رفعت ابراهيم البدوي*
فشل مجلس الأمن الدولي وللمرة الرابعة على التوالي، في التوصل إلى قرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، رغم مناشدات معظم الدول والمنظمات الحقوقية والإنسانية لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، والسبب في هذا الفشل، هو الفيتو الأميركي المعترض على مشروع القرار الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة وشارك فيه أكثر من 80 دولة وذلك لوقف آلة القتل والمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ وبحق كل ما هو قابل للحياة في غزة.
وفي 26 تشرين الأول الماضي، أخفق أيضاً مجلس الأمن في اعتماد قرار قدمته روسيا بشأن وقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، بعد أن أخفق مشروع القرار، في الحصول على الأصوات الكافية لتمريره وكان من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد القرار فيما لو حصل على ما يكفي من الأصوات لوضعه للتصويت، فيما جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، خلّفت أكثر من 18100 شهيد، و48700 جريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمار هائل في البنية التحتية، و«كارثة إنسانية غير مسبوقة».
تاريخ الفيتو الأميركي لحماية إسرائيل في مجلس الأمن حافل، فبعد رفض الولايات المتحدة لقرارات مجلس الأمن، خاصة تلك التي تدين أو تلزم إسرائيل باحترام الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، وذلك عبر استخدامها التاريخي لحق النقض «فيتو» لمنع أي قرارات قد تنتقد إسرائيل أو تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية.
ومنذ العام 1945 استخدمت الولايات المتحدة الـ«فيتو» ضد قرارات تدين إسرائيل 46 مرة، بما في ذلك الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان، وكذلك ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
المرة الوحيدة، التي لم تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض، بخصوص مشروع قرار يتعلق بإسرائيل، كانت في عام 1973 إذ دعا مشروع القرار جميع الأطراف إلى الوقف الفوري لكل العمليات العسكرية وممارسة أكبر قدر من ضبط النفس لمصلحة السلام والأمن الدوليين.
الـ«فيتو» الأميركي في مجلس الأمن دليل على أن الولايات المتحدة ليست شريكة في المجزرة الإسرائيلية، بل إنها تخوض الحرب على غزة جنباً إلى جنب مع ربيبتها إسرائيل، كما ثبت بأن التشدق الأميركي بما يسمى «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس» ليس إلا تعبيراً عن قمة النفاق الدولي ولا يمكن ترجمته إلا بمنح إسرائيل رخصة أميركية مفتوحة لمواصلة عملية الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ومن دون أي محاسبة.
«القناة 13» الإسرائيلية، أفادت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أوليف شولتز بأن الحرب الإسرائيلية على غزة ستستمر شهراً إضافياً، كما أن موقع «بوليتيكو» الأميركي نقل عن 3 مسؤولين إسرائيليين، بأن «إدارة بايدن أمهلت إسرائيل حتى نهاية العام لإنهاء حربها» على المقاومة الفلسطينية في غزة.
إن إخفاق مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى قرار بوقف لإطلاق النار في غزة يعني إخفاق المنظومة الدولية الالتزام بالأسس التي أنشئ مجلس الأمن لأجلها، ومن الواضح أن مجلس الأمن الدولي، تتحكم به عصبة من الإجرام الدولي، لم تقم للإنسانية وزناً ولا احتراماً وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، وأن مجلس الأمن الدولي بصيغته الحالية، لم يعد المرجع الصالح لتحقيق أمن الدول أو الشعوب.
صحيح أن أميركا وبريطانيا ودول أخرى باتت راعية للإجرام الدولي عبر مجلس الأمن، تتحكم بقراراته طبقاً لمصالحها الخاصة ولو على حساب دفن الإنسانية والمبادئ والقيم التي يتشدقون بها، فحرب غزة أثبتت وبالدليل القاطع أن لا حرية ولا ديمقراطية ولا إنسانية ولا حقوق إنسان عندما يتعلق الأمر بمطالب شعوبنا ودولنا المحقة، وإذا ما رفعنا الصوت ضد الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية أو الغربية أو الأميركية فهذا يعتبر في قواميسهم ضد السامية وضد الإنسانية.
نقول وبكل صراحة إن الموقف العربي من الحرب الإسرائيلية الأميركية على غزة هو اللا موقف، بل إن موقف معظم الدول العربية من إبادة الفلسطينيين في غزة وخاصة الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، هو موقف مخز بل إنه موقف متخاذل ومتواطئ مع أميركا وحتى مع إسرائيل.
لقد ثبت بأن الدول العربية لا وزن لها دولياً، وليست ذات تأثير في مجلس الأمن الدولي، والسبب عدم الرغبة في إغضاب أميركا وبريطانيا، ولو كان على حساب أطفال ونساء وشيوخ الفلسطينيين في غزة وعلى حساب محور المقاومة لأجل فلسطين، والتي ما فتئت كل من سورية العروبة والعراق والجزائر واليمن ولبنان المقاومة وحتى دول أميركا اللاتينية، تطالب وتؤكد ضرورة التمسك بحق الفلسطينيين.
إن مجلس الأمن الدولي فقد مصداقيته وفقد حياده وأثبت انحيازه للباطل ولمصالح الدول الكبرى على حساب قهر الشعوب المستضعفة، تماماً كما حصل في مسرحيات دولية سابقة في العراق وفي سورية وفي اليمن وليبيا، وذلك تحت عناوين زائفة كمكافحة أسلحة الدمار الشامل تارة أو وجود أسلحة كيميائية تارة أخرى، في حين أن وزيراً في الكيان الصهيوني جاهر بنية إسرائيل استعمال السلاح النووي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة من دون أي احتجاج وبغياب أي قرار إدانة ضد إسرائيل من مجلس الأمن الدولي.
نحن في مواجهة أعداء الإنسانية، بل في مواجهة مع توحش أميركي إسرائيلي غربي غير مسبوق وبلا ضوابط، بعدما أخذ هذا التوحش طابع تغليب المصالح الدولية على حساب الحياة البشرية وتحليل احتلال الأوطان طمعاً بثروات الشعوب المغلوبة، ولو عن طريق إبادة الإنسان أو بتجاوز أو بتجاهل تام لكل الحضارات والثقافات وحتى الديانات.
إن أعداء الإنسانية في العالم عبارة عن دول وحكومات لا تفهم إلا بلغة القوة وعلينا التعلم من مسار التاريخ أن التحرر من الاحتلال لا يمكن الحصول عليه إلا بالقوة ولا يمكن استرداد حقوقنا وثرواتنا إلا بقوة المقاومة وليس من خلال تطبيع الذل أو من خلال مفاوضات غير متوازنة، وأن مواجهة أعداء الإنسانية واجب وطني وأخلاقي وإنساني وعلينا نحن وأجيالنا القادمة الإصرار على مواجهة أعداء الإنسانية وإسقاط كل مشاريع الإذلال لأوطاننا وشعوبنا حتى ولو تطلبت منا المواجهة من مسافة الصفر.
رئيس ندوة العمل الوطني- لبنان
نسخ الرابط :