انقشع غبار المعركة الانتخابية في (إسرائيل) عن فوز بنيامين نتنياهو وهو أمر لم يكن مستبعداً، وإنما جاءت المفاجأة بحصوله على أربعة وستين مقعداً برلمانياً مرشحة لأن تقارب السبعين إن التحقت به كتلة منصور عباس. هذا ما يبعد شبح الانتخابات السادسة خلال أربع سنوات ويعطي نتنياهو القدرة على تشكيل حكومة غبر متأرجحة لأربع سنوات مقبلة، وهو يؤكد أنه قادر على تشكيلها سريعاً وفي المهلة الأولى، أيّ خلال ثمانية وعشرين يوماً، وإنْ رأى بعض المحللين أنه سيحتاج إلى وقت أطول في التفاوض مع شركائه المزعجين والشرهين للسلطة والنفوذ والساعين للحصول على وزارات «سيادية» مهمة كالدفاع والخارجية والمالية والزراعة.
يرى الشركاء المزعجون من أصحاب البرامج المتطرفة والدموية أنّ الفرصة سوف تكون سانحة لتطبيق برامجهم خاصة في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، ولطالما استقوى نتنياهو باليمين الأميركي على الإدارات الديمقراطية، بن غفير مثلاً يرى أن لا داعي للإبقاء على السلطة فبالإمكان ضمّ أراضي الضفة الغربية بقرار «إسرائيلي» دون الالتفات لأية عواقب، فيما يرى نائب رئيس بلدية القدس ضرورة تكثيف المشاريع الاستيطانية في (عاصمة إسرائيل) القدس حتى وإنْ لم يفز الجمهوريون فالإدارة الديمقراطية أعجز من الاعتراض على ذلك.
كان فوز نتنياهو يمثل أخباراً سيئة لبعض العواصم منها رام الله وعمّان وبيروت وأخباراً جيدة لأخرى منها الرياض وأبو ظبي والمنامة، بخصوص رام الله لا يرى نتنياهو بداً من تنفيذ صفقة القرن التي تصوّر بعض منا أنّ النسيان قد طواها، وهذا يعني ضمّ حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية، وفوق ذلك فنتنياهو لا يرى أية فرصة أو إمكانية للتعاطي سياسياً أو تفاوضياً مع السلطة الفلسطينية وإنما سيسخر لها مكتباً من مكاتب وزارة الدفاع قد يسمّى دائرة الشؤون الفلسطينية أو الإدارة المدنية وهي أعلى سقف سياسي ممكن للسلطة الفلسطينية أن تتعاطى معه… بكلمات أوضح فهو ضمّ فعلي.
عمّان تحركت سريعاً وكانت أول من تفاعل مع نتائج الانتخابات «الإسرائيلية»، فوقعت مع الرئيس «الإسرائيلي» والفرق المرافقة له في شرم الشيخ اتفاقيات لإنشاء حقول إنتاج كهرباء في الصحراء الأردنية لتباع لـ (إسرائيل) فيما تنشئ (إسرائيل) محطات تحلية لمياه البحر الأبيض المتوسط وتبيع الماء للأردن، وكلّ ذلك بتمويل إماراتي، وما تقدّم ليس إلا شاناً اقتصادياً ولكن اللقاء السياسي مع الرئيس «الإسرائيلي» هيرتسوغ ليس اكثر من بروتوكول حسب النظام السياسي في (إسرائيل)، ما يقلق الأردن هو مشروع نتنياهو القديم والقائل بأنّ الدولة الفلسطينية لا مكان لها غرب النهر وإنما الأردن هو الوطن الفلسطيني (البديل) وهو الدولة الفلسطينية.
نتنياهو يرى أنّ اتفاق ترسيم الحدود واتفاقيات استخراج الغاز من البحر الأبيض المتوسط لم تكن إلا خنوعاً من الحكومة السابقة للبنان ومقاومته، لدرجة اعتبر معها أنّ المفاوضات كانت تجري بين السيد حسن نصر الله والأميركان بمعزل عن الحكومة في تل أبيب، وهو يقول إنه لن يلتزم بهذه الاتفاقيات التي يعوّل عليها لبنان للخروج من حالة الاستعصاء المالي الذي يعيشه.
الأخبار الجيدة كانت من نصيب عرب البترودولار في الرياض وأبو ظبي والبحرين، فقد عاد لديهم من يلوّح بالقوة أمام عدوهم الموهوم ـ إيران، ولديهم من يدعم بقاءهم على عروشهم ومن ينحاز إليهم حتى في معاركهم داخل أسرهم الحاكمة، ولدى الحكام من هذا الجيل الجديد ما يتيح لهم التخفف من أحمال المسألة الفلسطينية بهدوء ودون إعلان، ولسان حالهم يقول إنهم مهما قدّموا من تنازلات فلن تفوق ما قدّمته القيادة الفلسطينية من تنازلات وتنسيق، وبالطبع سيكون في القريب مزيد من التطبيع مع السعودية التي ستلحق بها دول عربية وإسلامية أخرى.
أمامنا أربع سنوات طوال لن نرى فيها ما يسرّ، ومن المضحكات المبكيات أنّ نتنياهو سيكون رمز الاعتدال في حكومته المقبلة، طبعاً بالقياس مع شركائه…
نسخ الرابط :