سطور هذه القصة الصحفية التي أعدها موقع “يمن إيكو” تجدون الإجابات كاملة.
شركة هواوي .. البداية والنهوض السريع
هي شركة صينية اسمها تيكنولوجيز ليميتد كو، اتخذت من مفردة هواوي -التي تعني “التميز الصيني” أو “عمل رائع”-علامة تجارية لها. أسسها رجل الأعمال الصيني “رن تشانغ فاي” في 1987م لتصنيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإلكترونيات الاستهلاكية، ومقرها في شنجن، غوانغدونغ، بجمهورية الصين.
ومنذ تأسيسها أخذت مسارها في التطور السريع عبر التسعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة، لكن التحولات الأهم لـ هواوي بدأت في العام 2013م عندما أطلقت سلاسل متلاحقة من أجهزة الهواتف الذكية، كاشفة عن سلسلة هاتف الـ4G “هواوي” أسيند (P1 LTE)، الذي يتميز بشاشة 6.1 بوصات والتي تعتبر أكبر شاشة في العالم، وأول هاتف ذكي يعمل بنظام ويندوز فون8 ثم هاتف أسيند دي2((D2، الذي وصف بالهاتف الذكي الرائد الذي يتميز بشاشة (HD 443 PPI Super Retina) بحجم 5 بوصات، ثم أطلقت الجيل الجديد “هواوي” أسيند (P6) في لندن، وهو أحد أنحف الهواتف الذكية في العالم، وفي العام نفسه قدمت هواوي شركة Honor العلامة التجارية المستقلة التابعة لها في الصين، وحتى نهاية 2014م حصلت “هواوي” على 3,442 براءة اختراع ليتم تصنيفها المزود الأول والرائد للبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والأجهزة الذكية في العالم.
ولأن عدد سكان الصين يصلون إلى 1.4 مليار نسمة، فإنها تعد أكبر أسواق الهواتف في العالم، بل والسوق الأفضل، حيث تتميز بمستويات معيشة جيدة، وطبقة متوسطة واسعة، فقد أضحت وجهة تتنافس عليها الشركات الأجنبية، وبالذات الأمريكية، رغم قوة شركة آبل الأمريكية وانتشارها العالمي، إلا أن “هواوي” استحوذت خلال الفترة 2013- 2018 على ما نسبته 24% من المبيعات في السوق الصينية مقابل 9% لشركة آبل الأمريكية، وفق ما أكده الخبير مصطفى الصعيدي على قناته على يوتيوب “اقتصاد الكوكب”.
وتشير التقارير إلى أن شركة “هواوي” باعت في 2018 نحو 200 مليون هاتف ذكي، لتحقق إيرادات بلغت مع نهاية العام نحو 105.1 مليار دولار، بصافي أرباح بلغت 8.7 مليار دولار، وفي 2019 بلغت إيراداتها إلى 113 مليار دولار بزيادة أرباح بلغت نسبتها 24% عن 2018م ثم زادت لتصل 122 مليارا في 2020 وكانت تمتلك حصة سوقية قدرها 18%، وفق تقرير نشرته منصة “البوابة نت” (منصة متخصصة بعالم الشرق الأوسط).
ما هي التكنولوجيا التي حظرتها واشنطن على “هواوي”؟ ولماذا؟
وعلى مدى سنوات تطورها المتسارع، أصبحت “هواوي” شركة عالمية كبرى لا غنى عن خدماتها في البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في أكثر من 170 دولة بما فيها أمريكا وأوروبا، الأمر الذي جعلها عرضة لحرب أمريكية شرسة، تطورت في العام 2018م إلى اتهام شركة “هواوي” بالإضرار بالأمن القومي الأمريكي، من خلال معدات شبكة (5G) الصينية، وعلى خلفية تلك المزاعم ألقت الشرطة الكندية في 1 ديسمبر 2018م القبض على نائب رئيس شركة “هواوي” ازانزهوا والمديرة المالية مانغ رن تشانغ فاي ابنة المؤسس الأول لـهواوي ، في كندا بناءً على طلب من السلطات الأمريكية.
وفي 28 يناير 2019 وجهت النيابة الفيدرالية الأمريكية رسميًا لهما 13 تهمة، وفي 15 مايو 2019 وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمر التنفيذي بشأن تأمين سلسلة التوريد والخدمات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي بموجبه وضعت وزارة التجارة الأمريكية شركة “هواوي” و70 شركة تابعة لها تحت قائمة حظر تعامل الشركات الأمريكية والغربية مع “هواوي”، ومنع دخول معدات “هواوي” المتعلقة بالبنية التحتية لقطاع التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات إلى أمريكا بحجة انها تخترق الامن القومي، وجمدت الشركات الأمريكية جوجل وبرودكوم وإنتل وكوالكوم ومايكروسوفت وإكس لينيكس.
الأخطر تمثل في منع وصول تكنولوجيا إنتاج الرقائق الإلكترونية الموصولة بشرائح وبطاريات الهواتف الذكية، وفرض عقوبات على الشركات التي تحاول تزويد “هواوي” بتكنولوجيا الرقائق الالكترونية المتقدمة كآلة الطابعة الحجرية EUV التي تنتج شرائح ذات معالجات بتقنية 3 نانومتر التي لا تصنعها في العالم وبكفاءة عالية وكميات كبيرة وسعر منافس، سوى شركتي:TSMC التايوانية، وSAMSUNG الكورية، اللتين تحظر عليهما العقوبات الأمريكية تصنيع شرائح لـ “هواوي”، كما منعت عمل الخبراء من أصل أمريكي مع الصين.
وتعد آلة أو طابعة EUV من الطابعات النادرة في العالم، ومن الصعب بمكان الحصول قطع غيارها، حيث تصل قيمة القطعة الواحدة منها إلى 200 مليون دولار وتبيعها شركة عالمية واحدة فقط هي شركة ASML الهولندية التي تحتكر هذه الآلة، وفي الوقت نفسه تتعرض لضغوط أمريكية كبيرة بعدم التعامل مع “هواوي”، وألَّا تبيع للصينيين سوى الآلات القديمة DUV التي تعمل بفجوة تقنية عن EUV تتراوح بين 7-10 سنوات.
الفارق الأهم في تقنية طابعتي: EUV وDUV يتمثل في أن الأولى تنتج معالجات للبطاريات بتقنية 3 نانومتر، تجعلها تستهلك طاقة أقل، وتدوم لفترة أطول، ويتم إنتاجها بكفاءة أعلى وخطوات أقل تصل إلى 9 خطوات، بينما الثانية (القديمة) تنتج معالجات بتقنية لا تزيد عن 14 نانومتر، وتعمل بكفاءة أقل، وخطوات أكثر تصل إلى 34 خطوة، وكلفة أكبر، ما دفع المستهلكين في السوق الصينية إلى التخلي عن هواتف “هواوي” لصالح هواتف سامسونج أو أبل، التي تحتوي على معالجات بتقنية 3 نانومتر، وتبعاً لذلك خلقت العقوبات فجوة تقنية بين الصين وأمريكا، تقدر بعشر سنوات.
وتبعاً لذلك بلغت خسارة الشركة السنوية الناجمة عن العقوبات ما يقرب من 30 مليار دولار، في قطاع الهواتف فقط، فيما انخفضت أرباحها خلال 2020-2022م 70%، لصالح شركة آبل الأمريكية التي بلغت أرباحها في الفترة نفسها 74 مليار دولار. وفقاً لما نقلته جريدة نيويورك تايمز عن رئيس الشركة إيريك إكسيو زيجون.
كما أدى ذلك إلى تفوق آبل على “هواوي” في السوق الصينية بنسبة 19% مقابل11% لـ “هواوي”، بعد أن كانت “هواوي” تستحوذ- حتى مطلع 2021م- على 24% من السوق الصينية مقابل 9% لآبل، وفق خبراء قناة اقتصاد الكوكب.
التحول إلى التعافي المفاجئ والصادم
“القيود الأمريكية باتت الوضع الطبيعي بالنسبة لنا حاليًا، ونعود إلى العمل كالمعتاد”.، هذا ما قاله الرئيس الدوري لـ “هواوي” إريك شو، في رسالة وجهها لموظفي الشركة بمناسبة دخول العام الجديد 2023 ووزعت على وسائل الإعلام، وفق ما قالته رويترز.
الجديد في هذه الرسالة أن شو أفصح عن نمو إيرادات الشركة لعام 2022 بنسبة 0.4% في تحول إيجابي يعد هو الأول منذ سريان العقوبات الأمريكية على “هواوي” في 2019م. وأعرب شو- في رسالة الشركة السنوية- عن تفاؤله إزاء آفاق الشركة وحركة إيراداتها المتنامية خلال العام الجديد التي رجح شو أن تقترب في نهاية 2023م إلى 100 مليار دولار”.
يكمن سر هذا الإعلان- الذي كان مفاجئا وصادماً لأمريكا لأنه جاء وسط استمرار العقوبات المشار إلى تفاصيلها سابقاً- في أن الشركة رغم الخسائر ركزت على رفع ميزانية البحث والتطوير فأنفقت خلال 2020-2022م نحو 23.8 مليار دولار، واستقطبت مهندسين من كوريا وتايوان، وعمَّقت شراكتها مع الشركة المحلية “SMIC” المصنعة لشرائح بمعالج تتراوح قدرته بين 10-14 نانو متر، حيث عمل مهندسو “هواوي ” و”SMIC” بشكل متواصل على تطوير آلات الطباعة القديمة DUV وبما يمكنها من إنتاج شرائح متقدمة، يتوفر فيها المعالج المتفوق “كيرين 9000 إس” الذي يعمل بتقنية “7 نانومتر”، وهو أول معالج يستخدم هذه التقنية الأكثر تقدماً، إذ أكدت اختبارات السرعة بأن هاتف “ميت 60 برو” قادر على سرعات تنزيل تتجاوز تلك الموجودة في هواتف الجيل الخامس من الإنترنت، التي تمكن المستهلك من عمل اتصالات عبر الأقمار الصناعية. وفق ما أكده الخبير الاقتصادي مصطفى الصعيدي على قناته في اليوتيوب “اقتصاد الكوكب”.
ويتوقع خبراء “اقتصاد الكوكب” بأن هذه الطابعة القديمة التي طورتها الصين ستصل إلى إنتاج معالجات بتقنية 5 نانومتر، غير أن الأهم في هذا السياق، هو أن هناك شركة صينية جديدة، اسمها SMEE أصبحت تنافس الشركة الهولندية وتحاول تصنع آلات إنتاج الشرائح المتقدمة.
وفي أغسطس 2023م، ودون إعلان رسمي كعادة شركات التكنولوجيا العالمية، باشرت شركة “هواوي” بيع هاتفها الذكي الجديد Mate 60 Pro عبر الإنترنت دون ضجيج إعلاني دعائي، ومع ذلك نفد المعروض منه في غضون ساعات وابتهجت الصين فخراً بالإنجاز الوطني، الذي تزامن مع زيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو إلى بكين.
شركات أمريكية تطالب بإلغاء العقوبات.. لماذا؟
بعد إطلاق “هواوي” لهاتفها الذكي الأحدث، أعربت واشنطن عن مخاوفها بشأن هذا التقدم التكنولوجي الصيني، متعهدة بالتحقيق في القضية، فيما أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن هذا الهاتف يمثل اختراقاً تكنولوجياً كبيراً للشركة الصينية، إذ يتضمن معالجاً فائق التطور يمكِّنه من القدرة على دعم الجيل الخامس من شبكة الإنترنت. حسب تعبيرها.
لكن الأهم في سياق الصدمة الأمريكية أن مجموعة من رؤساء ثلاث شركات تكنولوجية كبرى في أمريكا على رأسهم، نفيديا ((nvidai وانتيل (intel) وكوالكوم qualcomm)) اتجهت في يوليو الماضي إلى واشنطن لمقابلة الإدارة الأمريكية، ليقدموا شكوى جديدة لإلغاء القيود الأمريكية المفروضة على شركة “هواوي” الصينية أو تخفيفها، وفق خبراء قناة اقتصاد الكوكب، الذين أكدوا أن سبب هذا التحرك يكمن في ما تكبدته الشركات الأمريكية جراء العقوبات المضادة عليها، حيث تكبدت الشركات الأمريكية الثلاث “نفيديا وانتيل وكوالكوم” ما نستبه 60% و25% و20% على التوالي من إيراداتها التي كانت تأتي من السوق الصينية.
فيما يتمثل الخطر الأكبر من خسائر هذه الإيرادات-حسب الخبراء- في ما سيترتب على تلك الخسائر من تراجع قدرة تلك الشركات على تمويل البحث والتطوير بنفس النّسَب المذكورة، وتبعاً لذلك ستخسر هذه الشركات ريادتها في صناعة التكنولوجيا على المستوى العالمي. فضلاً عن أن استمرار العقوبات الأمريكية على الشركات الصينية، سيفرض على الأخيرة التطوير الإجباري الذي قد يوصل الصينيين إلى نفس ما كانت عليه الشركات الأمريكية، وربما أقوى.
ضربات جديدة، قد تقضي على الشركات الأمريكية
“ما عملته شركة “هواوي” في الثلاثة الأشهر الماضية، من الممكن أن يقضي على شركات التكنولوجيا الأمريكية التي تشتغل في الصين، ما يعني أن المتضرر هي الشركات الأمريكية”، هذا ما قاله مؤسس قناة اقتصاد الكوكب الخبير الاقتصادي مصطفى الصعيدي الذي أكد أن “هواوي” حالياً تبيع أجهزة كمبيوتر محمول “لابتوب” تعمل بمعالج 5 نانوميتر، ولجهات محدودة من الشركات والوكالات الحكومية في الصين. ولحظة ظهور هذا اللابتوب للعلن ستكون ضربة جديدة لصانعي السياسة الأمريكية.
وقبل ذلك وفي في منتصف نوفمبر 2023م، طرحت “هواوي”، ما وصفته بشبكة الإنترنت الأكثر تقدمًا في العالم، في إنجازٍ يتجاوز توقعات الخبراء بأن الشبكات فائقة السرعة التي تبلغ سرعتها 1 تيرابت في الثانية لن تظهر قبل عام 2025 تقريبًا.
ووفقاً لـ “هواوي” أنه يمكن للشبكة الجديدة نقل البيانات بسرعة حوالي 1.2 تيرابت أو 1200 جيجابت في الثانية، وتعمل الشبكة على أكثر من 3 آلاف كيلومتر أو (1860 ميلاً) من كابلات الألياف الضوئية بين بكين والجنوب، وهي سرعة تعتبر أكثر عشر مرات من معظم أنظمة الإنترنت العاملة حاليًا في العالم، إذ تعمل بسرعة 100 جيجابت في الثانية فقط، وحتى الولايات المتحدة لم تكمل التحول إلى الجيل الخامس من الإنترنت بسرعة 400 جيجابت في الثانية إلا مؤخرًا.
وتم تطوير المشروع بجهد بحثي مشترك بين جامعة “تسينغهوا”، و”تشاينا موبايل”، و”هواوي”، والشبكة التعليمية والبحثية التي تمولها الحكومة الصينية “كيرنت دوت كوم”.
وكانت الحكومة الصينية قد تدخلت عندما استشعرت الخطر الأمريكية يقيد قدراتها التكنولوجية، فدعمت الشركتين الصينيتين: “هواوي” و”إس إم آي سي” بشكل مباشر، وبمئات الملايين من الدولارات، خلال 2022-2023م غير أنها أعلنت عقب نجاح الشركتين في إطلاق الهاتف الجديد، المشار إليه فقد عملت الحكومة الصينية صندوق بقيمة 40 مليار دولار لدعم شركات “صناعة الرقائق الإلكترونية”، مؤكدة عزمها تحمل فارق التكلفة من أجل توطين صناعة الرقائق الإلكترونية.
وفي هذا السياق نقلت “فانشينال تايمز البريطانية” عن مسؤول صيني رفيع تأكيده مساعي الصين الحالية إلى إنشاء خطوط إنتاج للرقائق المتطورة بأي ثمن كان، وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه تقارير صينية تشير إلى أن عامي 2021-2022م شهدا تخصيص الحكومة نحو 290.8 مليار دولار للاستثمارات المتعلقة بتصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات.
نسخ الرابط :