بمقدار الإرباك الذي أثاره صمت الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في مؤسسات التقدير والقرار في كيان العدو، ليس صعباً تقدير أن الإعلان عن موعد كلمته الجمعة المقبل، دفع هذه المؤسسات إلى فتح مروحة الاحتمالات حول ما سيعلنه من مواقف، وعن التوقيت، وما إن كان ذلك سينعكس على الأداء الميداني. واستناداً إلى سلسلة طويلة من التجارب، لن تخرج المواقف التي سيعلنها نصرالله عن إطار الدور البارز الذي لعبه صمته في إدارة المعركة.
منذ السابع من تشرين الأول الجاري، لم يتمكّن الطاقم المكلّف بملف نصرالله، التابع للاستخبارات العسكرية (أمان)، من تقديم مادة جديدة إلى مؤسسة صناعة القرار السياسي والأمني. وتحوّل امتناع الأمين العام لحزب الله عن الظهور إلى حدث قائم بذاته، له تأثيراته ورسائله إلى جهات التقدير والقرار في كيان العدو.
وسبق أن كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» (12/3/2021)، تحت عنوان «الملف لنصرالله في أمان»، أن مهمة هذا الطاقم المؤلف من 15 باحثاً تتركّز على أمر واحد، هو «تحليل شخصية نصرالله وأعماله لتقدير ردود أفعاله على السيناريوهات المختلفة». ويتبع هذا الطاقم لـ«ساحة لبنان» في وحدة التقدير الاستخباري في «أمان»، برئاسة عقيد، يعمل تحت إمرته مقدّم مسؤول عن رئيسة للقسم الإستراتيجي. ويخضع لهذه الأخيرة ثلاثة رؤساء فروع برتبة نقيب.
منذ السابع من الجاري، افتقد هذا الطاقم إلى أي معلومات مُحدَّثة تسمح له بتقديم صورة أكثر وضوحاً إلى مؤسسات التقدير والقرار السياسي والأمني. في العادة، يستقي الطاقم معلوماته «من مصادر علنية أو بوسائل استخبارية سرية، ويقدّم إلى أعلى المستويات القيادية خلاصات تؤخذ في الحسبان لدى اتخاذ القرار. الحرمان من أي معطيات جديدة تكشف المدى الذي يمكن أن تبلغه الخطوات العملية لحزب الله دفع بهذا الطاقم إلى التعويض عن ذلك بالتمسك بخبر هنا أو هناك، وإلى تحليل الأداء العملياتي في محاولة لاستكشاف آفاقه والمدى الذي يمكن أن يبلغه، استناداً إلى محطات سابقة. لكن المشكلة أن هذا المبدأ في الاستناد إلى سوابق قد يؤدي إلى الوقوع في أخطاء. إذ إن كثيراً من السوابق قد لا تكون صالحة لاسقاطها على هذه المحطة التي لها خصوصيتها، كما أن لكل من المحطات السابقة خصوصيتها. كما تجاوز صمت الأمين العام لحزب الله هذا البعد، وتحوّل عنصراً رئيسياً في إدارة المعركة. ففي مراحل سابقة، كان لظهوره والمواقف التي يُطلقها دور كبير جداً في معركة الإرادات التي كانت، ولا تزال، قائمة مع كيان العدو.
لن تخرج المواقف التي سيُعلنها نصرالله عن إطار الدور البارز الذي لعبه صمته
وحتى يوم الجمعة المقبل، ستبقى مروحة الأسئلة من دون إجابة واضحة تتصل بسقف الخطوات العملياتية التي سيتطور إليها أداء حزب الله، وتحديد المحطات التي قد تتغير معها النشاطات العملياتية التي تتم حتى الآن تحت سقف التثبيت لقواعد الاشتباك التي تحمي لبنان. وهو أمر منع العدو من استغلال ظروف الحرب لإحداث خرق فيها، وحال دون استهداف العمق اللبناني.
هذا الغموض انعكس على الساحتين السياسية والإعلامية، وأظهر حجم الإرباك الذي يسود الكيان، وأبقى مؤسسات التقدير والقرار على مدى شهر، أسيرة التقدير والاحتمالات في قضية خطيرة جداً بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي. وبالاستناد إلى تجارب سابقة، فقد كان الانقسام في التقديرات داخل المؤسسات، وبينها وبين تل أبيب وواشنطن، ينعكس بالضرورة على تحديد الخيارات الواجب اتباعها، ويمنح أعداء إسرائيل هامشاً أوسع من المناورة والتأثير.
هذا «التعطش» لموقف واضح من نصرالله يفسر ردة الفعل الإعلامية الإسرائيلية على فيديو من ثوانٍ معدودة ظهر فيه السيد نصر الله أمام راية لحزب الله أول من أمس، ما أدخل المحللين والمعلقين في إسرائيل في دوامة من التحليلات لقراءة دلالات هذا الظهور وخلفياته من حيث المضمون والشكل والتوقيت. وبعيداً عن إدراج بعض هؤلاء الأمر في سياق الحرب النفسية، ولكنّ الأهم أنه كشف حالة الترقب التي تسود النخب الإعلامية ومؤسساتها لكل ما يصدر عن حزب الله وأمينه العام.
نسخ الرابط :