بَدا تصريح وزير الحرب الاسرائيلي غوآف غالانت حول وجوب دفع «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني وكأنه نوع من «الهلوسة»، في اعتبار أنّ هذا التصريح يأتي خارج السياق الميداني والسياسي كلياً، ويتجاهل معادلات استراتيجية كرّسها الحزب منذ انتهاء حرب تموز عام 2006.
كان غالانت قد قال خلال لقائه مع رؤساء البلدات والمستوطنات الواقعة في الشمال: سنُعيد الأمن إلى السكان من خلال ترتيب سياسي دولي لإبعاد «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني، استناداً إلى القرار الأممي 1701.
وأضاف: إذا لم ينجح هذا الترتيب، فإن إسرائيل ستتحرك عسكريا لإبعاد الحزب من الحدود.
بهذا المعنى، يتصرّف غالانت كما لو ان «حزب الله» مهزوم، ويمكن ان تُفرض عليه الشروط التي تضمن مصالح الكيان الاسرائيلي، على وقع حرب غزة الهمجية، في حين انّ الحزب واثق في أنّ وضعه الاستراتيجي هو الآن أفضل بكثير مما كان عليه غداة حرب تموز.
اكثر من ذلك، هناك من يلفت الى انّ الحزب بنى أصلاً استراتيجيته خلال السنوات الماضية على اساس الاستعداد للتقدم الى الجليل في شمال فلسطين المحتلة في التوقيت المناسب، وليس التراجع الى شمال الليطاني كما يأمل غالانت.
ومن الواضح أنّ تل أبيب تحاول الاستفادة من زخم العدوان على غزة والغطاء الدولي الممنوح لها، من أجل السعي الى فرض وقائع جديدة على الحدود مع لبنان، عبر الضغط السياسي والعسكري المتزايد.
وهناك على المستوى الدولي مَن أراد أن يلتقط اللحظة الراهنة التي يفترض انها مؤاتية، للدفع في اتجاه تطبيق القرار 1701 على قياس «الاحداثيات الإسرائيلية».
ويؤكد قريبون من الحزب انّ طرح غالانت غير قابل للتنفيذ وليس له أي وزن، لافتين الى ان الغاية الاساسية منه احتواء الاحباط السائد في صفوف مستوطني شمال فلسطين المحتلة النازحين عن مستوطناتهم والخائفين من العودة اليها.
ويشير هؤلاء الى انّ كلام غالانت هو للتسويق المحلي في داخل الكيان بالدرجة الأولى وسط الصراخ المُنبعث من الشمال بفِعل ضربات المقاومة التي أدت إلى شل تلك المنطقة وتفريغها من قاطنيها.
ويلفت القريبون من الحزب إلى أنّ «العدو الاسرائيلي الذي لا يزال عاجزاً عن تحقيق نصر واضح في غزة بعد مرور اكثر من شهرين على العدوان، يبحث عن صورة لهذا النصر على الجبهة مع لبنان لكنه أخطأ في العنوان».
ويلفت المطلعون على موقف الحزب إلى أنّ الكيان معروف بعدم احترامه للقرارات الدولية وبتمرّده عليها، فكيف استفاقَ الآن على القرار 1701 الذي أمعَن في انتهاكه برا وجوا وبحرا منذ ولادته؟ ويضيفون: انّ صحوة العدو فجأة على الـ 1701، وهو الذي لطالما كان يحقّق ما يريده بالقوة، إنما تشكّل مؤشراً الى انه في موقع ضعيف على جبهة القتال مع لبنان، خلافاً لكل مظاهر الهَوبرة.
ويلفت هؤلاء الى ان الاحتلال الاسرائيلي الذي شَن عدوان 2006 لإبعاد المقاومة إلى ما خلف الليطاني، وَجَد بعد اندلاع حرب غزة انّ مقاتلي الحزب أصبحوا يتواجدون بكل جهوزيتهم وأسلحتهم على خط الحدود مباشرة، الأمر الذي لا يتحمله ويسعى الى إنهائه لإبعاد الخطر وتأمين عودة نازحيه. وبالتالي، فهو يضغط لتغيير الواقع المستجد قبل أن يتمكن «حزب الله» من تثبيته وتحويله الى جزء من قواعد الاشتباك الجديدة.
ويُبدي المحيطون بدائرة القرار في الحزب استياءهم الشديد من «الدور السيئ الذي تؤديه باريس بالتنسيق مع الطرف الاسرائيلي لمحاولة دفع قوة الرضوان نحو التراجع الى شمال الليطاني، وسط تهويل الموفدين الفرنسيين بأنّ لبنان سيدمّر اذا لم يخضع الحزب لما يُطلب منه».
ويتساءلون: لماذا تتبرع فرنسا للكيان الاسرائيلي بهذا الدور المُنحاز؟
ويؤكد المحيطون بالحزب ان «شرايين المعركة في الجنوب اللبناني متصلة بحرب غزة اتصالا وثيقا، ولا يمكن قطعها او فصلها، واي طرح يتجاهل هذه الحقيقة سيكون عبثيا وبلا قيمة.»
ويلاحظ المطلعون على موقف الحزب ان أن هناك مفارقة غريبة في سلوك العدو وتتمثل في انه يحاول تحصيل مكاسب في خضم حرب لم تنته بعد، فهو يريد خروج حماس من قطاع غزة والحزب من جنوب الليطاني، بينما المواجهة لا تزال مستمرة على أشدها والاحتلال يواجه مأزق العجز عن تحقيق انجاز نوعي.
ويشددون على أن ما لم يتمكن العدو من انتزاعه بالقوة لن ياخذه بالسياسة، «وقبل رفع سقف المطالب الموجهة الى لبنان، يجب إلزام الكيان الاسرائيلي باحترام القرار 1701، أما حزب الله فيتعاطى مع هذا القرار منذ 2006 بواقعية وسيواصل ذلك.»
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :