عصفورية دستورية في مــصح سياسي!!

عصفورية دستورية في مــصح سياسي!!

 

Telegram

 

عفوًا ولستُ بقاصد أيّاً كان، نحن في أمسّ الحاجة إلى مزيد من الدعم الصحّي السياسي في لبنان وكذلك في حاجة إلى إعطاء الأولوية للإنتقال من خدمات عامة دونما إختصاص إلى الخدمات القائمة على الصحة النفسيّة السياسية. يُعاني غالبية السياسيين عندنا من إضطراب نفسي ـ سياسي متعلّق بتعاطي الشأن العام على قاعدة «مَرّقلي حتى مرّقلق، وما عم بتوفّي معي زيد بعد شوي...». من المفترض أنْ يُحدث في علم السياسة باب يُطلق عليه إسم «الإرشاد التدريبي للأمراض السياسية الناتجة من المرض النفسي والأنانية وحب السلطة»، وسيكون عبارة عن كلية جامعية مكوّنة من أجنحة عدّة لاستقبال السياسيين المرضى للتأهيل وللذين يعانون إضطرابات سياسية ـ عصبية تكاد تقضي، إنْ استكملوا أعمالهم على هذا المنوال، على الوطن وما تبقّى من حياة سياسية.

إستنادًا الى علم السياسة إنّ العمل السياسي الصادق والسليم وبأبوابه المتعددة تحكمه الضوابط أولاً والأخلاقيات ثانيا والمثُل الفُضلى ثالثا،كما أنه مُجرد إرتقاء متجرّد للمصالح والتوجهات الفكرية - السياسية لمجموعة سياسية مؤلفة من أكاديميين وإختصاصيين في علم السياسة يمثّلون توجهًا فكريًا يعملون على تحقيقه بناء على قواعد العلم السياسي وما يندرج تحت البنود الدستورية. هذا المفهوم العلمي للعمل السياسي يضع الغايات النبيلة فوق المصالح الخاصة لأنه من الطبيعي يهدف إلى تأمين الراحة والبحبوحة للشعب والإزدهار للنظام القائم. إما الناحية الأخلاقية التي تأتي في المرتبة الأولى فإنها أولى المطالب التي يجب أن تتوافر في كل من يرغب في إدارة الشأن العام. في لبنان حاليًا هناك شرخ كبير بين مفهوم السياسة والأخلاق وهو واحد من الأسباب الكارثية التي ضيّعتْ قيم المجتمع اللبناني وأعادت للسياسة وجهها المصلحي المادي والمعنوي وأعاقت كل تقدّم. تأسيسًا للمفاهيم السليمة على كل سياسي أن يعمل لمصلحة لبنان أي مصلحة الوطن وكرامة الشعب وحماية مستقبله هي فوق كل إعتبار سواء أكان دينيًا أو إجتماعيًا أو سياسيًا، ولكن للأسف ساسة لبنان في عصفورية دستورية كائنة في مصح سياسي مضطرب فكريًا - عقائديًا - سلوكيًا.

هناك سوابق غير شرعية وغير مألوفة في ممارسة العمل السياسي حيث تشهد الحياة السياسية اللبنانية تحولات عميقة بسبب مجموعات من العوامل السياسية ـ الفكرية ـ الإدارية الممارسة من بعض السياسيين فضلاً عن النزاعات العنيفة والأزمات السياسية وآخرها أزمتي الفراغ الحكومي والرئاسي إلى عدم الإستقرار السياسي. إنّ تحديات السلام والأمن الممارسة من ساسة لبنان تُهدِّد المسار السياسي السليم المبني على قواعد دستورية أهملها عمدًا من مارسوا السياسة وستجعل بالطبع من الصعب جدًا على كثير من الباحثين ورجال الفكر بلوغ أهداف من شأنها إعادة الأوضاع ولو بالأطُر الممكنة إلى ما كانت عليه. ولكي يسلم الوضع في لبنان يجب على قادة الرأي الشرفاء، علمانيّين ورجال دين وحتى المجتمع المدني، أن يفهموا المخاطر الحالية والمستقبلية للعنف المُتّبَع لدى ساسة لبنان وأن يتداركوا الأزمات المفتعلة وما تسببه من عدم استقرار، كما عليهم أنْ يتداركوا العوامل المحركة التي ينتهجها ساسة لبنان حتى يتمكّنوا من تكييف سياستهم المدعومة بمبادىء علم السياسة المبنية على السياسة السليمة والأمن الصادق والإدارة الشفّافة بطرق تؤدي إلى تعزيز العمل السياسي وتحسين القدرة على الإستجابة لوضع سياسي سليم يُنتشل من العصفورية السياسية المنتهجة حاليًا والتخفيف من آثارها المدمرة على الشعب والوطن.

كل باحث في الشأن السياسي عموماً وفي الشأن اللبناني خصوصاً ينطلق من ظاهرة سياسية فكرية غريبة لها وجودها في هذه المرحلة داخل الواقع السياسي اللبناني، وإنّ كل حدث يحصل حاليًا على ما يبدو له محددات سياسية، وبالتالي فإنّ التطرق إلى إشكالية الوضع الشرعي على المستوى الحالي عموما يدفع الباحثين الى طرح أسئلة عدة تتطلب أجوبة مختلفة وتتعلق بأمور كثيرة، ومنها: هل الوضع السياسي في لبنان سليم؟ وهل هو نتاج القوانين أو نتاج أداء سياسي عَفن تحكمه «الخَوتنة»؟ أي شكل لهذه السلطة التي حكمتْ لبنان بعد الطائف؟ أي شكل لهذه التحالفات التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه؟ أي طبقة سياسية مسيطرة على الوضع اللبناني؟ أي سلطة تتوالد وتتكاثر وتبقى في السلطة من دون أن تغيِّر في نهجها وأشخاصها؟

وللتطرق إلى مسألتي الأوضاع العامة في البلاد ومسألة الشرعية يجب التوقف عند هاتين الملاحظتين الأساسيتين:

الأولى: إنّ غالبية دول العالم عاشت الفوضى ولكن بعد جهود مضنية نظّمت أمورها وعاشت الحياة السياسية الطبيعية وانتهجت سياسة حكيمة رصينة على كافة الصُعُد.

الثانية: بعد مرحلة الفوضى كانت مرحلة تكوين السلطة على قاعدة الدول الحديثة أو ما يُعرف بالفرنسية: les états moderne، أي ما معناه أنّ كل الدول التي عانت من الفوضى السياسية ومن المشكلات غير الشرعية، أي عدم شرعية حكامها ونوابها ووزرائها ورؤساء أحزابها ومؤيديهم… وهذا يعني ان هناك إشكالية تتعلق بقيام علاقة الأمر الواقع والطاعة العمياء اللتان منعتا من بلورة الملاحظتين الأساسيتين المُشار إليهما أعلاه، وهذا أمر في حاجة إلى ترتيب بكل جدية وصدق وإخلاص وتجرُّد، وفي حالة عدم حصوله سيبقى الوضع العام للبلاد في حالة الفوضى الهستيرية.

تجنُبًا لأي فراغ قد يتأتّى من العصفورية السياسية، ولأنّ لبنان كان دولة ديموقراطية على ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني وتحديدًا الفقرة /ج/ منها، ولأننا نعاني في هذه المرحلة مشكلات في هيكلية الجمهورية بحكم العصفورية السياسية المتصلبة المتأتية من ساسة فاقدي الصفة التمثيلية… لذلك قد أصبح من مُسلمات علم السياسة أنّ الشرعية السياسية لها الأثر العميق على مستوى أداء السلطة وبالتالي هي مصدر قيام السلطة وكيفية فهم الجماعة لها ولوظائفها. لتلك الأسباب الوضع في البلاد بات في حاجة الى ثقافة سياسية ـ فكرية ـ ثورية تكون الأساس لمفهوم السلطة ولمصدرها، وبالتالي لشرعيتها. وتتبلور هذه الأمور من خلال قيام نظام إنتقالي يستمد شرعيته على أساس الإنقاذ والأعراف السائدة لإنقاذ الوضع ممّا هو عليه من عصفورية دستورية في مصح سياسي غير قابل للشفاء.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram