تحتاج الدولة شهرياً الى 150 مليون دولار وهي عبارة عن حاجاتها بالدولار الأميركي النقدي، 75 مليون دولار منها لرواتب القطاع العام، 35 مليون دولار لفواتير الدواء المدعوم، و50 مليون دولار للقروض والفوائد لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي، بنك الإستثمار الأوروبي، اشتراك بمؤسسات دولية، رواتب دبلوماسيين وشراء نفط ومحروقات للأجهزة الأمنية.
جزء كبير من تلك الأموال كانت تُنفق من حقوق السحب الخاصة التي سدّدت الى لبنان من صندوق النقد الدولي والتي بلغت 1,139 مليار دولار اودعت في حساب الدولة في مصرف لبنان.
أما اليوم وبعد أن تبقّى منها ما قيمته 76 مليون دولار استناداً الى الأرقام الأخيرة الصادرة عن مصرف لبنان حول الموجودات والمطلوبات السائلة، وفي ظلّ قرار المجلس المركزي في المصرف المركزي بعدم الإنفاق من إحتياطي مصرف لبنان الإلزامي البالغ نحو 7.5 مليارات دولار والذي يتمّ إنفاق 25 مليون دولار منه شهرياً للتسديد التدريجي لودائع بالعملات الأجنبية وفقاً للتعميم 158(الذي يمنح 400 دولار شهرياً للحسابات التي تعود الى فترة ما قبل تشرين الأول 2019 و300 دولار لأولئك الذين لم يستفيدوا من القرار قبل 1/7/2023)، تُطرح إشكالية المصدر الذي سيتمّ توفير التمويل منه بعد انتهاء أموال حقوق السحب الخاصة التي شارفت على نهايتها؟.
فائض في إجمالي إيرادات الدولة!
أدى تحرير سعر صرف الدولار الجمركي تدريجياً من قبضة سعر صرف الدولار الرسمي الى تحقيق زيادة كبيرة في ايرادات الدولة. ويقول مصدر مطلع لـ”نداء الوطن” أن الدولة باتت تحقّق فائضاً في إجمالي ايراداتها بالليرة. بالنسبة الى الإيرادات بالليرة اللبنانية فقد تحسنت ووصلت الى 26 تريليون ليرة في آب أي ما يعادل نحو 300 مليون دولار وفق سعرصرف السوق السوداء للدولار. والرسم الرئيسي في تحقيق تلك الزيادة هو الرسم الجمركي. أما بالنسبة الى مجمل الإيرادات التي تحصّل بالدولار النقدي الفريش فيتخطّى الـ 20 مليون دولار. تُحصّل تلك العائدات من تذاكر السفر التي تدرّ كل بطاقة منها 35 دولاراً نقداً الى خزينة الدولة، فضلاً عن المرافق في لبنان التي تحصّل رسوماً بالدولار للطائرات التي تحطّ في المطار والبواخر التي ترسو في مرفأ بيروت…
من هنا يتبين من عملية حسابية بسيطة أن إيرادات الدولة بالليرة سجّلت 26 تريليون ليرة وبالدولار النقدي 20 مليون دولار في آب أي ما يعادل مبلغ اجمالي بقيمة 315 مليون دولار، فيما “مصروف” الدولة لا يصل الى 300 مليون دولار. لكن المشكلة أن جزءاً كبيراً من ايراداتها بالليرة اللبنانية ولديها مبالغ كبيرة من النفقات بالدولار. وما يفعله مصرف لبنان هو تأمين تلك الدولارات من الأموال المودعة لديه والتي تعود للدولة من السوق السوداء من دون أن يؤثّر ذلك على سعر صرف الدولار وفق سعر 89 أو 90 ألف ليرة.
ووفق تلك المعادلة، تكون إيرادات الدولة تحسّنت بشكل كبير نتيجة اعتماد دولار صيرفة للجمارك، وتحديداً في الأشهر الاربعة الأخيرة التي سجّلت إرتفاعاً كبيراً، حتى أنها باتت تستطيع أن تموّل نفسها. وهذا الأمر من شأنه تخفيف الضغط على المصرف المركزي، خصوصاً مع قرار المركزي عدم تمويل الدولة “لا بالليرة لبنانية ولا بالدولار”.
وإذا استمرت الدولة اللبنانية بتلك الوتيرة في الإيرادات خصوصاً اذا ما تمّ تحقيق المزيد من الإيرادات مثل تحصيل مستحقات الخزينة من قطاع المقالع والكسارات التي تفوق مبلغ الـ2.4 مليار دولار، وغيرها من العائدات وإعادة فتح النافعة ابوابها ومعاودة مرافق الدولة مزاولة عملها وعودة موظفي الشؤون العقارية الى عملهم، فإن الإيرادات ستزيد وسيتم تحقيق توازن في الموازنة العامة وهذه النقطة مهمة للغاية في وقت الأزمات والإنحدار الإقتصادي.
مردود الدولة الحالي بالعملة الصعبة
الى تلك العائدات يقول ضاهر، للدولة مردود بالعملة الصعبة من حقوق هبوط الطائرات في مطار بيروت مثل شركة Air france التي تسدّد رسومها باليورو وكذلك الأمر بالنسبة الى البواخر التي ترسو في مرفأ بيروت فتسدّد رسومها بالدولار، عدا عن العائدات التي تردنا من السفارات والفيز والمعاملات التي تقام في الخارج تردنا بالدولار مع الإشارة الى أن هذا المدخول لا يزال ضئيلاً”.
أما الواردات الأساسية التي ترد الى الدولة من الرسوم الجمركية، فتبيّن عملية حسابية بسيطة انه اذا افترضنا على سبيل المثال أن حجم الإستيراد بقيمة 18 مليار دولار ومعدّل الرسوم الجمركية الوسطي يبلغ 5% (علماً ان بعض السلع مثل غالبية المواد الغذائية وخصوصاً القادمة من الدول الأوروبية لا رسوم عليها في حين أن سلعاً أخرى هناك رسم أعلى عليها)، تكون قيمة عائدات الرسم الجمركي نحو مليار دولار بالعملة الخضراء نقداً.
فالقطاع الخاص استناداً الى ضاهر “يستورد معدات بناء وسيارات ومواد غذائية، ما يعني أن المستورد يملك الدولارات ويمكنه ان يسدّد الضريبة بالعملة نفسها بدلاً من تصريف الدولار وتسديده بالليرة وهذا ما اقترحناه.
ولكن استناداً الى القانون اللبناني لا يجوز استيفاء الدولة إيراداتها بغير العملة اللبنانية، ما استدعى احتدام النقاش حول الإقدام على دولرة بعض الرسوم، الخطوة التي قد تترجم على أنها تشجيع على الدولرة. مع الإشارة الى ان وزارة المال كانت طرحت مسودة مشروع قدمته الى مجلس الوزراء لاستيفاء الرسوم الجمركية بالدولار.
اذا أنفقت أموال الـSDR واستمر مصرف لبنان على موقفه الرافض لاستخدام الإحتياطي الإلزامي، يمكنه توفير الدولارات المطلوبة من الدولة من خلال تصريف الليرات المتواجدة في حساب الدولة لديه من السوق السوداء بطريقة حذرة، فلا يرتفع سعر صرف الدولار ولا تزيد الكتلة النقدية في السوق والتي تمّ سحب 30 تريليون ليرة منها من السوق منذ أكثر من شهر.
…وماذا عن سعر صرف الدولار؟
لكن كيف يتمكن مصرف لبنان من تأمين العملة الخضراء من السوق من دون أن يسجّل أي زيادة ملحوظة؟
من شهر تموز ولغاية ايلول كان هناك عرض للدولار بسبب الحركة السياحية التي كانت نشطة والتي درّت نحو 6 مليارات دولار في السوق. لذلك لم تؤثّر عملية شراء الدولارات من مصرف لبنان على سعر الصرف الذي كان يرتفع نحو 300 أو 400 ليرة لبنانية فقط ثم يتراجع.
أما اليوم ومع انتهاء فصل الصيف وفي ظلّ التوقعات بخفض كميات الدولار المعروضة في السوق، ومغادرة المغتربين البلاد، فإن “مصرف لبنان سيستمرّ في تأمين الدولارات المطلوبة من السوق وطبعاً من حساب الدولة، ولكن بطريقة حذرة تحول دون ارتفاعه مع الزام الدولة بتحديد أولوياتها، وقد لا يستطيع تأمين كل الأموال المطلوبة بالعملة الصعبة من السوق السوداء لكنه سيبذل جهده لتوفير ما تيسّر”، استناداً الى المصادر نفسها.
وفي السياق، لا بدّ من الإشارة الى أن مصادر الدولار غير محصورة بالسياحة كما تبين، ولكن السياحة أسهمت في التوصّل الى تحقيق فائض مقبول وحرّكت المسار في الإتّجاه الإيجابي. فالمصادر الأخرى المعلومة للدولار هي: تحويلات المغتربين السنوية، الدعم من الخارج والمساعدات الإجتماعية التي تقدم للجمعيات وللدولة ومشاريع البنك الدولي للبنانيين الأكثر فقراً وتحويلات الدولار للنازحين السوريين التي يصرف جزء منها في الداخل اللبناني رغم أن كلفتهم والعبء أكبر!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :