استعجلت المعارضة استثمار التمديد لقائد الجيش في الملف الرئاسي. ما جرى حتى الآن اتفاق مشروط ومحدّد بوقته. ما سيلي ذلك، صفقة المجلس العسكري في موازاة توجيه الأنظار إلى الجنوب
لن ينتهي قريباً مفعول التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. ما جرى في جلسة الجمعة الماضي كان أبعد من تمديد بفعل القانون، وحلقة من مسلسل سياسي يتعلق بالجنوب وبمستقبل حزب الله ولبنان. ولما بعد التمديد وجهان، الأول داخلي، والثاني يتعلق بمفاعيل التسوية الإقليمية التي رعت التمديد.داخلياً، بعيداً عن رفع لافتات التهنئة والاحتفالات المموّلة من شخصيات معروفة، واتصالات المنتفعين، وبركة البطريرك بشارة الراعي الذي رعى التمديد، فإن ما يُنتظر في اليرزة مسار متجدّد من الكباش مع وزير الدفاع والتيار الوطني الحر. وهذا سيفتح مجدّداً باب الاستهدافات المتبادلة بين الطرفين، والتي ستكون أكثر حدة بعد الخسارة التي مُني بها التيار، إلا إذا قرّر قائد الجيش الممدّد له وضع الماء في النبيذ، في حين يؤكد التيار بأن عون سيبقى على توتره مع وزير الدفاع ومع رئيس التيار جبران باسيل، إضافة إلى أن العين ستكون على ما يلي صفقة التمديد، في ما يتعلق بالمجلس العسكري وملء شغوره.
فقائد الجيش كان يدعو سابقاً إلى تعيين رئيس أركان ينوب عنه، مكرّراً لازمة تعذّر مغادرته لبنان لعدم وجود بديل عنه، والحاجة إلى السفر أصبحت أكثر إلحاحاً في إطار خوض معركته كمرشح رئاسي. وما جرى بعد استعداد الحزب التقدمي الاشتراكي للقبول بتعيين رئيس للأركان، وتطيير جلسة الحكومة، أن الأوراق خُلطت مجدداً، وصار فعل التعيين بذاته هاجساً للذين لا يريدون أن تعطى حكومة تصريف الأعمال هذا الحق، لأن التعيين كان مرتبطاً بالطعن في المرسوم المحدد بستة أشهر، لا بالقانون الذي أعطى عون سنة كاملة. وأي لجوء إلى هذا الخيار، بعد ما جرى في مجلس النواب، يعني مزيداً من الانتهاكات الدستورية في غياب رئيس الجمهورية. والأهم أنه حتى الساعات الأخيرة، تجدّدت مطالبة الاشتراكي بتعيين رئيس الأركان، وتعزّزت بإصرار قائد الجيش والتمسك بالمرشح لهذا المنصب. وفي حين بدأت ساعات النهار أمس بالكلام عن أن الحديث عن التعيين لا يزال محصوراً بالمقعد الدرزي فيما تعيين المفتش العام الأرثوذكسي والمدير العام للإدارة الشيعي غير مطروحيْن، تساءلت أوساط سياسية عن إمكان تمرير الثنائي الشيعي لسلة التعيينات كاملة، وعما إذا كان ذلك يعني خوض معركة ثانية مع التيار سيكون حملها ثقيلاً. علماً أن إخراج التسوية طُرح على الطاولة بتنسيق بين الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري اللذين كانا في الكويت معاً. وإذا حصل الاتفاق بمباركة الثنائي، فسيكون هذا تصويباً مباشراً على باسيل، بإمكان تمرير التعيينات من دون موافقة وزير الدفاع، وإعطاء قائد الجيش ما يطلبه، ما يضفي على الصفقة السياسية بعداً آخر.
قلق الداخلي لدى معارضي الحزب من أن تكون التسوية المصغّرة مقدّمة لتسوية أكبر
النقطة الأخرى تتعلق بملف رئاسة الجمهورية. اذ استعجلت المعارضة الحزبية، ومعها نواب تغييريون كانوا في جلسة الجمعة جزءاً لا يتجزّأ من المنظومة السياسية والقوى الحزبية، تجيير ما حصل لاستثماره في الملف الرئاسي. فدخول اللجنة الخماسية على خط التمديد، اعتبرته المعارضة استعادة لدور اللجنة في تحريك الملف الرئاسي، وتالياً معالجة الملف اللبناني. لكنّ واقع الحال ليس كذلك. ما حصل هو توافق على القطعة وليس تسوية سياسية شاملة لا محلية ولا خارجية. وما كان قائماً قبل أسابيع قليلة حول تعيين بديل لعون، تبدّل ربطاً بما جرى في غزة والجنوب وتفعيل القرار 1701، ومفاوضات دولية مع إيران حول ساحات عملها في المنطقة. وهنا يدخل دور القوات الدولية التي كانت تحثّ دولها على عدم الدخول في متاهة تعيين قائد جديد وتدفع في اتجاه التمديد. وإذا كانت السعودية شاركت في السعي للتمديد بوضوح في حركة لافتة بعد انكفاء، فهذا لا يعني أنها استعادت أي مبادرة في الملف اللبناني ككل. ففي خضمّ الانشغال المحلي بالتمديد، كان بيان ثلاثي صيني - سعودي - إيراني يصدر من بكين لأول اجتماع للجنة الثلاثية المشتركة، في موازاة تأكيدات غربية عن مسار قائم للعلاقة السعودية مع إسرائيل. وهذا يعني انشغال الرياض بإطار أوسع من ملف لبنان لدورها في المنطقة، فلا تتخلّى عنه بالمطلق ولا تدفع في اتجاه مبادرة كاملة في شأنه. وهذا تماماً ما بدأ يثير قلقاً لدى معارضي حزب الله من غير الذين أبرموا معه بالواسطة تسوية التمديد لقائد الجيش.
ما يجري جنوباً هو أقل من حرب وأكثر من اشتباكات حدودية. والعين بعد التمديد على ما يجري حقيقة فيه، في ظل بقاء المنطقة الحدودية ساحة مشتعلة. وحزب الله الذي لا يزال منذ أكثر من شهرين على درجة عالية من الاستنفار والتحسب لأي احتمالات عسكرية أكبر من تلك الجارية حالياً، لا يعنيه الملف الرئاسي بقدر ما تشكله تطورات حرب غزة والحدود الجنوبية من أولوية مطلقة له. وتفعيل القرار 1701، الذي يفترض أن يمس الجيش، لا يتوقع أن يُترجم اليوم تزخيماً لانتشاره والموافقة الداخلية على تعزيز وجوده وزيادة عديده. ومن المبكر الكلام عن أن التحذيرات والمطالب الغربية، التي تُرجمت في التمديد، ستبلور حلاً سريعاً ومتكاملاً لتنفيذ رؤية «جديدة» للقرار 1701. فأيّ مندرجات مختلفة للقرار، تقارب انتشار حزب الله، ليس من السهل التعامل معها، على أنها خطوة عادية. لأنها تعني أولاً وآخراً وجود الحزب في الجنوب وإطاراً آخرَ لصراعه مع إسرائيل. وهذا لا يمكن أن يتم من ضمن ترتيبات سريعة، في حين أن حرب غزة لا تزال مشتعلة وكذلك جبهة الجنوب والتهديدات الإسرائيلية. والقلق الداخلي لدى معارضي الحزب من أن تكون التسوية المصغّرة مقدّمة لتسوية أكبر. ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة... وبتغطية من المعارضة.
نسخ الرابط :