رخصة دولية بقتل الفلسطينيين؟

رخصة دولية بقتل الفلسطينيين؟

 

Telegram

 

سارت عجلات التاريخ منذ 75 عاماً ببطء شديد في ما يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني، وبسرعة «نووية» في ما يتعلق بحقوق الإنسان الغربيّ، وكأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد تضمّن عبارة «باستثناء الإنسان الفلسطيني». إذ تسيطر على العالم مجموعة من الطغاة، وفي كل مرة يختلفون فيها على استعمارنا، يتفقون على أن لأحدهم الحق بانتهاك حقوق الإنسان، ويعطونه رخصة بذلك، فيتمادون في ارتكاب أفظع الجرائم تحت عنوان «حماية الحقوق» باعتماد وسائل قائمة على انتهاك حقوق الآخرين. لم يترك التاريخ مناسبة إلا وأثبت لنا أن الدول تخدع الشعوب فعلاً بعناوين برّاقة

تلقّت إدارة الشؤون الخارجية في الاتحاد السويسري خطاباً من المراقب الدائم لفلسطين في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، في 21 حزيران 1989، يبلّغ المجلس الاتحادي السويسري «أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، المخوّلة بالقيام بمهام حكومة الدولة الفلسطينية بموجب قرار المجلس الوطني الفلسطيني، قررت في 4 أيار/مايو 1989 الانضمام إلى اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 آب /أغسطس 1949 وبروتوكوليها الإضافيين».

وفي 13 أيلول/سبتمبر، أخطر المجلس الاتحادي السويسري الدول أنه لم يكن في وضع يجعله يقرر إذا ما كان الخطاب يشكل صكّ تصديق، «نظراً لعدم اليقين داخل المجتمع الدولي بوجود أو عدم وجود دولة فلسطينية». أما لبنان، فقد أودع بتاريخ 10/04/1951 وثائق إبرامه لاتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب المعقودة بتاريخ 12/08/1949 وكان تاريخ انضمام لبنان إلى البروتوكول الأول والثاني بتاريخ 28/01/1998.

«إن الإنسان مقياس كل شيء، وجميع قواه ينبغي أن تكرّس لجعل هذا الوجود أجمل وأمتع للنفوس!» يقول الفيلسوف اليوناني بروتاغوراس. ولأن الإنسان مقياس الأشياء جميعها، ينبغي أن يكون البشر جميعهم أحراراً.

والحق يُقال أن الأزمة الراهنة التي تجتازها حقوق الإنسان لم تنتج عن انتهاك تلك الحقوق أثناء الحرب الهمجية الجارية حالياً فحسب، ولا عن ضعف المطالبة بتقريرها على نحو صحيح، إنما لغياب قوة تضمن حمايتها. فالحقوق تحتاج إلى ضمان حمايتها بشكل يردع الطغاة عن الاستمرار في طغيانهم.

لشدة إهمال الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الفلسطيني كاد البعض يفقد إيمانه بأنه يمتلك تلك الحقوق الطبيعية الخالدة غير القابلة للتنازل، وكادت البشرية تقتنع بأن عدم اهتمام هيئة الأمم المتحدة بحقوق الشعوب ناتج عن انشغالها بحقوق شعوب أخرى. ولكن، تبيّن أن الأمم تسير بما يهوى الطغاة أنفسهم وتترك لهم هامشاً، إلا فلسطين، فهي الخط الأحمر الذي لا يجوز للهيئة مقاربة ملفها إلا بموجب أفكار معلّبة، حتى وصل الأمر إلى تحليل دم الشعوب عما إذا كان من نسل سام أو حام. رغم أن الأطراف السامية تتعهد، بموجب الاتفاقيات الأربع، بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال.

حتى البرجوازية، مع ما اندرج تحت قيادتها ورعايتها من ثورات على الإقطاعية والأوتوقراطية وثورات صناعية، كانت ترمي إلى مصلحة طبقية أنانية، إذ لم يكن ممكناً إنكار أن تحقيق مصلحتها الطبقية الأنانية كان يوافق التقدّم التاريخي آنذاك. ثارت البرجوازية على الإقطاعية، وعلى الكنيسة التي كانت إقطاعية هي الأخرى، لأنها كانت تهدف إلى تحرير الفلاحين الأقنان، لا من سيادة الإقطاعيين البغيضة فقط، بل من صلتهم بالأرض أيضاً، إذ من دون ذلك يستحيل جرّهم من أريافهم إلى مدنها الصناعية حيث المصانع ليعملوا لمصلحتهم.

أراضٍ فلسطينية

لا يمكن القول إن الدول الكبرى تعدّ الأراضي الفلسطينية أراضي «إسرائيلية» تخضع لسلطان الاحتلال. فحتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعدّ أن الاحتلال مطالب باحترام القانون الدولي، تحت عنوان ماذا يَرِد في القانون بشأن مسؤوليات القوّة المحتلّة في الأرض الفلسطينية المحتلّة؟ يرد الجواب وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر. فالاسم الرسمي للبعثة في منطقتنا هو «بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة». وتشمل «الأراضي المحتلة» المُشار إليها الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا. تستخدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أحياناً مصطلح «الأرض الفلسطينية المحتلة» للإشارة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، و/أو غزة على وجه التحديد. ويستند هذا الاستخدام إلى توحيد المصطلح الذي تبنّته الأمم المتحدة بعد الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

الاحتلال في نظر القانون الدولي

تُعدّ أرض الدولة محتلة وفقاً لتعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حين تكون تحت سلطة جيش العدو. في أعقاب النزاع المسلح الدولي بين «إسرائيل» والدول المجاورة لها عام 1967، بدأت قوات الاحتلال المسلحة بممارسة سلطتها على مناطق جديدة وسكان جدد. وبالتالي، تعدّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) تلك الأراضي خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدةً انطباق قانون الاحتلال بحكم القانون (قواعد لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949).
تعتمد المحكمة العليا في «إسرائيل» في الأساس على قانون الاحتلال في أحكامها القضائية. أما بالنسبة لـ«دولة إسرائيل»، فهي تقبل انطباق قواعد لاهاي بحكم القانون وانطباق اتفاقية جنيف الرابعة بحكم الواقع، والتي تمثل الصكوك الرئيسية المنظمة لقانون الاحتلال.

اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها

بعدما أودع لبنان بتاريخ 10/04/1951 وثائق إبرامه لاتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب المعقودة بتاريخ 12/08/1949، عُقد في جنيف بين عامَي 1974 و1977، وبدعوة من الحكومة السويسرية، مؤتمر دبلوماسي هدف إلى تعزيز وتطوير القانون الدولي الإنساني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة. وأقر المؤتمر بتاريخ 08/06/1977 بروتوكولين إضافيين على اتفاقيات جنيف لعام 1949.

يتعلق البروتوكول الأول بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، ويسري على نضال الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير. أما البروتوكول الثاني، فيتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، ويسري على المنازعات التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قوات هذا الطرف وقوات مسلحة منشقّة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى، تمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكّنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسّقة، وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.

انضمّ لبنان، بموجب القانون الرقم 613 تاريخ: 28/02/1997 الذي تضمّن الإجازة للحكومة إبرام اتفاقية البروتوكولين الإضافيين، إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12/08/1949 لحماية ضحايا الحرب. فيما لم تنضم «إسرائيل» إلى البروتوكولين.

الاتفاقية لا تعني المدنيّين فحسب، فبموجب الفقرة 2 من المادة الأولى يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينصّ عليها في هذا الملحق «البروتوكول» أو أي اتفاق دولي آخر، تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي، كما استقرّ بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام.

ولكن أين هو الضمير العام؟ فباستثناء شعب فلسطين لا حقّ يُذكر أنه مستضعف أكثر من حقّه بتقرير مصيره، إذ رأت حكومات الدول الكبرى أن الصفقة جرت رغم أن الشعب الفلسطيني لم يقبل بها.

تدعو اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية إلى اتخاذ إجراءات منعاً لحدوث الانتهاكات أو وضع حد لها، وتشمل وضع قواعد صارمة للتصدي لما يُعرف بـ«الانتهاكات الخطيرة». ويتعيّن بموجب هذه الاتفاقيات التحرّي عن الأشخاص المسؤولين عن «الانتهاكات الخطيرة»، وتقديمهم إلى العدالة، أو تسليمهم، بغض النظر عن جنسيتهم.

بموجب المادة 8 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة فإنه:
يُقصد بالتعابير التالية لأغراض هذا الملحق «البروتوكول» المعنى المبيّن مقابل كل منها:

(أ) «الجرحى» و«المرضى» هم الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي اضطراب أو عجز بدنياً كان أم عقلياً، الذين يحجمون عن أي عمل عدائي. ويشمل هذان التعبيران أيضاً حالات الوضع والأطفال الحديثي الولادة والأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية عاجلة، مثل ذوي العاهات وأولات الأحمال، الذين يحجمون عن أي عمل عدائي.
كأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتضمّن عبارة «باستثناء الإنسان الفلسطيني»

إن مبدأ عدم مهاجمة العاملين في المجال الطبي والمركبات الطبّية والمستشفيات المخصّصة للعمل الإنساني يعدّ من النقاط العشر التي تحظى باهتمام القانون الدولي الذي ينظم السلوك أثناء النزاعات المسلحة ويسعى إلى الحد من تأثيراتها.

وتنصّ المادة (2) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، على أنه:
علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلّح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.
تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.
وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبّقتها.

القوة المحتلّة تدمّر الممتلكات الخاصة

بشكل عام، يُحظر على القوة المحتلة تدمير الممتلكات الخاصة إلا في ظروف معيّنة، أي عندما يكون ذلك ضرورياً للغاية للعمليات العسكرية، أو عندما تُمليه سياسات التخطيط التي ينبغي أن تكون في مصلحة السكان المُحتلّين.

تتناول اللجنة الدولية حالات تدمير الممتلكات، كل على حدة وبشكل غير علني. ويتطلب القانون الدولي الإنساني أن تدير القوة المحتلة الأرض المحتلة بطريقة تسمح بالنمو الطبيعي لمجتمعاتها. وينبغي السماح للفلسطينيين بالبناء على أراضيهم. كما تبذل اللجنة الدولية كلّ ما في وسعها لمساعدة السكان الواقعين تحت الاحتلال عند الحاجة. فعلى سبيل المثال، تقدّم اللجنة الدولية الإغاثة الطارئة للأشخاص الذين هُدمت منازلهم بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram