انطون سعاده الغائب الأكبر في حزبه (3)

انطون سعاده الغائب الأكبر في حزبه (3)

 

Telegram

 

 

"نظام التفاهة " عوضا عن "النظام الجديد"!

سبق أن أوردنا إن سعاده بعد حله المجلس الأعلى في نيسان عام 1947 لم يتمكن من إنشاء مجلس جديد لعدم وجود أعضاء مؤهلين لمتابعة نهجه السليم وبناء الأعضاء والكوادر اللازمة للمسؤوليات العليا. وقد ترك وحيدا لدرجة أن المسؤولين السابقين - كلهم تركوه قبل غيابه وعاد معظمهم بعد إعدامه- تبنوا نظرة الأعداء والحملة على الزعيم (رسالته إلى رفيق الحلبي حزيران عام 1947) وتحت ضغط الظروف المحيطة، تابع إتصالاته السياسية بشأن المسألة الفلسطينية وتمتين آواصر التعاون مع بعض القيادات الوطنية أمثال سلطان باشا الأطرش وغيره. وكان غيابه المفاجئ عام 1949 في ظل عدم وجود قيادة للحزب. كما أتينا على إيراد فقرات من بيانات لمسؤولين تسلموا مسؤوليات رئاسة الحزب أتوا فيها على المفاسد المنتشرة داخل الحزب.

كل ذلك، يعني عدم العمل بالخطة المرسومة لزعيم النهضة عقيدة ونظاما. إضافة للتعديلات التي طالت دستوره - إلغاء وحدة النظام - التي ألغت جوهر فكره الدستوري والفلسفي، لا سيما فكرة الديمقراطية التعبيرية التي يعتبرها تنقذ البسشرية من كل المفاسد ( خطابه في سانتياغو عام 1940) ، في قوله إن "الديمقراطية الحاضرة" قد "شاخت"، وان العالم يحتاج لديمقراطية جديدة.

وقد عاب سعاده على أوروبة ديمقراطيتها التي تنتج حكاما فاسدين لم يفلحوا في إنقاذها من حربين متتاليتين. كما وجه نقدا قاسيا لنظام الحكم في كل من فرنسة وانكلترة الذي أرهق الشعب في البلدين المذكورين وذلك في مقالته "العقيدة السورية القومية الإجتماعية وبحث الديمكراتيين عن عقيدة" 15/6/1942.

كما عاب على أنظمة الكيانات السورية ديمقراطيتها الفاسدة التي تنتج مجالس طائفية وعشائرية وإثنية. وما زال الأمر مستمرا لتاريخه.

ويفاخر سعاده "بالاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد." ويتابع قائلا: "وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائما كما تريد الأمة."

هذه الديمقراطية الجديدة لم تطبق لتاريخه في كل التنظيمات الحاملة إسم الحزب منذ غياب سعاده عام 1949. مما يعني أنها ليست الحزب الذي أراده سعاده لعدم عملها بالخطة القومية الواردة في الدستور لنهضة سورية ، ولتقدم النموذج الراقي لنظام حكم جديد تنحو على مثاله الدول الباحثة عن السلام والطمأنينة لشعوبها.

يبرز للعيان، من خلال مشهد الحزب في كل أدوار تاريخه بعد غياب المؤسس، إن "إدارات" الحزب لم تساهم عمليا في تأسيس "عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب.. وتكون قضية ونظرة إلى الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة" ولم تعمل لإنشاء "تقاليد جديدة تظهر فيها قيمة نظرنا واتجاهنا وفاعليتنا في الحياة".. ولم تعر إهتماما للنهضة "بتعاليمها، بمثلها، بالنظام الذي أوجدته في داخلها والذي ترمي إلى تحقيقه في الأمة كلها هو شئ وحيد في شرقي البحر المتوسط وله خصائص وميزات يمتاز بها بالنسبة إلى كل مجتمع حر في العالم كله. "هذا بعض ما جاء في آخر محاضرات سعاده في الندوة الثقافية عام 1948.

لم تقدر الإدارات بعد سعاده مفهومه لمعنى " قيادة" قيادة حزب، مثل الحزب السوري القومي الإجتماعي، وهذا ما نستخلصه من الإدارات الحزبية المتعاقبة التي لطالما اعتبرت نفسها مجرد قيادة "أدارية" مثل إدارة شركة لديها مجلس إدارة ومدير عام وموظفين وسكرتيريا. وحافظت الإدارات المتعاقبة على الأشكال التي توارثتها معتبرة إياها "المثال المحتذى " للإدارة الناشطة والناجحة: رئيس حزب ومجلس أعلى ومجلس عمد ومنفذيات إدارية وأمور مكتبية وما شاكل.

ولم تنظر إلى الحزب "كدولة مؤسسات" لرعاية كل الشعب على كامل الوطن السوري. فهي لم تعمد لشد الأعضاء إلى القيم السورية والحزبية الجديدة وتعمل لرفع وعيهم للمسألة القومية عامة وكل ما يعنيه الوطن السوري برمته من تاريخ وأساطير وتراث وفلسفة.. إضافة لتغييب مفهوم الحزب كدولة مؤسسات، أو الحزب - الدولة، الحزب الذي يضع سياسة واستراتيجية عامة تشمل المجتمع والوطن السوريين. ففكرنا السياسي القومي هو الذي يمكنه من رسم دور الحزب في المجتمع والدولة، وبالتالي المصير القومي كله (السيادة، المناطق المحتلة، الوحدة الأجتماعية، والاقتصادية والسياسية. التي يبنى عليها التخطيط القومي السياسي) . وما يحصل أن أصحاب السياسات الصغيرة هم الذين يتبؤون المناصب العليا في الحزب فتخسر بلادنا التخطيط الصحيح المستمد من عقيدة ونظام سعاده. إذ تكتفي الإدارات الحزبية بالعمل للحصول على كرسي نيابي أو وزاري! في ظل بقاء القوميين في "جاهلية" ما قبل النهضة كما يرددها الأمين فهد الباشا.!

في حين أن هذا الحزب، بقضيته القوميه ونظامه الجديد ونهجه القومي يحتاج لقيادة تملك عقلا نيرا، ونظرة استراتيجية واضحة للمسائل القومية، كما تملك كاريزما لحشد الطاقات الفاعلة التي تملك كفاءات علمية.

فأعضاء القيادة هم من حاملي رتبه الأمانه العليا (المرسوم السابع) الذين يتمتعون ببعد نظر في العمل السياسي وبقدرات سياسية تؤهلهم الخوض في غمار التخطيط القومي السياسي. فيجرى توزيع العمل بين أصحاب الإختصاص الذين يجب ان تناط بهم المسؤوليات العليا في الدولة القومية، تحضيرا للمواجهات المصيرية، لا تسليم الأغبياء وغير المتعلمين المسؤوليات العليا فعندها يستحق ان نطلق على نظام الحزب: "نظام التفاهه" بكل معنى الكلمة. نظام التفاهة هو عنوان كتاب للباحث الان دونو يعرض فيه لكيفية وصول التافهين لكرسي الحكم في معظم دول العالم. نردد ذلك، لعلمنا الأكيد كيف تجرى اليوم عمليه توزيع الأمانة، الرتبة العليا على أعضاء لايملكون أدنى المقاييس التقنية لأصحاب المؤهلات العلمية والعملية. وهذا ما ذكره الدكتور عبد الله سعاده في محاضرته في مكتب الطلبة: كنا نوزع رتبة "الأمانة" على أعضاء، ونطلب منهم أن ينتخبونا. ونحن بدورنا كنا نعينهم في مسؤوليات مركزية. خلافا للمادة 5 من الدستور، وللشروط الواردة في مرسوم الزعيم للرتبة المذكورة التي تمنح لأصحاب الإدراك العالي والنضال الممتاز بالفكر والعمل، والقيام بأفعال وتضحيات غير اعتيادية و..

هكذا تغيب عملية بناء الحزب كدولة مؤسسات وفقا لدستور سعاده. ويكفي في هذا المجال الإطلاع على أدبيات الحزب وأعماله بعد غياب المؤسس لنقع على حقيقة الأمر. فلم يكن لرئيس الحزب مشروع قومي عام ولم يكن هناك روابط بين السلطة التشريعية والمؤسسات المركزية في الحزب! ومتى كانت طوال تاريخ الحزب؟

وما هي المؤسسات الجديدة التي شرعتها مؤسسة المجلس الأعلى طوال تاريخها والتي أخرجت الحزب من أن يكون مجرد "شركة إدارية سياسية" في هذا الوطن السوري الذي يعربد فيه اليهودي والأميركاني والتركي .. وتنهب موارده وخيراته لصالح الأجنبي؟!

طلبوا رأس سعاده عام 1949، لرده على خطاب بنغوريون في مدرسة الضباط العسكرية اليهودية لإعلانه بإعداد العدة لبناء "جيش قومي" - المبدأ الخامس الإصلاحي- لتحرير كل الوطن السوري من أعدائه. فأعدم سعاده، وأعدمت معه الخطة لبناء جيش قومي! ولم أقع في أدبيات الحزب في الخمسينات على بيان يذكر فلسطين! ؟ بينما كان فؤاد الشمالي وأحمد عبد الغفور وكمال خير بك و"منظمة الزوبعة" خارج الحزب يعملون من أجل فلسطين! في الستينات والسبعينات يقابل ذلك تصريح أسد الأشقر من على باب القصر الجمهوري برفقة رئيس الحزب (زمن فرنجية) : "أنا صاحب المدرسة اللبنانية في الحزب القومي"!

قبل سعاده وبعده الأمر سيان ( 1938_ 1947) و( 1949_2020): باختصار لا مؤسسات! عندما كان هو يصرف كل وقته وعنايته "إلى تنظيم الحركة القومية التي كانت تحتاج إلى إنشاء وتأسيس كل أمر من أمورها. إذ لم يكن قبلها شيئ إداري أو إجتماعي أو سياسي أو ثقافي أو دستوري أو مناقبي يصح اعتماده لنوع هذه الحركة الجديدة " (من الظلمة إلى النور - 15.10.1940) ليغدو الحزب ".. منظمة عظيمة مجهزة بمؤسسات تجمع ضمنها جميع شعب الفكرة الواحدة وتحفر مجاري عميقة للإرادة الواحدة المستمرة، التي لا يعود في الإمكان تعطيلها أو تحويل مجراها بتعطيل عمل عدد من الأشخاص" ( القبض على بعض أركان القوميين 13.4.1940).

هكذا يصبح الحزب "حركة الشعب العامة" تنظم أعماله ومواهبه مؤسسات يقوم عليها إدارات تشريعية وتنفيذية ووحدات إدارية وإجتماعية وإقتصادية تسهر على إقامة المتحدات الروحية.

لذلك يجب ان يقوم على إدارة هذه المؤسسات أصحاب خبرات وكفاءات و إختصاص تضع مناهج علمية، تطبيقا لما ورد في المادة الثانية من المرسوم الأول للزعيم (مجلس العمد): تسير إدارة الحزب وفاقا للتصنيف الفني للمصالح الرئيسيّة ويجري تعيين العمد على أساس هذا التصنيف." فالمصالح العامة الرئيسيّة هي محاور العمل القومي، الذي يجري تعيين مسؤوليه سنداً لقانوني: 1- تقسيم العمل 2- الأهلية والخبرة. فالحزب بمؤسساته التي يتولاها أصحاب المؤهلات العلمية والكفاءات العملية. وأيضاً، الدولة بمؤسساتها. وهذا ما دعانا إليّه سعاده في خطابه المنهاجي عام 1935 للعمل ليكون الحزب دولة السوريين القوميين الإجتماعيين "المستقلة". وهذا ما أعاد تذكير القوميين به، عندما أعاد شرح الخطاب المذكور في محاضرته الثانية في الندوة الثقافية. كلّ ذلك لأنه يعتبر الحزب : "المتحدالاجتماعي الروحي" للقوميين، ولعدم وجود دولة راعية لشعبها في كيانات الوطن السوري.

صاغ سعاده في دستوره المؤسسات الأولى لبناء المجتمع (ألف باء..): مديريّات ومنفذيّات ومجالس منفذيّات وعمدات للإدارة والإقتصاد والإذاعة.. لأنّ بلادنا افتقدت وجود دولة بمفهومها السوري القومي منذ 11 قرن.

إذًن وضع سعاده المؤسسات الأولى، لتتابع الإدارات الحزبيّة بعده صياغة المؤسسات الخاصة التابعة للمصالح العامّة الرئيسيّة (العمدات) وفقاً للمادة 11 من المرسوم الأوّل (مجلس العمد): "تنشأ لكل عمدة مصالح خاصة وقانون داخلي" هذا هو النهج العملي لتحقيق النهضة في المجتمع، والذي كان يتوجب على الإدارات الحزبيّة تحقيقه لإحداث التغيير المطلوب في بنية المجتمع ونظام حياته عبر عمليّة نقله من حياة الطائفة والعشيرة والقبيلة إلى نظام الحياة الجديدة. "فالقوميّة الإجتماعيّة مذهب للمجتمع وليس للأفراد".

أي أنّ تحقيق فكر سعاده (غاية الحزب) هو نشاط مطلوب من الإدارات الحزبيّة العليا التي تضع الخطط الاستراتيجية والمرحلية وتسهر على متابعتها في العمدات والمناطق عبر الوحدات الحزبية. لان المديريّات والمنفذيّات ليست "وحدات إداريّة" ومكتبيّة, إنَّما وحدات تعمل لبناء حياة جديدة في المناطق على كافة الصعد: الإجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة (المحليّة) والثقافيّة و..

وبناءً على هذه المشاريع (المؤسسات) تبدأ بالبروز الشخصيّة الإجتماعيّة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطور هذه المشاريع (المؤسسات). فتلتئم مصالح أبناء المتحد بعضها ببعض، وبتطور هذه المشاريع تتحسن حياة الناس في المناطق لتنشأ الأخوة القومية.

لهذا لم تتحول بلدة النبي عثمان إلى بلدة قومية! كذلك الأمر بالنسبة لبلدة سعاده (الشوير). لعدم بناء متّحد روحي اجتماعي اقتصادي، والإكتفاء بأعمال إداريّة وحلقات إذاعيّة بعيداً عن عبارة سعاده: "إنّ القوميّين الإجتماعيّين حيث يكونون يؤلفون متّحداً اجتماعيّاً روحيّاً واحداً". إذن خطة عمل الإدارة الحزبيّة سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى الإجتماعي في المنفذيّات والمديريّات، كلّها واضحة في مقالات ورسائل سعاده التي لم يعمل بها لتاريخه. وتوجه هذه الإدارات كل همّها إلى مسائل مغايرة لاستمرار تسلّطها على الحزب وإبقاء القوميّين في حالة تخدير بنظام الأشكال من الانصياع للأوامر وإطاعة المسؤولين، في ظل غربة عن حزب سعاده، عبر الإشتغال بالثانويات وإهمال الأساسيات المتضمنة في دستور سعاده الأساسي، والمراسيم السبعة المبنيّة عليه.

وتكتسب الإدارة الحزبيّة شرعيّتها من تطبيق هذا الدستور وتجاهله ينفي عنها كلّ شرعيّة. وللعودة إلى الشرعيّة الدستورية يقتضي إلغاء كلّ التعديلات المناقضة لفكر سعاده الدستوري. وتطبيق كامل لنظام الفكر والنهج ونظام المؤسسات ولا شرعيّة خارجهما على الإطلاق.

فالتشريع الدستوري هو الذي يلزم مصادر التشريع في الحزب: العقيدة و الدستور و العقل.

تلك هي الشرعيّة التي يفتقدها القوميّون في حزبهم. ولا شرعيّة في مجلس أَدُعِيَ مجلس قومي أو استشاري يرافقه انتخابات مخالفة للديمقراطيّة التعبيريّة التي ابتدعها سعاده.

وما حصل في الشهرين المنصرمين ممّا دُعِيَ "انتخابات " وما تلاها من سلبيّات على الصعيد الحزبي الداخلي والشعبي العام، كلّها تخالف فكر سعاده الدستوري. وتخالف كل ما أُصطُلِحَ على إلباسه رداء الشرعيّة.

وأنقل فيما يلي ما ورد في معجم الطالب لجرجس همّام الشويري عن الشرعية: والشرع (بالفتح) البيان والإظهار وما سنّ للناس طريقاً ومذهباً. والشرعي ما توافق الشرع ونُسب إليه. وعن المعجم الفلسفي لجميل صليبا: والشرعي هو المنسوب إلى الشرع، ويُطلق على ما يوافق الشرع أو على ما يتوقف على الشرع. ويقابله العقلي والحسيّ والطبيعيّ. كما أنّ الرئيس الذي يتولى الحكم وفقاً لقواعد الدستور يسمّى الرئيس الشرعيّ. والشرعيّة (légalité) صفة الأفعال المطابقة للقانون، أو المقيّدة بالقانون.

فالشرعيّة هي ما يوافق المذهب القومي وما شرّعه المشرِّع من عقيدة ووضع له من نظامٍ مناسب، ورفض العمل بموجب تعديلات مناقضة للعقيدة والنظام لاعتباره غير شرعي على الإطلاق. ولا يجوز تطبيقه أيضاً لأنّه مخالف للعقد مع الزعامة القوميّة وما شرّعت من عقيدة ونظام ملزمين لكل عضو في الحزب.

فقد تأسّس الحزب بموجب عقد بين الزعيم كطرف أوَّل، والأعضاء كطرف ثان. والعضو ملزم بتطبيق بنود العقد دون زيادة أو نقصان . وكل مخالفة لبنود العقد تُبطِل عضويّته في الحزب ليصبح العضو في حزب آخر أو مؤسسة أخرى!

والعقد مع الزعيم، يعني أن يتخلّص العضو من كلّ الرواسب المذهبيّة والعشائريّة والإثنيّة وتداعياتها ليعتبر نفسه كلّيّاً للحزب. الحزب الذي هو دولة العضو الجديدة دون ثنائيّة مع دولة الكيان الذي يقيم فيه!

فقد انتهى "عهد القطعان البشريّة"، وأضحى الأعضاء في دولة الحزب، مما يوجب عليهم أن يكونوا الحصن المنيع والمدافعين بقوة عن دولتهم الجديدة والمتابعين بجدّيّة عالية لإعلاء شأن دولتهم، والساهرين على إداء إداراتهم الحزبيّة في كل الشؤون والشجون. وتقديم الإقتراحات لتحسين الأداء، كما لتقديم الطعون والشكاوى للمحكمة الحزبيّة - ذات الأحكام المبرمة - بحق كل مخالف للقواعد والأصول الحزبيّة، عن كل تخلّف أو تقصير لمسؤول - من رئيس الحزب إلى أدنى مسؤول - عن حُسُن آداء مهامه ضمن الصلاحيَّات الواردة في الدستور. ففي حزب سعاده مساواة تامة بين الأعضاء والمسؤولين وحاملي الرتب الحزبيّة فلا تمايز ولا تفاوت إجتماعي أو ما شابه على الإطلاق.

إن ما يدركه العميان فضلا عن المبصرين، إن مسيرة الحزب كانت مخالفة ومناقضة لكل ما أتى به المؤسس. ويذكر الأمين مسعد حجل في مذكراته إن سعاده أعلمه بعد عودته إلى الوطن عام 1947 أنه يود "حل الحزب" نظرا لما آلت إليه حال الإدارة الحزبية من إرتهان خارجي وفساد إداري وأخلاقي وانحراف عقدي ونظامي، إضافة لهبوط مستوى الوعي لدى الأعضاء لعدم مواجهة إنحراف الإدارة الحزبية وفسادها وارتهانها.

إن حالة الحزب اليوم، شبيهة بحالة الحزب عام 1947. وإن الحاجة تدعو إلى حالة هي أقرب إلى إعادة تأسيس عبر إدارة ثقة، تملك معارف واختصاص وفضائل نضالية. وكما كان سعاده يعبر عن الإرادة العامة للشعب السوري

( ديمقراطية تعبيرية) يجب أن تعبر إدارة الثقه هذه عن إرادة القوميين الإجتماعيين العامة في كل تنظيماتهم (ديمقراطية تعبيرية) لفترة مؤقتة سنة أو سنتين لإعادة بناء الثقه بين القوميين، وجمع صفوفهم، وبناء الكوادر. يعقب ذلك مؤتمر نوعي، فتشكل له هيئة من أصحاب الخبرات، فترسم خط سير المؤتمر من الخطط المرحلية للعملية الاصلاحيةو كل الخطوات اللاحقة... يصدر عن المؤتمر قرارات ملزمة يجري العمل بها من قبل أول إدارة جديده للحزب الواحد.

وبالنسبة لما هو قائم اليوم من "إدارات حزبية" ندعوها إذا كانت صادقة النوايا بالعمل للإصلاح والعودة لحزب واحد يجمع كل القوميين الإجتماعيين والإنتهاء من الإنقسامات وإعادة ثقة الشعب بحزبه عبر تعهدها بحل نفسها بعد إعلان القيادة الموقتة.

يعلم القوميون ان مفهوم العضوية في حزب كالحزب القومي الاجتماعي يختلف كليا عن العضوية في اي حزب آخر، لذلك يجب أن يعمل الأوفياء لعقدهم مع الزعامة القومية لوحدة صفوف أمثالهم. فهم حزب الوحدة القومية. المتمسكين بقسمهم وإيمانهم بزعيم النهضة. والعاملين بصدق لإعلاء شأن أمتهم.

و كلنا يعلم، من كتابات سعاده و حياته العملية - و التي فاقت كتاباته- انه لم يكتف بتشريح بسيط للوضع السوري العام، او بتفسير بعض الخلل فيه، بل وضع خطة كاملة لتغييره تغييرا شاملا. كما اعتنى بدرس أنظمة الحكم و شؤون الدول "المتمدنة" ليحكم على رداءة هذه الانظمة وأعمال حكوماتها.

ويدرك كل دارس متبصر في فكر سعاده "ونظامه الجديد" انهما الحل الأمثل لكل معوقات ومشاكل شعبنا السوري. كما البشريه جمعاء.

ويدرك القوميون أيضا، ان المحاكمة - المهزلة للزعيم التي هزت وجدانهم، كان جديرا أيضا وأيضا ان تهز وجدان شعبنا لا سيما مثقفيه الذين لم يحركوا ساكنا لغرقهم في العصبيات المذهبية و الكيانية.. و ما زالوا لتاريخه!؟

فقد كان يتوجب على مثقفي شعبنا والأعلاميبن خاصة الإلتفاف حول فكر سعاده وعقد الندوات الثقافيه الجامعة في المنتديات والجامعات لشرح فكر رجل قدم حياته لنصرة شعبه.

وختاما، اتوجه الى القائلين بفشل مشروع سعاده (عبد المنعم علي عيسى في الأخبار 28.10.2020)، فبينما نراه يوافق سعاده في تشخيص "معوقات نهوض المنطقه " بالهجمة الغربية وحالة التشظي الطائفي والمذهبي يعود ليطرح ان "علمانية" سعاده كانت "قفزا عاليا يفوق قدرات المجتمع". وهذا ما كان سعاده قد طرحه في بداية عمله الحزبي وعمل لالتفاف المثقفين حوله للتغلب على هذا السرطان الخبيث الذي يفتك بجسد الأمة. لكن حياة سعاده الصعبة في ظل الظروف التي سبق طرحها، كانت تستوجب من القوميين والمثقفين على السواء، تلقف هذه "العلمانية" - طالما هي الحل- والمساهمة في رفع مستوى المجتمع لإنجاح تطبيقها..

اما بشأن "البنية التنظيمية" فأدعوه لمزيد من الإطلاع على "النظام الجديد" - الذي هو في غايه الحزب- الذي تخلف القوميون عن تطبيقه لتاريخه لتسلط أصحاب المصالح الفئوية على إدارات الحزب. وللاطلاع على ما جاء في محاضرة سعاده في ايار عام 1940:.. ان سورية تضع امام العالم اليوم "فكرة" التعبير عن الإرادة العامة "بدلا من فكرة" "تمثيل الإرادة العامة" التي لم تعد تصلح للأعمال الاساسيه لحياة جديدة.

إن التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخه في العالم كله والبشرية بأسرها تنتظر تفكيرا جديدا تنال به سعادتها وراحتها وحريتها...

ان الديمقراطية الحاضرة قد إستغنت بالشكل عن الأساس فتحولت الى نوع من الفوضى لدرجة ان الشعب ذاته اخذ يئن من شلل الأشكال التي اخذت على نفسها تمثيل الإرادة العامة، وصار ينتظر إنقلابا جديدا. وهذا الإنقلاب هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية الإجتماعية القائله بالعودة إلى الأساس والتعويل على "التعبير عن الإرادة العامة" بدلا من تمثيل " الإرادة العامة" الذي هو شكل ظاهري جامد. ".

وذلك بأن يتولى المتنورون واصحاب الاختصاص والمناضلون إدارة شؤون حياة شعبهم المتخلف ثقافيا واقتصاديا، والغارق في مستنقعات العشائريه والقبلية والأثنية. وقد قدم أبطال الحزب المقتدين بزعيم النهضة أمثولات عالية في هذا السبيل وآخرها بعد عمليه الغزو البربرية لدولة العدو للبنان عام 1982: حبيب الشرتوني وخالد علوان وأمثالهما. ورأينا كيف تعاملت السلطات اللبنانية مع ملف الشرتوني دون ان تقوى القوى العلمانية والوطنيه في بلادنا وعالم العروبة على التصدي لهذه الجريمة النكراء بحق القضاء والأخلاق الانسانية.

ومن رد الدكتورة صفية سعاده على مسألة الفشل أورد ما يلي: "لا يحكم على الأفكار بالنجاح أو الفشل إنما نستطيع أن نحكم على حزب بفشله في تعميم الأفكار التي يتبناها، أو فشله في تطبيقها.

.. كان من الأفضل الإعتراف، بأننا لم نحاول تغيير المجتمع بل انهمكنا بالعمل على الوصول الى السلطة كبقية الاحزاب السياسية، بالرغم من ان سعاده نعت حزبه "بالاجتماعي"، أي ان هدفه تغيير المجتمع."

وتبعا لسياق ما أوردته من حقيقه مرة عاشها القوميون الإجتماعيون" الصامدون " في عضويتهم، الذين عايشوا كل الظروف الداخلية الصعبة "والمنتظرين" فكاك أسر حزبهم من سلاسل "الشركة السياسية" التي حكمت الحزب منذ غياب المؤسس.

هذه " الشركة" التي هشلت كل المثقفيين من الحزب، و أبعدت عنه مثقفي شعبنا لفساد أعمالها.

إن ما يعوزنا في الظرف التاريخي الذي تجتازه بلادنا وشعبنا، الى إدارة حزبية إستثنائية، تعيدنا إلى ألق التأسيس الأول من قبل سعاده المعبر الأوفى عن الإرادة الشعبية العامة. إدارة مؤلفة من أصحاب اختصاص وعقل نير ونضال مميز تعبر خير تعبير عن الإرادة العامة للقوميين جميعا في كل "التنظيمات" لإعادة حياكة وحدة يصعب شقها من قبل أصحاب المصالح الفئوية والخاصة، وحدة أعضاء مؤمنين يشهدون بإيمانهم العالي بزعيم نهضة بموجب عقد لا يمكن فكاكه، لإرتباطه بمصير شعب ووطن عانى معاناة كبرى من الإقطاع الداخلي والدولي.

فكل ما هو قائم هزيل، وباهت، و تافه وغريب عن كل ما أشاده سعاده خلال حياته العملية، يشهد بذلك كل القوميين الأوفياء لقسمهم. مما يتطلب - في مثل هذه الظروف الصعبة - رجالا مميزين فكرا ونضالا واصحاب اختصاص عال لإدارة الحزب لفترة سنة او سنتين لإعادة بناء الثقة والإلفة بين جميع الأعضاء ليصار بعدها لعقد مؤتمر نوعي تشكل له هيئة مختصة مهمتها الانتهاء إلى ورقة مشروع إصلاحي شامل، يضم أصحاب "الافكار النيرة والأراء الصائبة" لتقرير مسار "الحياه القومية" الجديده التي تطمئن القوميين الى صوابية نهج الإدارة الحزبية على طريق مؤسس النهضة.

1 كانون أول 2020

طه غدار

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram