الدولار.. من القوة الوحيدة الى صراع على الوجود!

الدولار.. من القوة الوحيدة الى صراع على الوجود!

 

Telegram

 

الياس المر

 خبير العلاقات الدولية 

منذ انكفاء الولايات المتحدة الأميركية عن الحروب العسكرية بعد التجارب العديدة, ولجوئها في العقد الأخير الى اعتماد استراتيجية الحروب الاقتصادية من خلال الحصار والعقوبات متسلحتا بكونها مركز التجارة العالمية والممر الالزامي للنظام المصرفي ونظام التحاويل ال swift إضافة الة نظام بطاقات الدفع الالكترونية ونظام الملاحة البحرية والحاويات والتأمين وشركات إعادة التأمين, مما يعني السيطرة الكاملة على جميع مفاصل وتفاصيل حركة التجارة العالمية, وكل ذلك بسبب عامل أساسي وحيد هو قوة وسيطرة الدولار على كافة العملات والتعاملات من حول العالم. 

ولكن حتى الحروب الاقتصادية بدأت لا تعطي نتائجها ولا تحقق دائما جميع أهدافها الأساسية الموضوعة لأجلها, بالرغم من الضرر الكبير الذي تلحقه باقتصاديات الدول المستهدفة الا أن طرق التفلت والنجاة منها أصبحت متعددة وكثيرة وهي في تطور التكاثر والتطور في الوقت الأخير وبشكل متسارع, مما يجل هذه العقوبات بلا جدوى سياسة ولا تحقق أهداف الإدارات المتعاقبة لولايات المتحدة كأداة أساسية في استراتيجيات السياسات الخارجية, 

ان الشواهد على عدم فاعلية العقوبات كوسيلة حاسمة في اخضاع الخصوم كثيرة للغاية منذ التجربة الايرانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي, وتمكن ايران من وجود الحلول دائما من خلال تنمية القدرات الذاتية وسياسة الإنتاج والاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي وخصوصا دورها على صعيد الممرات البحرية, وسيطرتها من خلال المضائق على الطرق والتجارة البحرية, وأسباب عديدة أخرى لسنا في طور تفصيلها, مرورا بالتجربة في أميركا الجنوبية, والتجربة السورية من خلال قانون قيصر, وصولا الى تجربة العقوبات على روسيا ابان العملية العسكرية على أوكرانيا, وكيف أن هذه التجربة كانت الأفشل على الاطلاق بحيث ابانها تعرض الاقتصاد الحليف لأميركا الاقتصاد الأوروبي لضغوطات هائلة كادت تطيح بالحكومات بسبب نقص الطاقة وسياسة سقط الأسعار التي كادت تحرم الأوروبيين من التدفئة, وأدت الى بروز طوابير على محطات المحروقات بمشهد لم تعتد عليه أوروبا ولا بريطانيا أبدا. 

قد يجد البعض لهذا الواقع أسباب تخفيفية، كأن يرى في ذلك سياسة أميركية للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء، ولكن ما لا نجد له تبرير، أن يصل الدولار نفسه في زمن هذه العقوبات الى مرحلة مصيرية، يفقد فيها الثقة المطلقة، ليدخل بمرحلة علامات الاستفهام التي تتهدد مصيره ومستقبله، ومعه مستقبل البدائل التي يبدو أنها أصبحت موجودة وأصبحت أكثر جدية من أي وقت سابق، 

بدائل الدولار المطروحة في السوق العالمية، 

يبدو أن اليوان الصيني لم يعد عملة محلية لأكبر اقتصاد في العالم ولأكبر مصدر وأكبر شريك تجاري لأهم الدول، بل أصبح اليوم الحل البديل عن ندرة أو شح الدولار لدى بعض الاقتصادات التي تعاني من السيطرة الأميركية على منابع الدولار ومحاولة إدخاله واستعماله كأداة ضغط مصيرية لتحقيق أهداف سياسية، فبدأت الدول جديا بالبحث عن حلول بديلة وها هي الصين جاهزة لإعطاء هذه الحلول من خلال الموافقة على بيع منتجاتها بعملتها المحلية أي اليوان الذي أصبح في المقابل شريك استثماري في مودع في المصارف المركزية لهذه الدول, فيما يلي بعض النماذج عن هذه الاتفاقيات العملاقة: 
° الاتفاق مع البرازيل للتبادل التجاري بالعملة المحلية
° الاتفاق مع توتال الفرنسية لاستيراد النفط من الامارات بالعملة المحلية
° الاتفاق من المركزي العراقي في 23 شباط 2023
° الاتفاق مع أكبر منتج للنفط أي السعودية على التبادل بالعملة المحلية المعلن في كانون الثاني 
° التخلي عن الدولار في كافة التعاملات مع روسيا وبكستان ودول أخرى
° التوجه المصري مؤخرا لبدء التعامل باليوان كبديل عن الدولار 

أضف الى ذلك مجهود البريكس المتنامي والواعد وخصوصا في ظل الحديث عن قرب انضمام ايران والسعودية على هذه المنظمة السياسية الاقتصادية التي باتت تشكل التهديد الأكبر على النفوذ الأميركي في العالم سيما عللا هيمنة الدولار وأحادية استعماله واعتماده كمرجع وحيد للتبادلات التجارية حول العالم. 
وفي السنوات القليلة الماضية، اتجهت "بريكس"، التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ودولا أُخرى مثل إيران والأرجنتين، إلى تسوية المزيد من معاملاتها التجارية بالعملات المحلية، وصولا إلى عملة مستقرة مدعومة بالذهب وعملة احتياطية جديدة، وفقا لموقع "بزنس إنسايدر" الأميركي.

أضف على كل هذه الضغوطات والمزاحمة الخارجية على الدولار, المشاكل الداخلية عليه داخل أميركا حيث يعاني الاقتصاد هذا العام على عكس التوقعات وفي ظل الأزمة الروسية الأوكرانية يعاني الاقتصاد الأميركي الكثير من الأثقال والضغوطات أدت الى رفع الفائدة على سندات الخزانة للمرة التاسعة هذا العام وسط مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم والركود والبطالة, والأخطر من ذلك ما تواجهه أميركة في الساعات الأخيرة من أزمة سداد الدين, بسبب تخطي الإدارة لسقف الدين, وحاجتها لتعديل قانوني من الكونغرس ذات الغالبية الجمهورية وسط تجاذب سياسي مالي كبير, يهدد أكبر اقتصاد في العالم باحتمال توقفه عن سداد الدين في سبقة حصلت اثنان وعشرين مرة من قبل, أي أنها من الممكن أن تحصل قبل المهلة الأخيرة في الأول من يوليو أي بعد أسبوع واحد من موعد انعقاد قمة ال G7 فيما يلعب كلا الطرفين الجمهوريين والديمقراطيين لعبة عض الأصابع والرقص على حافة الهاوية في الربع ساعة الأخيرة, متناسين أن الأزمات المشابهة في السابق لم تكن بهذا الحجم والأهم لم تكن فيها أميركا ومعها الدولار بهذا القدر من الضعف والمنافسة ليس على البقاء في الصدارة هذه المرة بل على مجرد البقاء. 

لم يضعف الدولار بعد وحتما لم يسقط، ولكنه يمر بأضعف مراحله منذ الحرب العالمية الثانية وسط مزاحمة أكثر جدية من دول وقوى لم تعد في طور النمو فحسب بل أصبحت قوية جدا.

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram