تتشابه صورة إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري هذه السنة، مع الطابع العام الذي كانت عرفته المناسبة العام الماضي. وتتيح قراءة الظروف في "البلَّوْريّات" الزمنية قُبيل أسبوعين، مشاهد من المحتشدين أمام الضريح في ساحة الشهداء يواكبون حضور الرئيس سعد الحريري. يبدو جليّاً أنّ أحداث المرحلة ستعيد محطات 14 شباط 2022، مع فارق واحد متمثّل في أنّ المشاركة تحظى برمزية إضافية لناحية تزامنها مع حلول السنة الأولى على تعليق رئيس تيار "المستقبل" عمله السياسيّ. وفي العودة الذهنية - الزمنية إلى 14 شباط 2005، بعد مرور دقائق على مغادرة رفيق الحريري مقهى place de l'étoile، دوّى انفجار هائل مع اقتراب الموكب من فندق السان جورج، مخلّفاً حُفرة بعُمْق 18 سنة من دمار لبنان. وإذ يزداد حجم القعر راهناً عطفاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أسئلة كثيرة طُرحت في المجالس السياسية خلال الأيام الماضية حول تقويم رئاسة تيار "المستقبل" للمرحلة والمعطيات المرافقة لتواجد الحريري في بيروت. وماذا عن خيار العزوف وإمكان استمراره من عدمه وتأثيراته؟
أولاً، تؤكد معلومات "النهار" استناداً إلى أوساط رسمية أن حضور الحريري في ذكرى 14 شباط سيتضمّن لقاءات مرتقبة مع قيادات تيار "المستقبل" المستمرة في مهماتها التنظيمية والاجتماعية، بما يشمل انعقاد اجتماعات مع الفعاليات والنواب والوزراء السابقين الذين عملوا انطلاقاً من قرار عدم خوض الانتخابات النيابية. وسيشهد بيت الوسط تقاطراً للأشخاص الذين التزموا بمقاربة الحريري أو ما يحبّذ المعنيون تسميتهم بـ"أهل البيت"، باستثناء الذين لم يوافقوه واختاروا الترشّح للانتخابات، وباتوا بالنسبة إلى تقويم القيّمين في "المستقبل" خارج الدار وخارج المسيرة.
ثانياً، لن تشهد المناسبة خطبَ منابرٍ أو كلماتٍ مكتوبةً أو مواقفَ سياسيةً، بل إن جزءاً من اللقاءات ستتخذ الطابع التنظيمي، إضافة إلى امكان بروز زيارات بارزة لعدد من المرجعيات أو الأقطاب إلى "بيت الوسط" للقاء الرئيس الحريري. لكن، يتأكّد عدم شمول اللقاءات أبعاد سياسية، أو تطرّقها إلى مواضيع السياسة المحلية كمعطى غير حاضر عن جدول أعمال الحريري الذي يبتعد عن الشأن السياسي. وتجدر الاشارة إلى غياب المداولات بين الحريري والقوى السياسية منذ لحظة تعليقه العمل السياسي وابتعاده كليّاً عن أيّ تواصل سياسيّ.
ثالثاً، لا تحضيرات ذات طابع لوجستي لناحية الحضور الشعبي في ذكرى 14 شباط هذه السنة، في صورة مشابهة للعام الماضي التي عرفت تفاعلاً عفوياً من مناصري تيار "المستقبل". ولا تقرأ أوساط "التيار الأزرق" أنها أمام امتحان إثبات الجماهيرية أو الشعبية مع إضاءتها على نتائج استحقاق الانتخابات النيابية التي عكست مؤشرات ايجابية بالنسبة إليها لناحية ترسيخ الزعامة الحريرية على الرغم من قرار العزوف الانتخابي. ويَنظُر "المستقبل" من مشهد عالٍ إلى ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري التي تعني فئات واسعة من اللبنانيين، مستطلعاً حال البلاد اليوم وتداعيات اغتياله بعدما أضحى لبنان في مهب الريح. ويثق "المستقبل" في المؤشرات التي ستنتجها الصورة العامة أمام الضريح يوم 14 شباط للتأكيد على "جواب شافٍ" مشير إلى الحريرية كحالة متجذرة في الارث والمشروع الذي يستشعره القيمون عليه أكثر قوة خارج السلطة لناحية التحرّر من أعباء اللعبة السياسية وتسوياتها.
رابعاً، يأتي حضور رئيس تيار "المستقبل" إلى لبنان في إطار إحياء المناسبة الوطنية وسط معطيات مؤكِّدة الاستمرار في قرار تعليق عمله السياسي نتيجة عدم تغيّر الحيثيات والظروف التي استوجبت اتخاذ خيار العزوف بل ازدياد مؤشراتها بدءاً من الانهيار الاقتصادي المتزايد مروراً بالانسداد السياسي المتفاقم بما يشمل موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووصولاً إلى استعار الطائفية وعرقلة الحقيقة في قضية انفجار مرفأ بيروت التي طالب الحريري بتحقيق دولي للقدرة على تبيانها. وتذكّر هذه الصورة مجتمعة كوادر "المستقبل" بالجملة المفتاح التي أكّدها الحريري في خطاب الاعتكاف الانتخابي قبل نحو سنة، لجهة غياب انقشاع أيّ فرصة ايجابية لإنقاذ لبنان في ظلّ التخبّط المحلي والتدخل الايراني والخطاب الطائفي واهتراء الدولة. ولا يلتمس المقربون من الحريري متغيرات مشجعة على استئناف الحياة السياسية وسط استمرار عرقلة بنود الاصلاحات التي كانت ارتبطت بمؤتمر "سيدر" وورقة العمل التي قدّمها قبل استقالته من الحكومة وملاحظته غياب جدية تطبيقها من قوى متعددة مشاركة حكومياً.
لا تشير هذه المعطيات مجتمعة إلى اقتراب خروج لبنان من النفق الذي دخل فيه نتيجة مفاعيل يوم 14 شباط 2005 المشؤوم، في وقت تتلقّف الجهات المقربة من الحريري أجواء أكثر قتامة مخيّمة فوق الأفق اللبناني ما يجعل اتخاذ قرار العزوف بعيد المدى تعبيراً عن خيبات متلاحقة أَمْلت عدم الاستمرار حتى وإن كرّست فراغاً حاصلاً. ويعتبر العارفون بأبعاد وجهة نظر الحريري أنّه مستمرّ في هذه القناعة انسجاماً مع الذات بدلاً من الاستمرار في النزف والغرق في وحول الواقع السياسي اللبناني من دون نتائج أو حلول نتيجة غياب التعاون الذي طبع ممارسات المعطلين لأيّ مسعى للإنقاذ.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :