تبدو العلاقات بين السعودية والإمارات كدولتين حليفتين، إلا أن ذلك يخفي حقيقة التنافس الكبير بينهما على المستوى الإقليمي، وفق تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
خلال الفترة الماضية كانت سياسات البلدين تسير باتساق وتعاون بين الرياض وأبوظبي، حيث الصداقة قوية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، اللذين اتحدا في مواجهة القوة الناعمة لقطر وفرضا عليها حصارا، وتحالفا في حملة عسكرية ضد الحوثيين.
ولكن خلف هذه التحالفات القوية "صراع هادئ" بحسب ما يصفه تحليل المجلة، إذ تتنافس الرياض مع أبوظبي على "قيادة العالم العربي"، وهما تخوضان "منافسة جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة".
ويحذر التحليل من أن هذه المنافسة قد تؤثر على "الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط" وأنه لا يجدر بصناع القرار في واشنطن النظر إلى أن "اصطفاف أبوظبي والرياض مع السياسات الأمريكية يعد أمرا مفروغا منه".
ويتخوف من أن اتساع الصدع بين السعوديين والإماراتيين بسبب التنافس بينهما قد يزيد من تسارع علاقتهما مع روسيا أو الصين أو حتى إيران حيث إنهما قد يسعيان نحو المزيد من الثقل لإضعاف موازين بعضهما البعض.
وقد تدفع هذه المنافسة "الجيواقتصادية" شأنها شأن الحرب بين إسرائيل وغزة إلى تثبيط وجهة النظر التي تقول إن الشرق الأوسط مقدر له أي يصبح أكثر سلاما، بحسب التحليل.
وتعود جذور المنافسة السعودية الإماراتية إلى عام 2009، عندما اعترضت أبوظبي على الموقع المقترح لمقر البنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، وهو ما أحبط فكرة إنشاء البنك ذاتها، الأمر الذي عزز من المنافسة على جلب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن الإمارات استطاعت جلب استثمارات كبرى وأصبحت دبي المكان المفضل لنحو 70 في المئة من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى.
ولكن مع استمرار ارتفاع أسعار النفط فقد تحققت فوائض كبيرة لدى السعودية وهو ما حفّزها إلى المزيد من التوجه للاستثمار ودعوة الشركات الكبرى لفتح مقرات لها في المملكة أو مواجهة خيار عدم تعامل الرياض معها، وفق المجلة.
ومع بدء العالم في الابتعاد عن النفط، فإن دول الخليج تتنافس على النفوذ ورأس المال الأجنبي، إذ دخل شرط وجود مقر إقليمي للشركات في السعودية حيز التنفيذ مطلع العالم الحالي، ويضع هذا الموعد النهائي الرياض في منافسة مع جارتها الإمارات، بحسب وكالة رويترز.
وبعد أن رسخت الإمارات نفسها كدولة محورية في مجال التبادل التجاري والنقل الجوي والبحري، فقد اتجهت السعودية إلى وضع "رؤية 2030" لتنويع الاقتصادي وتحويل المملكة إلى "مركز لوجستي بحري وجوي".
وعلى الصعيد السياسي، بدا التباين الأول في العلاقة واضحا، في منتصف عام 2019، عندما خرجت الإمارات على عجل من "النزاع الكارثي في اليمن"، بعدما لعبت مع السعودية الدور الأبرز في التحالف العسكري التي تقوده المملكة في هذا البلد ضد المتمردين المدعومين من إيران منذ 2015، وجدت الرياض نفسها غارقة في مستنقع لا تزال تكافح للخروج منه بأقل الأضرار، بحسب فرانس برس.
وفي موازاة ذلك، أبرزت التحركات الدبلوماسية الإقليمية الكبرى اختلافا آخر في وجهات النظر.
التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي
وقد طبّعت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل، في عام 2020، في اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة، وتوسع في وقت لاحق ليشمل البحرين والمغرب والسودان، ما أثار غضب الفلسطينيين. ولم تحذ الرياض حذوها رغم تشجيع واشنطن.
في خضم ذلك، بدأت السعودية تقاربا مع قطر التي تعرضت لمقاطعة لأكثر من ثلاث سنوات من جيرانها الذين اتهموها بدعم مجموعات متطرفة والقرب من إيران منافسة السعودية الإقليمية.
وتشير المجلة إلى أن أحد الخلافات طفا على السطح بين الإمارات والسعودية، في صيف عام 2021، بشأن خطة قادتها الرياض ضمن تحالف أوبك بلس لإطالة أمد تخفيضات الإنتاج، ولكن أبوظبي كان لها رأي آخر، إذ انتشرت شائعات لاحقا بأنها اعترضت على هيمنة الرياض داخل التحالف النفطي.
ويتم عادة حل الخلافات في العلاقات بين قادة ومسؤولي الأنظمة الخليجية الثرية خلف جدران القصور، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
التنافس الاقتصادي
وتتنافس الرياض مع أبوظبي على "المكانة العالمية"، حيث تنشطان في استضافة حدث سنوي بشكل منفصل لاستضافة شخصيات بارزة في عالم السياسة والاقتصاد، وبعد أن نظمت الإمارات معرض إكسبو في 2020، فقد حصلت الرياض على حقوق استضافة إكسبو 2030، ناهيك عن مساع من كلتيهما لإعادة "تشكيل صورتهما الدولية، وتعزيز الصورة الإيجابية عنهما".
ويرى خبراء تحدثوا لوكالة فرانس برس، عن أن التنافس الاقتصادي في طليعة أسباب التباين بين الدولتين، في وقت تحاول فيه دول الخليج الاستفادة قدر المستطاع من احتياطياتها النفطية الهائلة بينما تواجه بداية نهاية عصر النفط.
وعلى مدى العامين الماضيين، سلّطت وسائل إعلام غربية الضوء على ما قالت إنه "خلاف وتنافس إماراتي سعودي"، وانعكست آثاره على أكثر من مجال وساحة.
طعنونا في الظهر
وذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في يوليو عام 2023، أن العلاقات بين السعودية والإمارات تدهورت لدرجة دفعت ولي العهد السعودي إلى اتهام المسؤولين في الدولة الخليجية الجارة بأنهم "طعنونا في الظهر"، بحسب تعبيرها.
وقالت الصحيفة إن ولي العهد أخبر مجموعة من الصحفيين، في ديسمبر عام 2022، بأن المملكة مستعدة لاتخاذ "إجراءات عقابية" إزاء الإمارات إذا لم تستجب لقائمة من المطالب.
وأضاف أن الإجراءات ستكون "أسوأ مما فعلت بقطر"، في إشارة إلى الأزمة السياسية، التي اندلعت في عام 2017، وشهدت مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية قادتها السعودية والإمارات ضد قطر.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، حذر ولي العهد السعودي، في أواخر عام 2022، من أن تصرفاته تقوض العلاقات بين البلدين.
كما أنه اتهمه بالتقرب الزائد من روسيا في ما يتعلق بسياسات المملكة النفطية وكذلك في الاتفاق الدبلوماسي مع إيران، من دون التشاور مع الإمارات.
ومطلع العام الحالي، رد الأمير تركي الفيصل، العضو البارز في العائلة الحاكمة السعودية، بطريقة فكاهية على سؤال يتعلق بصحة "ما يثار من خلافات بين المملكة والإمارات"، وذلك في جلسة خلال المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :