توقع الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات، أن تكون المعركة في غزّة “طويلة” و”دموية”، في ظل ترسخ حركة “حماس” في داخل قطاع غزة، والدعم الذي تحظى به من جماعات أخرى ومسلحة جيداً، وكانت إلى جانبها في أثناء الهجوم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي تقرير نشرته صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، رسم هيو لوفات خريطة القوى السياسية في قطاع غزّة، والتي تشكّل حركة “حماس” عمودها الفقري.
وفي الوقت الذي تتغاير فيه أيديولوجية هذه القوى السياسية وأساليبها، إلا أن هذه الجماعات هي جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية، وستظل واقعاً لا يمكن تجاهله بالمشهد السياسي في الضفة الغربية وأبعد منها.
وفي الوقت الذي ساوى فيه الاحتلال الإسرائيلي حركة “حماس” بتنظيم “داعش” من أجل تعبئة الغرب والحصول على دعم، فالحركتان مختلفتان، حيث تتبنى “حماس” شكلا من الإسلامية المتجذرة في القومية الفلسطينية، ونشأت من داخل “جماعة الإخوان المسلمين” في الثمانينات من القرن الماضي، ونمت جذورها داخل المجتمع الغزي وعلى مدى عدة عقود، وقامت على الكفاح المستمر من أجل الحقوق الفلسطينية وقدرتها على توفير الخدمات المحلية والإدارة، والتي أدت إلى إنشاء خدمة مدنية توفر المساعدات لأكثر من 40.000 شخص في غزة. ومع تصاعد الدعم الفلسطيني للمقاومة المسلحة ضد “إسرائيل” على مدى العامين الماضيين، فقد ساعدها ذلك على تعزيز موقفها المحلي.
وقبل هجمات 7 تشرين الثاني/ أكتوبر، أظهرت نتائج دراسة مسحية أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن دعم “حماس” يصل إلى 34% بشكل متساو مع حركة “فتح” التي تدير الضفة الغربية، ولكن الشعبية زادت، وفي الضفة الغربية تحديداً، حيث برز علمها الأخضر بشكل واضح. ويتناقض هذا الدعم الواضح للحركة مع النظرة والمفاهيم عن السلطة الوطنية التي تتهم ببيع القضية الفلسطينية.
وزادت قوة “حماس”، وهذا نابع من “زواج المصلحة” مع إيران التي قدمت لها السلاح والمال لقتال “إسرائيل”. وتقدر الأخيرة عدد مقاتلي الجناح العسكري “كتائب عز الدين القسام” بحوالي 25.000 مقاتل، وبحسب “إسرائيل” فقد قضي على 5.000 مقاتل مع أن معظم قادتها البارزين لم يصابوا.
وتأتي حركة الجهاد الإسلامي” في المرتبة الثانية من ناحية القوة، فمنذ ظهورها أول مرة عام 1981 بمدينة رفح، فقد كرست المجموعة نفسها لقتال “إسرائيل” وبنت قدراتها العسكرية الخاصة بها، بما في ذلك ترسانة من الصواريخ الموجهة ضد الأهداف الإسرائيلية، وهي نفسها خرجت من داخل حركة “الإخوان المسلمين” وشبكاتها في فلسطين، ولكنها أكثر تشدداً من “حماس”، وتأثرت بشكل كبير بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وأصبحت الحركة أكثر قرباً من إيران في ظل قيادة زياد النخالة، الذي يعتقد أنه يعيش تحت حماية “حزب الله” في لبنان. وخلال العامين الماضيين، وسع التنظيم نفسه داخل الضفة الغربية، تحديداً في مخيم جنين.
لكن الحركات المسلحة في غزة ليست كلها إسلامية، فلدى “كتائب شهداء الأقصى” حضور بارز، وهي الذراع العسكري لحركة “فتح”، أكبر حزب سياسي في “منظمة التحرير الفلسطينية”. وظهرت “كتائب شهداء الأقصى” كشبكة غير مركزية أثناء الانتفاضة الثانية ما بين 2000 – 2005. ورغم الخلافات السياسية، إلا أن “كتائب شهداء الأقصى” تقاتل إلى جانب “حماس” و”الجهاد” في غزة والضفة الغربية.
وظلت علاقة “كتائب شهداء الأقصى” مع قيادة “فتح” والسلطة الوطنية غامضة نوعاً ما. وربما انتفعت من علاقاتها مع مسؤولين بارزين في “فتح”، إلا أنها ليست تحت قيادة زعيم “فتح” محمود عباس، رئيس السلطة الذي لا يزال متمسكا بخيار المفاوضات مع “إسرائيل”.
وظهرت جماعة ذات ميول إسلامية داخل حركة “فتح” وهي “لجان المقاومة الشعبية”، وربما كانت ثالث القوى المسلحة داخل غزة ولديها تحالف قوي مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. ومع أنها تؤمن بالقتال ضد “إسرائيل” ويعتقد أنها تحصل على دعم إيران، إلا أنها تتبنى حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية. وهناك جماعات يسارية من “منظمة التحرير” تقاتل في غزة، وتضم هذه الجماعات “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، وكلاهما حركتان ذات توجه ماركسي أنشئتا في الستينات من القرن الماضي، واشتهرت “الجبهة الشعبية” في الفترة ما بين 1968 -1972 من خلال عمليات اختطاف الطائرات. وفي 2001 اغتالت الوزير الإسرائيلي رحفام زئيفي.
وتعمل “الجبهة الشعبية” في غزة من خلال جناحها العسكري “كتائب أبو علي مصطفى”. أما “الجبهة الديمقراطية” فلديها سجل في قتال “إسرائيل” إلى جانب “حماس”، مع أنها أول حركة فلسطينية تتبنى حل الدولتين في السبعينات من القرن الماضي.
ويجب التمييز بين هذه الحركات الوطنية الفلسطينية والحركات الجهادية السلفية، على غرار تنظيم “داعش”، التي تريد إنشاء خلافة إسلامية في الشرق الأوسط. وهناك جماعات سلفية صغيرة في غزة وأنشأ بعضها أعضاء سابقون في حركة “حماس” شعروا بخيبة من الطريقة التي لطفت فيها “حماس” مواقفها من “إسرائيل”.
إلى جانب هذه الفصائل، هناك حركات مسلحة أنشأتها قبائل، قاتل أبناء لها مع تنظيم “القاعدة” ضد القوات الأميركية في العراق، وتدعو إلى إنشاء “إمارة إسلامية” في غزة. ووقعت تحت تأثير فرع تنظيم “داعش ـ بيت المقدس”، وهو جزء من “ولاية الدولة الإسلامية” في سيناء مصر. وليس لدى هذه الجماعات إلا سجل صغير في مهاجمة “إسرائيل”، بما في ذلك عملية ضد نقطة حدود إسرائيلية في 2009. لكنها تهاجم أكثر “حماس” المتهمة بعدم تطبيق الشريعة.
ونظراً لهيمنة “حماس” وقوتها، فقد عملت على احتواء هذه الحركات ومنع خطرها، وكذلك مراقبة عدة اتفاقيات وقف إطلاق النار خلال العقد الماضي، ومنع بقية الفصائل من خرقها. وباتت تنظر إلى هذا كمصيدة، حاولت دفع الحركة للتعاون مع “إسرائيل” وبالإنابة عنها، ومن جهة أخرى، أظهرت قدرة على أنها قادرة على التفاوض والالتزام بالاتفاقيات مع “إسرائيل” وفرض الشروط على الجماعات الأخرى. وكانت هذه الدينامية واضحة في عملية وقف إطلاق النار المؤقتة.
إخراج “حماس” من المعادلة، كما ترغب “إسرائيل”، ربما كان ردة فعل على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن النتيجة ستدخل غزة في فوضى مستمرة، وفي ضوء عدم توفر أي خطة قابلة للحياة لما بعد الحرب والدور الذي لعبته “حماس” في الحكم والأمن داخل القطاع. ومن دون “حماس”، التي ستقنع المسلحين وقيادتهم نحو اتفاقية وقف إطلاق النار، فستجد “إسرائيل” نفسها موحلة في حرب طويلة من دون استراتيجية خروج واضحة. وسيعقّد “تمرد متشرذم”، الجهود الدولية لبدء مسار سياسي وتحقيق استقرار في القطاع وعودة للسلطة الوطنية. وكما حدث مع نظام “البعث” لصدام حسين في العراق، قامت جماعات أخرى ومتشددة أكثر باستغلال الفراغ الأمني لتقوية مواقعها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :