غرشون هكوهن *الوضع الذي نشأ على الحدود اللبنانية منذ بداية الحرب، أحدث حرجاً شديداً لدولة إسرائيل. فليس ضعفاً الاعتراف أنه نقطة انطلاق لاستيضاح استراتيجي. في جهد قتالي محدود حقّق «حزب الله» في نطاقه إنجازاً استراتيجياً غير مسبوق: إخلاء كل بلدات خط المواجهة من سكانها، وأصبح المجال ساحة حرب. بات الوصول إلى «حنيتا» أو «منيرا» اليوم خطيراً بقدر لا يقل عن الوصول في الماضي إلى «دلاعت» و«البوفور» في الحزام الأمني. كانت «كفار العادي» و«حنيتا» رمزاً لصمود الاستيطان الطليعي على الجبهة منذ قيامهما، أما الآن فمهجورتان.
في شتاء 1920 في عهد الصراع على «تل حي»، أوصى زئيف جابوتنسكي في مقال نشرته «هآرتس» بهجر بلدات أصبع الجليل لحماية حياة الطلائع. فردّ ديرل كتسنلسون بانتقاد ثاقب: لا نترك مبعوثينا لمصيرهم، وفقدان رفيق ليس سهلاً في نظرنا… نريد الحياة ونعرف ما ينتظرنا برحيلنا… ونرحل لأنها رسالة نؤدّيها. فالأمر في شرف الحاضرة وروحها. ليست مسألة قطعة أرض وبعض الممتلكات اليهودية، بل مسألة بلاد إسرائيل. الترك والانسحاب هما ذروة ضعفنا، والدليل الوحيد على حقنا في بلادنا، في وحدة «روش بينا» و«مطلة»، هو في صمود عنيد دون النظر إلى الوراء.
في هذه الأيام وبالقلق على خطورة الوضع وليس بانتقاد السكان الذين أُخلوا، يجدر بنا أن نصف عمق المشكلة. عندما تتعرّض بيوت بلدات خط المواجهة يومياً لنار مباشرة من مضادات الدروع، فحتى لو ساد الهدوء، لن تكون عودة السكان إلى بيوتهم مهمة يسيرة. إن تحقيق اتفاق سياسي لن يضمن لسكان بلدات الشمال الأمن المطلق. وحتى لو سيطر الجيش الإسرائيلي على جنوب لبنان، من خط الحدود الحالي وحتى الليطاني، في عملية قتالية ناجحة، ستبقى لدى «حزب الله» قدرات هجومية صاروخية على كامل المجال الشمالي ووسط البلاد أيضاً. وحتى لو تحقّقت تسوية سياسية ما لمجال الحدود، فسينتشر «حزب الله» بصفته قوة عسكرية في كل لبنان وسوريا والعراق. سيواصل جهود التعاظم باعتباره تهديداً استراتيجياً على دولة إسرائيل، التي من واجبها الاستعداد للحرب ضده.
السذاجة الأميركية
كان حسن نصرالله وسيبقى فناناً عظيماً في إدارة الصراع والقتال حتى النهاية، وفي امتناعه عن التدهور إلى حرب شاملة، ودليل ذلك تصرفه في الرد الواسع على الجليل يوم السبت، فهو يركز أساساً على ضربة معنوية لدولة إسرائيل، وإهانة كرامتها. وسعى إلى هذا الإنجاز في أيلول 2022، حين حقّق موافقة إسرائيلية في موضوع اتفاق الحدود البحرية ليبدو نوعاً من الرخاوة شريطة عدم نشوب حرب.
ويسعى إلى هذا أيضاً في هذه الأيام، في مطالباته بتعديلات حدودية، من «مزارع شبعا»، التي هي عملياً كل مجال «هار دوف» وحتى المطالبة بالقرى السبع (التي هُجّرت في أثناء حرب الاستقلال وهرب سكانها إلى لبنان، واليوم يطالب الحزب بإعادتها إلى سيادته). الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين الذي يسعى إلى تسوية نقاط الخلاف، يبدو بعيداً عن فهم آلية الابتزاز هذه. باتت إسرائيل مطالبة بتنازل عن ذخائر حقيقية ودائمة، مناطق إقليمية، مقابل إنجازات سائلة عديمة القيمة الدائمة، مثل الاتفاقات السياسية، أو إبعاد مؤقت لقوات «حزب الله» عن خط الحدود.
إن التوقّعات الإسرائيلية العابثة ليست جيدة؛ فقد عبّر عنها الانسحاب من لبنان في أيار 2000، بفرضية كاذبة تقول إن «حزب الله» سيضع سلاحه مع الانسحاب من كل أراضي لبنان، وبطاعة إسرائيلية كاملة لقرار الأمم المتحدة 425. منذئذ وتهديدات «حزب الله» تتعاظم، وسياقات ابتزاز من إسرائيل تتطوّر. من هنا ينشأ حرج استراتيجي يحتاج فوراً إلى جواب اختراق لنظرة استراتيجية جديدة.
* إسرائيل اليوم
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :