في العاشر من حزيران الفائت وقف إسماعيل ناصر، المواطن اللبناني الجنوبي أمام جرافة إسرائيلية حاولت دفنه تحت الرمال، أثناء محاولته منعها من تجريف أرضه في بلدة كفرشوبا الحدودية جنوب لبنان، وعلى إثر ذلك تداعى أهالي بلدة كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية للاعتصام في أراضيهم وعمدوا إلى نصب خيمتين للبقاء فيهما تعبيراً عن تمسكهم بأرضهم.
منتصف شهر حزيران المنصرم جرى نقاش في مـعـهـد أبحاث الأمن الـقـومـي الإسرائيلـي مع لجنة الشؤون الخارجية والأمن، تمحور حول كيفية معالجة أمر طارئ وملح وهو وجود خيمتين يحرسهما عناصر من حزب اللـه بالقرب من جبل دوف، حسب زعم العدو الإسرائيلي، وفي النقاش تم التركيز على ضرورة الترويج لخبر إقامة خيمتين لحزب اللـه في الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق المعتمد منذ العام 2000.
خلص النقاش في معهد الأبحاث هذا إلى توصية، بوجوب قيام إسرائيل بالعمل وبكل السبل الممكنة واتخاذ الإجراءات اللازمة، لإزالة الخيمتين حتى لو أدى ذلك إلى حرب محدودة مع حزب الله.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، قرر عدم استعمال القوة لإزالة الخيمتين في المرحلة الأولى، والتوجه للعمل من خلال القنوات الدبلوماسية ورفع شكوى للأمم المتحدة تظهر إسرائيل بأنها «مظلومة» وبأنها المُعتَدَى عليها وأن حزب اللـه هو المُعتَدِي على إسرائيل.
في الرسالة الإسرائيلية إلى الأمم المتحدة، أُبلغ لبنان وبلغة التحذير بأن «حزب الله» اللبناني هو المسؤول عن نصب الخيمتين في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتي تعتبرهما إسرائيل جزءاً من الجولان السوري المحتل عام 1967 ربطاً بقرار ضم الجولان، وبحسب الرسالة الإسرائيلية فإنه «ما لم يخلِ حزب اللـه الموقعين، فإن الجيش الإسرائيلي سيبادر بنفسه إلى إخلائهما وبالقوة.
الإصرار على إبقاء الخيمتين وعزم حزب اللـه على عدم إزالتهما يعكسان زيادة الثقة الوطنية بحزب اللـه وتأكيد على أن الحزب صار القوة الوحيدة التي يمكنها ردع إسرائيل والحفاظ على السيادة الوطنية اللبنانية، حتى لو كلف ذلك اندلاع حرب شاملة مع العدو الإسرائيلي.
ونذكّر هنا، أنه لم يكن ممكناً حفظ حق لبنان بالمنطقة الاقتصادية والتوصل إلى ما سمي بترسيم الحدود البحرية، إلا بعد تهديد حزب اللـه الجدي وإطلاق مسيراته فوق منصة التنقيب «غرين انرجي»، الأمر الذي أرغم الأميركي والفرنسي والعدو الإسرائيلي على قبول الترسيم، خوفاً من اندلاع حرب حقيقية والإخفاق في استكمال التنقيب عن الغاز في المتوسط.
اللافت أن الدراسات والأبحاث والدلائل تشير إلى أن إسرائيل ومنذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، هي في حالة انقسام عمودي، وتراكم ضعف الجبهة الداخلية، إضافة إلى تآكل قوة الردع وحتى في عقيدة الجيش الذي وصف يوماً بالجيش الذي لا يقهر، وكل ذلك دليل واضح على ضعف إسرائيل وإصابتها بالوهن وأن لا مصلحة لها في الوقت الحالي في شن حرب قد تشكل الخطر الأكبر وقد يسهم في زوالها كدولة وكيان من الوجود.
حزب اللـه من جهته قابل موضوع الخيمتين ببرودة لافتة، معتبراً أن الخيمتين أقيمتا على أرض سيادية لبنانية، ومن حق المواطنين إقامة ما يشاؤون على أرضهم وأيضاً للتعبير بأن الحزب يدافع عن حق لبنان واللبنانيين، منتهزاً الفرصة في تحصين «توازن الردع» في مواجهة العدو الإسرائيلي وهذا ما يعطي الحزب موقعاً متقدماً ليس في لبنان وحسب، إنما على مستوى القوى الإقليمية وخاصة تلك التي تحاول فرض معادلات لا تتناسب مع واقع لبنان.
لا غلو بالقول إن حزب اللـه ومن خلال إصراره على إبقاء الخيمتين في موقعهما وعلى الأرض اللبنانية، أثبت دوره المتقدم، وظهر بصورة «الحامي» لسيادة لبنان، والقادر على ردع العدو الإسرائيلي بل وإجباره على الإذعان.
إسرائيل تتهم لبنان بأنه خرق اتفاق وقف الأعمال العسكرية رقم 1701 الذي تم التوصل إليه عقب حرب تموز 2006، وفي الواقع أن إسرائيل نفسها لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق، بعدما رفضت الانسحاب وإخلاء مزارع شبعا حسب نص اتفاق 1701، بل إن إسرائيل انتهت مؤخراً من قضم وتسييج منطقة الغجر اللبنانية وضمها لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وأمام أعين القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان والجولان السوري المحتل.
لكن الحقيقة الساطعة أن إسرائيل 1948 مروراً بـ1967 وصولاً إلى 1973 وما بينهما، وحتى إسرائيل التي قامت بعملية «أوبرا» المعروفة أيضاً باسم عملية «بابل»، وهي الغارة الجوية الإسرائيلية التي نُفذت في 7 حزيران 1981 وأسفرت عن تدمير مفاعل تموز النووي العراقي، لم تعد إسرائيل بقدها وقديدها وبعدتها العسكرية الهائلة، وبجيشها الذي لا يقهر، لم تعد إسرائيل صاحبة الذراع الطويلة، والمبادرة إلى شن حروب خاطفة في أرض غير أرضها من دون المساس بأمنها، ونستطيع القول إن إسرائيل اليوم تعيش رهاباً اسمه «حزب الله» الذي وصفها بأوهن من بيت العنكبوت.
رد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد رد على تهديدات العدو الإسرائيلي قائلاً: إن «العدو الإسرائيلي منذ شهر وهو يستنفر العالم بسبب الخيمتَيْن الموجودتَيْن على الحدود، ويعتبر أنهما وُضعتا في نقطة متقدمة على الخطّ الأزرق وفق تفسيره، ويطالب بإزالة هاتين الخيمتين وأنه يُفضَّل أن تقوم المقاومة بإزالتهما لأن العدوّ الإسرائيلي إذا أراد ذلك فستقع الحرب وهو لا يريدها».
وخاطب رعد العدو قائلاً وفي اللغة العامة: «إذا ما بدّك حرب سكوت وتضبضب»، أمّا أن تفرِض على المقاومة أن تنزع ما هو حقٌّ للبنان وما تعتبره أنه ضمن أرضه، فلا أنت ولا غيرك قادر أن يفرض على المقاومة، فقد ولّى الزمن الذي كنت تقصف فيه مفاعل تموز النووي من دون أن يرفّ لكَ جفن، وما كنت تخاف من أحد»، وتابع محمد رعد موجهاً كلامه لنتنياهو تحديداً بالقول: «الآن أنت لست قادراً على إزالة خيمتين لأن هناك مقاومة ورجالاً ومؤمنين أقوياء في هذا البلد»، ولفت إلى أن «العدوّ الإسرائيلي يتمسكن ويحتال أمام المجتمع الدولي بالإيحاء أن المقاومة تُخالف النظام العالمي الذي يقِف عند حدود حقوقنا».
مما لا شك فيه أن حزب اللـه اليوم ليس حزب اللـه نفسه في عام 1982 وليس حزب اللـه عام 1996 ولا حزب اللـه عام 2000 ولا حزب اللـه في حرب تموز عام 2006، بيد أن حزب اللـه 2023 هو القوة الوحيدة في المنطقة الرادعة لإسرائيل والحاضرة في كل ساحات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، ومع هذا التطور المستمر في أداء وحضور حزب اللـه نستطيع القول وبكل طمأنينة: إن إسرائيل تلك التي قصفت مفاعل تموز في بغداد عام 1981 تراها اليوم في تموز 2023 عاجزة عن إزالة خيمتين في الجانب اللبناني.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :