دخل الاستحقاق الرئاسي في لبنان مرحلة حسّاسة، وباتت الكتل النيابية المنضوية ضمن فريق «8 آذار» ملزمة بتسمية مرشحها في جلسة الخميس المقبل، بخلاف «الورقة البيضاء» التي لازمت التصويت بها على مدى 4 جلسات سابقة. ويتوقّع معارضون أن تشهد جلسة بعد غدٍ «بداية انقسام بين حلفاء (حزب الله) مع اقتراب الأخير من تبنّي ترشيح رئيس تيّار (المردة) سليمان فرنجية، والوصول إلى افتراق مع رئيس (التيار الوطني الحرّ) النائب جبران باسيل، الذي لم يسقط من حساباته خوض هذه المعركة، أو الاتفاق على رئيس يضمن له مكتسباته داخل السلطة».
«حزب الله» الذي يقود فريق الممانعة في لبنان، بدا مستعجلاً في تحديد خياراته الرئاسية والتخلّي عن دعم باسيل. وأكدت مصادر متابعة للملف الرئاسي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحملات الإعلامية الأخيرة، قطعت (شعرة معاوية) مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وسليمان فرنجية، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووضعت (حزب الله) أمام استحالة تسويقه باسيل في هذه المرحلة»، معتبرة أن «هجوم عون المركّز على ما وصفها بمنظومة الفساد التي أفشلت عهده، واستتباعه بحملة عنيفة من باسيل على رئيس البرلمان، ووصفه بالشيطان الأكبر، ويوضاس العصر؛ أفقد الحزب آخر ورقة ممكنة للدفاع عنه، أو أي محاولة لإعادة إنتاج تسوية جديدة توصله إلى قصر بعبدا».
صحيح أن «حزب الله» لا يريد التفريط في تحالفه مع «التيار الوطني الحرّ» كفريق مسيحي قوي له تمثيله النيابي ووزنه الشعبي، لكنه بات حذراً جداً باعتبار أن خوض معركة باسيل، بات أشبه بالمغامرة. ولا تخفي مصادر مقرّبة من حركة «أمل» التي يرأسها نبيه برّي، أنه لو جرى تبنّي ترشيح باسيل من قبل «حزب الله»، فسيكون له تداعيات تجعل الحزب في وادٍ و«أمل» في وادٍ آخر. وتشير المصادر إلى أن «جمهور حركة (أمل) لن يتقبّل بأي حال محاولات تسويق صهر العهد السابق، خصوصاً بعد حملة بالشتائم والعبارات النابية بحقّ رمزهم (برّي)، مما يجعل الافتراق بينهما حتمياً... أقلّه في الملفّ الرئاسي».
واختتم عون الساعات الأخيرة من ولايته الرئاسية، بهجوم كاسح على الطبقة السياسية، وركّز على برّي من دون أن يسميه، متهماً إياه بـ«منع إقرار مشاريع القوانين الإصلاحية التي قدّمها تكتل (لبنان القوي) برئاسة باسيل، لا سيما (الكابيتال كونترول)، وعرقلة تنفيذ قانون (التدقيق الجنائي)»، في حين حمّل باسيل برّي «مسؤولية عرقلة تشكيل حكومة جديدة تلبي شروطه، وتتولى إدارة الفراغ الرئاسي، وتحريض ميقاتي على عدم تشكيل الحكومة». وأعلن باسيل في مقابلة تلفزيونية، أن كتلته النيابية «لن تصوّت بورقة بيضاء يوم الخميس، وستسمّي مرشّحها الرئاسي»، في حين جزم النائب قاسم هاشم، عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها برّي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «حظوظ باسيل الرئاسية تساوي صفراً». وشدد على أن «التوازنات الداخلية والأجواء الخارجية تجعل إمكانية وصوله إلى قصر بعبدا معدومة؛ لأن الظروف اليوم تختلف تماماً عن ظروف عام 2016». وعن إمكانية دعمه من «حزب الله» مجدداً، استبعد قاسم هذه الفرضية، لكن استطرد قائلاً: «في حال ذهب (حزب الله) إلى هذا الخيار، يكون قد مارس قناعاته السياسية، ونحن بدورنا سنمارس قناعاتنا المناقضة لهذا التوجّه».
في غضون ذلك، قلّل مصدر بارز في فريق «8 آذار»، من تأثير باسيل في المعركة الرئاسية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك أي مكوّن داخل قوى (8 آذار) يقبل بجبران رئيساً، وترشيحه مرفوض من الجميع، كما أنه يعاني من مشكلة داخل تياره». وأضاف: «صحيح أن (حزب الله) ما زال يسايره كحليف مسيحي صاحب تمثيل نيابي، لكنّ تبنّي ترشيحه أقرب إلى المستحيل». وتشي وقائع المعركة بأن الحزب لم يكن قادراً على فرض مرشّحه هذه المرّة كما فعل في عام 2006، عندما أقصى سليمان فرنجية جانباً، ودعم ميشال عون. وأشار النائب طوني فرنجيّة (نجل سليمان فرنجية) في مقابلة تلفزيونية، إلى أنّ «باسيل نفسه يدرك أن لا حظوظ له في هذه المرحلة». ورداً على سؤال عن إمكانية أن يطلب «حزب الله» من والده دعم باسيل أو قائد الجيش العماد جوزف عون، أجاب: «أعتقد أنّ (حزب الله) لن يطلب منّا دعم ترشيح قائد الجيش. صعبة يمون علينا الحزب هذه المرّة».
أما القيادي في تيّار «المردة»، النائب السابق كريم الراسي، فاعتبر أن الانتخابات الرئاسية «أبعد من اتفاق داخلي، بل رهن تسوية إقليمية ودولية». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الكلام عن إمكانية دعم الحزب لجبران باسيل، يأتي في إطار الضغط السياسي على الأطراف ودفعها للتوافق على رئيس يرضي الجميع». وشدد على أن «علاقة الوزير سليمان فرنجية مع حلفائه، خصوصاً (حزب الله)، أبعد من الاستحقاق الرئاسي». الاستحقاق الرئاسي يضع «حزب الله» أمام احتمالين: الأول عدم خسارة حلفائه جراء المعركة الرئاسية، والثاني محاولة الدفع للاتفاق على رئيس وسطي.
وترى مصادر مقربة من «حزب الله»، أن «ترشّح باسيل لرئاسة الجمهورية يحرج الحزب وأمينه العام حسن نصر الله، ويضعه أمام خيارات صعبة للغاية». وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الحزب «ما زال متمسكاً بورقة تفاهم مار مخايل (اتفاق التحالف بين عون ونصر الله الذي حصل في عام 2006)، لكنّ هذا التفاهم على أهميته لا يمكن أن يتقدّم على العلاقة العضوية القائمة بين الحزب وحركة (أمل)». وتشدد المصادر على أن «الأولوية بالنسبة لـ(حزب الله) تكمن في الوحدة الشيعية - الشيعية، ثم الوحدة الشيعية – السنية، وتتوّج بالوحدة الوطنية؛ أي بالعلاقات الإسلامية المسيحية». ولا تخفي المصادر صعوبة الموقف، لكنّها تأمل في «فتح باب الحوار أمام كلّ الأطراف للاتفاق على رئيس يوحّد اللبنانيين».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :